"صفحة جديدة" لفريق إسكندريللا: من وجدان مصر الى العرب والعالم

نداء عودة

منذ بداية الحراك العربي، وصلت أصداء فريق إسكندريللا إلى أسماع الجمهور الذي حلم بربيع تغييري، أما الفرقة التي قدمت مراراً إلى #لبنان ونالت إعجاب جمهوره، فإن أعمالها الموسيقية التي نضجت في السنوات الأخيرة وخاطبت ما كان ربيعاً واعداً واستحال ربيعاً مسروقاً، فقد ظلت غائبة عن المتاجر اللبنانية حتى فترة قريبة.


برزت إسكندريللا في المرحلة الأخيرة كواحدة من أهم الفرق التي حاكت هموم الشباب المصري والعربي في مرحلة صاخبة بالمتغيرات. وكان أحد المنتجين الأجانب الداعمين للأغنية ومساهمتها في تحرير الإنسان والمجتمع، ضمّ إحدى أغاني الفرقة، "صفحة جديدة"، ضمن مجموعة أغان في أسطوانة من إنتاج عالمي حملت عنوان "أغان من ربيع مسروق" وتمت مقاربة الأغاني العربية مع أغان غربية وأميركية كانت واكبت #الثورات التحررية والديموقراطية في الغرب في ستينات وسبعينات القرن الماضي.


أما مجموعة "مسار إجباري" التي تلقفها الجمهور اللبناني بنهم، فتضمّ أسطوانتين يمكن أن تختصرا أحلام الشباب المصري وتطلعاته نحو عالم عربي حرّ في مرحلتين متوازيتين. أغان تحمل لحظة اشتعال الثورة المصرية عام 2011 وأخرى تسجّل إحباط هذه الاحلام وهواجس سياسية وانسانية لا تقف عند محليتها المصرية وإنما تطوف لبنان وفلسطين والعالم العربي. هنا نستمع إلى "حيوا أهل الشام" وإلى "يحكى أنّ" التي يقول بعضها: "يحكى أن، أنّ إيه/ سرقوا بلادنا ولاد الإيه/ يحكى أن كان ياما كان/ سرقوا بلادنا الأمريكان/ يحكى أنّ إنعقدت قمة/ ما بتعرفش تقول ولا كلمة". أما "بالعبري الفصيح" فهي أغنية تسخر من اتفاقيات السلام الإسرائيلية العربية وتذهب إلى التذكير بمجازر ارتكبتها إسرائيل في مصر ولبنان وفلسطين.


ويبدو من الصعب عزل الأفكار والمواقف التي تتضمنها الأغاني عن موسيقاها ونسيجها الشعري، فألحان حازم شاهين وصوته ينصهر كما لو أنه توأم مع نصوص فؤاد حداد وأحمد حداد وأمين حداد، إذ يظهر تأثره الكبير بالأسلوب الغنائي المقامي التراثي في موسيقاه وغنائه، وهو الذي حضر في الأغنية السياسية كما أرساها فنانون كانوا رواداً للموسيقى العربية المعاصرة على تنوّع أهوائها الشعرية والموسيقية. ففي أدائه تلمح روح الشيخ زكريا أحمد والشيخ إمام عيسى، وفي مزاوجة الأغنية العربية المقام والأداء بالحداثة الموسيقية والتعبير تجد روحية التجديد عند الشيخ سيد درويش، أما في حماسة الغناء الجماعي فنجد أغاني إسكندريللا امتداداً للأغاني السياسية التي برزت في المرحلة الناصرية، سواء بخيباتها أو انتصاراتها، كأغاني كمال الطويل وبليغ حمدي. فحماسة الثورة في لحظة اشتعالها حملت أغاني فرحة الإيقاعات وجماعية الأصوات، مثل "الليلة ثورة" "إنتا مصري" و"راجعين" التي يقول بعضها: "راجعين من الماضي/ رايحين على المستقبل/ يا حياة يا حرية/ يا روح يا مصرية". وكذلك في "ده جنب ده" حيث تقول: "بياتي وسيكاه وراست وعجم/ قلبك وقلبي وقلب الوطن". فكل هذه الأغاني تحمل روحية النهوض، ووتيرة الإيقاعات الحماسية، وفرح الموسيقى والأداء.


وفي أماكن أخرى من الأسطوانة تجد مكاناً للإنكسارات، وتلك العلاقة الملتبسة بين الوطن والحلم الإنساني الذي لا يزال قائماً فيه. ففي "عيني في عينك" تزاوج الأغنية بين البيانو والعود وبقية الآلات في مساحة عشق مرهفة تقارب المرأة بالوطن. "عيني في عينك إنتي مصدقة/ بيني وبينك أوطان متفرّقة". بهذا المعنى تذهب هذه النوعية من الأغاني إلى انسياب موسيقي تعبيري فيه كمّ جميل من الشجن الحزين، وصولوهات الآلات الوترية مع غناء حازم شاهين الذي يمزج بين التطريب والتعبير. ففي غنائه أرضية غناء مشايخي، لكنه أنيق ومعصرن كما فعل سيد درويش ومن أتوا بعده لتحديث التراث المصري. وبجمالية عالية يغني شاهين "خليك فاكر مصر جميلة"، ويدخل في سياقها للحديث عن الشيالين والعتالين والبنائين، كأنه بذلك يعيد التذكير بتلك الأغاني التي كان سيد درويش قدمها للعمال والفلاحين المصريين.


وبأسلوب إبتهالي لا يخلو أيضاً من الشجن نستمع بصوت مي حداد إلى "مانتاش أخويا يا شهيد إنتا أنا". ويذهب حازم شاهين إلى أسلوب الدعاء والإبتهال الصوفي التراثي لنستمع إلى أغنية "الفجر" التي يقول بعضها: "سجود ما بين قتيل وجريح/ في الأرض لا نستريح/ والنور بعيد وشحيح/ بحق عيسى المسيح/ وبحق دم الشهدا نورلنا المصابيح/ وخلّي صوت الريح/ يغني نهج البردى". وتتميّز تلك الأغاني بتنوّع نغمي شرقي جميل، فبين انسياب الدعاء المرسل والإنتقال الى إيقاعات صوفية مختلفة يبدو حازم شاهين متشرباً التراث الشعبي المصري ومستعيداً إياه كما روحية الشيخ إمام عيسى الذي كان أدخل الإبتهالات الدينية والإيقاعات الصوفية إلى أغانيه السياسية مثل "أصلّي ع النبي" و "تغريد الكروان" وغيرهما من اعمال شاعت.


وعلى الطريقة الإنتقادية نفسها للشيخ إمام التي تحمل همّ الشارع المصري ينتقل حازم شاهين إلى "بشويش" فيسقط عليها هواجس الحراك العربي وإلتباساته فيقول في مكان من الأغنية: "ساعات بنبرد أوي، وساعات نشوف فينا ربيع/ ساعات نحس إن دي بلدنا/ وساعات نخاف يتولدوا فيها ولادنا/ ساعات تزيد السجون وما يخلص الإجرام/ وساعات نربي الدقون ونقول حلال وحرام".


في أعمال إسكندريللا فصول من أحلام الشباب العربي معجونة بموسيقى ونصوص شعرية، طالعة من وجدان الشعب المصري لتخاطب الإنسان المتطلع إلى الحرية في العالمين العربي والغربي.