الحل لا يحتاج "اينشتاين"...وهذه عوائق ترحيل النفايات

من بعد طول انتظار عادت شاحنات "سوكلين" الى الشارع، وأُعطيت التعليمات للبدء برفع النفايات من دون أن يرفع ملفها عن طاولة الخلافات السياسية، وتوزيعها بشكل "متوازن" على مواقع جديدة مستحدثة بانتظار المناقصة على مراكز التفكيك الحراري. إنه حل موقت الى حين التوصل الى حل دائم، ولكن برزت اعتراضات عدة من المناطق التي شعرت أو تأكدت بأن الخيار وقع عليها لتتحمل عبئ نفايات غيرها.


بالطبل والزمر استُقْبِل عمال "سوكلين" من قبل أهالي بيروت، حملوا النفايات وتوجهوا بها، لكن بقي سؤالا "الى أين" و"الى متى" الأبرز في الواجهة؟ البعض تحدث عن نهر بيروت وعن موقف الباصات في سن الفيل وغيرها من المناطق، لا سيما حملة "طلعت ريحتكم" التي نشرت اشرطة مصورة عن رمي النفايات في تلك المناطق.
رئيس بلدية بيروت بلال حمد أكد لـ"النهار" أن "النفايات يتم تخزينها في عقار للبلدية في منطقة الكرنتينا، بعد أن تكون قد مرت أولاً في مكب "سوكلين" حيث يجري فرزها ومعالجتها والمواد التي كانت ترسل الى الناعمة يتم نقلها الى ارض البلدية ". لكن الى متى تستطيع هذه الارض ان تستوعب النفايات؟ اجاب حمد "هذا حلّ موقت بانتظار الحل الدائم، وهو يساعد لمدة عشرة ايام بانتظار أن يجد مجلس الوزراء عقارًا او أكثر خارج العاصمة لحلّ هذه المشكلة، وانا متفائل بإيجاد الحل".


أماكن الكسارات بديلاً


الاضواء سُلّطت في الايام الاخيرة على مناطق الكسارات في عين دارة والمتن الشمالي وكسروان وغيرها لتكون مطامر بديلة، ويحبذ هذا الحل الى النائب وليد جنبلاط، وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قال "من تحمل الكسارات لا يمكنه أن يعترض على المطامر وسوكلين ليست المسؤولة"، فيما رفضه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في تغريدة صباحية "لا يقبلُ عقلٌ بشريٌ طمر النفايات على ارتفاع فوق الألف متر لأنها تلوث مياهنا الجوفية وتقضي على صحة اللبنانيين". هذا الطرح ليس جديدا وهو بحسب رئيس بلدية عين دارة سامي حداد يعود الى عام قبل الآن، حيث قال لـ"النهار "طرحه وزير البيئة الذي اصدر لائحة بنحو خمسين موقعا في عين دارة وغيرها، وقد رفضنا ذلك حينها واتخذنا قرارًا بلديًّا في 17 كانون الثاني 2015 بعدم قبول المطامر وعللنا السبب".
حداد اعتبر "اننا لسنا في ظروف طارئة والأزمة تعود الى قبل 25 عاماً، الآن يريدون ان يضعوا النفايات على علو 1500 متر، نضعها في الجبل ونشربها في عين دارة واغميد وعاليه"، وختم: "ابتلينا بالكسارات وتلويث مياهنا مدة 40 عاماً ولن نقبل الابتلاء بالنفايات وسنضّحي بأنفسنا ولن يمرّ الاقتراح".


لا مكبّ في كسروان
مناطق الكسارات في كسروان من الاماكن التي طرحت لاستقبال النفايات، وقد طرح رئيس الحكومة تمام سلام منطقة وطى الجوز الكسروانية كمكان ملائم لاستقبال النفايات ما أثار اعتراضاً شديداً من قبل وزراء الكتائب والتيار الوطني الحرّ في جلسة مجلس الوزراء اليوم، فأسقطت الفكرة مباشرة عند طرحها. وكما قال عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب فريد الخازن لـ "النهار" فإن هذا الامر مرفوض و"هذه ليست اقتراحات جدية، لا سيما ما يتداول عن مكب للنفايات في المناطق المرتفعة في الجرد، الامر الذي يلوث المياه الجوفية". وأكد أنه "لن يكون هناك مكبات للنفايات في كسروان، اولاً يجب ان تكون في المناطق المنخفضة في الوديان وليس في أعالي الجبال، وثانياً يجب موافقة البلديات وأهالي المنطقة، وثالثا لو كانت هناك نية في ايجاد حلٍ لكان يجب ان يتخذ من قبل ما يزيد عن العشر سنوات".
"تركوا المريض يصل الى حالة الموت ثم استفاقوا ليبحثوا له عن دواء. وصلنا الى طريق مسدود بسبب الاستهتار الكامل من قبل الذين كانوا في مواقع النفوذ ومتورطين مع سوكلين. هذه القضية يوجد خلفها صفقات كبيرة واموال ومحاصصة اموال من الصندوق الاسود"، ختم الخازن.


الطمر ليس حلاً
ايا كان مكان الطمر فإنه ليس حلاً بحسب الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة الذي قال لـ"النهار" ان "المنهجية التي تتبعها الدولة في ادارة ملف النفايات خاطئة، فحلّ هذا الملف لا يمكن ان يكون من خلال المطامر، بل على الدولة، بكل بساطة، ان تعمل على آلية ادارة النفايات. حتى وان قالوا اليوم إن المطامر موقتة فلا احد يصدّق لسبب بسيط ان المؤقت في لبنان يصبح دائمًا". وشرح ان "لبنان ينتج 3800 طن نفايات في اليوم اي ما يوازي مليون واربعمائة الف طن في السنة اذا طمرت، خمس الى ست سنوات سيمتلئ المكان وسنعود الى الازمة عينها، حتى وان تم استحداث غيره، فمن الآن والى 30 سنة قادمة سيتحول لبنان الى مزبلة اينما بحثنا في الارض يوجد نفايات".


المحارق ضرورة
عدا ان الطمر امر خاطئ، تساءل عجاقة: " كم سيستوعب مكان الكسارات حيث يريدون ان يطمروا النفايات؟"، ولفت إلى أن "مطمر الناعمة يحتوي على 10 مليون طن من النفايات، لو كانت تفرز وتعالج بطريقة صحيحة لما كان يحتوي على اكثر من 10% ممّا هو موجود اي مليون طن. في السويد تصل نسبة الطمر الى 1 في المئة من النفايات اما نحن في لبنان فنطمر 92 % من النفايات و8 % تبيعها سوكلين". من هنا فان "المحارق ضرورة". وبحسب عجاقة، "في السويد 49 % من مجمل النفايات تذهب إلى الحرق لتنتج منها الكهرباء والحرارة، فيتدفأ 900 الف منزل وتصل الكهرباء الى 250 الف مسكن بسببها".


اسخف الحلول التي يمكن التفكير فيها بحسب عجاقة "وضع النفايات في باخرة وارسالها الى السويد، لكن هناك مشكلتين تطرحان، اولا مشكلة النقل التي مهما بلغت كلفتها لن تكون بقدر ما تكلف الآن، والمشكلة الثانية: هل ستقبل السويد؟ بالاضافة الى وجوب ان تكون النفايات مفروزة، ولن يحل ملف النفايات ما لم تضع البلديات يدها عليه بمصداقية فيكون هناك من يحاسبها على عكس الادارة المركزية"، ويقول:"الحل ان تجمع البلديات النفايات، وتضعها في مكان موقت الى حين وجود شركات تهتم بفرزها واتلافها بشكل علمي بعد ان يكون قد فرض على المواطن فرز نفاياته في منزله، فالقضية لا تحتاج الى اينشتاين".


قد لا يحتاج حل النفايات إلى "اينشتاين"، لكن بعد أيام ستتوقف قدرة الاماكن الموقتة التي تطمر فيها النفايات عن الاستيعاب لتعود الازمة من جديد وهذه المرة يخشى ان تكون من الباب العريض!