الموضة الإستهلاكية: الجانب الآخر لشرائك المفرط للثياب

بياتريس أبي اللمع

تشكل الثياب جزءاً كبيراً من مجموع كمية النفايات، ونظراً لعدم وجود أرقام محددة في لبنان لكميات النفايات التي تنتج من إتلافها، فاستعضنا عن ذلك بإحصاء للنفايات التي تنتج من الثياب أجري في الولايات الأميركية لنبيّن الإهدار الهائل الذي يؤدي الى تلوث البيئة في شكل جسيم. فمعظم الأقمشة تُعالج بموّاد كيمائية لا تتحلل. 10.5 ملايين طن من النفايات في أمريكا ناتجة من رمي الثياب، وذلك لعدة أسباب منها، عدم رواجها أو لمرور الوقت عليها. الأسباب كثيرة والنتيجة واحدة: تراكم للنفايات وإهدار كبير من الممكن الحدّ منه. ولكن أولاً ما هي أبرز الأسباب التي أدّت الى ازدياد نسبة النفايات من الثياب؟


الموضة السريعة Fast Fashion


المتاجر العالمية التي أطلقت فكرة الموضة السريعة تطلق كل أسبوعين مجموعات جديدة، وهي بذلك تشجع الشاري على الاستهلاك السريع للقطعة بخاصةٍ أن سعرها مقبول وفي متناول كل الميزانيات. كما أن جودة الثياب المصنعة من ماركات الموضة السريعة بأغلبها تكون زهيدة فتؤدي الى تلفها السريع وتالياً رميها.


نذكر أيضاً أن هذا التصنيع السريع له أيضاً نتائج سلبية على البيئة، وخصوصاً لناحية المواد الكيمائية التي تدخل في تلوين الأقمشة وإعطاء بعض التصاميم كسروال الجينز الطابع المستهلك الرائج. هذه التقنية بالذات خلقت قضية إنسانية تداولتها الصحف في تركيا بعدما أصيب عدد من العمال في هذه المصانع بمرض الـSilicosis الذي يصيب الجهاز التنفسي بأعراض خطيرة مما أدى إلى حدوث حالات وفاة، تضامن على إثرها العمّال المتضررون عبر جمعية تطالب منع استعمال تقنية تصنيع كهذه تسمى بالـSandblasting، فتكللت جهودهم بالنجاح إذ أوقفت طريقة التصنيع هذه بطلب من السلطات التركية.


طبيعة مواسم الموضة


تتوالى مواسم الموضة بشكلٍ سريع فلا نلبث أن نراقب صيحات الموسم الجاري حتى نستقبل مجموعة جديدة. فهذه الدورة السريعة من الابتكار والتصنيع تجعل الصيحات التي نتابعها ونعتمدها في أسلوبنا قديمة بشكلٍ أسرع، فنلجأ الى شراء المجموعات الجديدة حالما تتوافر. وإتاحة الفرصة لنكون سبّاقين في اعتماد آخر التصاميم تصبح كبيرة الى حدّ عدم إمكاننا تجنبها، فنتخلص من ثيابنا الجديدة بحجة عدم رواجها، وتدخل في خانة الإهدار والتلف.



الحملات الدعائية، شبكات التواصل الإجتماعي، والمجلات


 يعدّ مجال الموضة من أكثر المجالات التي تتكل على الحملات الدعائية لترويج منتوجاتها. فمطلق مجموعة ثياب جديدة تفقد قيمتها وبريقها إذا لم يرافقها عرض أزياء وفكرة مميزة وراءها كما وجود عارضات ومشاهير عالميين، وتصبح إذذاك مجرد قطعة قماش خيطت بشكل مميز. فهذا العالم من وراء القطعة ودار الأزياء يؤدي الى رواج الماركة وشهرتها العالمية، كما أن هذا العامل تحديداً هو السبب الرئيسي الذي يدفعنا الى شراء المزيد على رغم أننا في بعض الأحيان نكون بغنى عن القطعة المختارة.


كيف نُخفّف من استهلاكنا المفرط للثياب؟


ربما البعض منكن لا يكترث لتداعيات شرائنا المفرط للثياب، فالعالم العربي في الإجمال لا يزال في مرحلة الاستهلاك بخلاف البلاد الأوروبية التي تحرص على إعادة التدوير، الشراء المخطط له، وتفضيل الخيارات الطبيعية على الكيمائية منها. ولكن قد يكون من المغالاة محاكاة العالم العربي بمثاليات العالم الغربي التي لا تطابق في بعض الأحيان طبيعتنا وثقافتنا. ولكن، الميل الى الشراء الواعي خطوة أولى من الممكن أن تؤثر بشكلٍ إيجابي في حياتنا وبيئتنا وحتى في أسلوب لباسنا. ولنحدّ من الاستهلاك وتراكم النفايات الناتجة من رمي الثياب، يمكننا اتباع الخطوات السهلة الآتية:


الميل الى شراء القطع الأساسية (Basics)


في معظم الأحيان صيحات الموضة المتطرفة بألوانها أو تصاميمها تزول بسرعة ويكون مصيرها الرمي بعد أشهر قليلة من شرائها لعدم رواجها. لذلك احرص أن يكون شراؤك مرتكزاً على قطع أساسية ذات تصاميم لا تزول بسرعة، فيمكنها أن تتجانس مع العديد من القطع الأخرى من ثيابك لإعطائها طابعاً جديداً.


تكوين أسلوب رداء خاص بك


هناك فرق كبير بين الموضة والأسلوب الخاص لكل شخص، فأسلوب كل شخص مميز ويتعدل بشكلٍ بسيط بين المواسم محافظاً على الخطوط ذاتها التي تمثل الشخصية الفريدة لكل فرد. فتكوين الاختيار الخاص بنا والذي يؤاتي شكل جسمنا وذوقنا يخولنا اتباع أسلوبنا لا صيحات عابرة، وبذلك نخفف استهلاكنا الزائد لصرعات المواسم.


تعديل الملابس


بدلاً من شراء قطع ثياب جديدة لكل مناسبة من الممكن بتعديلٍ بسيط تغيير شكلها. فالفستان الطويل لحضور زفاف من الممكن أن يقصّر فيناسب تصميمه عشاء أو سهرة. كما أن الثياب اليومية، كما الجينز، من الممكن تعديلها من خلال إضافة الـPatches الرائجة كما ظهر في مجموعة Moschino الأخيرة.


تفضيل النوع على الكمّ


هذه النقطة أساسية، ويتميز بها الأوروبيون، الذين يدّخرون المال لشراء قطعة واحدة من الثياب والأكسسوارات بدلاً من كمية كبيرة بالسعر عينه. فالأقمشة المستعملة تؤمن استمرار القطعة لمواسم عدة، فتبرز قيمتها بخلاف قطع متعددة فانية ذات نوعية زهيدة. فشراؤك لثياب ذات جودة عالية هو كاستثمار طويل الأمد على عكس إهدار المال على القطع الرائجة ذات النوعية الرخيصة. بالطبع إن هذا الاقتراح ليس متطرفاً ولكن يشجع على اعتماد أسلوب آخر لمشترياتنا.


وهب الثياب غير المرغوبة


بدلاً من رميها هناك عدد كبير من الناس يحتاجون إلى الثياب. لذلك يمكننا وهب الثياب غير المرغوبة عبر إعطائها لجمعيات متخصصة أو لعائلات محتاجة من حولنا، فنكون قد عدنا وقمنا بإعادة تدوير ثيابنا بطريقة إنسانية وفي الوقت عينه حافظنا على البيئة وقللنا من تراكم جبال النفايات وسط الظروف الراهنة التي تمنع من انتشالها عن الطرقات.