السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بورخيس في منطاد وفي جوار الأهرامات المصرية

المصدر: "النهار"
رلى راشد
بورخيس في منطاد وفي جوار الأهرامات المصرية
بورخيس في منطاد وفي جوار الأهرامات المصرية
A+ A-

ربما ليس "الأطلس" أشهر مؤلّفات الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس لكنه ذو نكهة خاصة يأتي بمزيج من التأمّلات والملاحظات المنبثقة من الشوارع والأشياء.


يمكن من دون تسرّع عدّ "الأطلس" من بين أفضل القطع الأدبية إفصاحا عن عالم بورخيس المكتبيّ والتهويمي على السواء وأكثرها إثارة للفضول أيضا. ها نحن في لحظة في العاصمة الأرجنتينية بوينوس أيريس وفي أخرى في مايوركا أو في سماء كاليفورنيا الأميركية أو في جوار الأهرامات المصرية. ربما كان التنقل الجغرافي ليبدو شبيها بغيره، لو لم يكن الواصف في هذه الحال صوتاً فاقدا للنظر دَجّن التخييل والمعرفة بغية الإنتصار على غياب النور.


صدر "الأطلس" قبيل منتصف الثمانينات من القرن العشرين، وهو تخطّى عامه الثلاثين تاليا، وفي أعقاب مرور هذه الرزمة من الأعوام إرتأت أرملة بورخيس، ماريا كوداما، أن تمنح مقابلة لصحيفة "ايل باييس" الإسبانية حيث تستعيد وبعيونها، شذرات من النص المنبثق من رحلات تقاسمتها مع بورخيس ومن بينها مشوار في المنطاد دام نحو خمسين دقيقة فوق وادي نابا، في كاليفورنيا الأميركية.


الكتاب هو حصيلة أسفار بورخيس في سنّه المتقدمة والمتقاطعة مع أحلامه فيتراءى صعباً، في بعض الأحيان، التمييز بين الحقيقي والمتخيّل. يوضح بورخيس وبأسلوبه مرمى "الأطلس": "تقاسمنا أنا وماريا كوداما بغبطة ودهشة إكتشاف الأصوات واللغات وغروب الشمس والمدن والحدائق والناس، على نحو مختلف وفريد، في كل مرّة. تريد هذه الصفحات أن تصير معالم تلك المغامرة المديدة والمستمرة".


تقوم خريطة الكتاب على أبواب عدة بعناوين مختلفة، "إسطنبول" و"حلم في ألمانيا" و"أثينا" و"جنيف" و"الزوايا" "خبز محلّى بالسكر" وسواها. ولا يلبث الخبز المحلى المصنوع في باريس وتحديدا في "او بريوش دو لا لون" يغدو مثالاً على الفلسفة الصينية. يتّخذ بورخيس من قطعة الخبز التي تجلبها له كوداما إلى الفندق حيث كان نزيلاً، ذريعة لينظّر في الصلات البشريّة كاتباً "يكفي أن يكون المرء مُغرماً ليعي أن الآخر هو مِثالُه".


تتذكّر كوداما في المقابلة القلق الذي انتاب زوجها خلال الليلة السابقة لرحلة المنطاد وكيف عجز عن النوم، وتزيد انه قيل لهم ان سيارة ستتبعهم خلال المسار لملاقاتهم عند الهبوط. أما بورخيس فيكتب في هذا الشأن في باب "السفر في المنطاد": "مثلما تُظهرُه الأحلام، ومثلما تُبيّنه الملائكة، يُعدّ الطيران أحد أسباب القلق الأساسية عند الإنسان. لم يتسنَ لي اختبار الإرتفاع وليس ثمة سبب يجعلني أفترض اني سأفعل قبل أن أموت. والحال ان السفر في الطائرة لا يشبه الطيران. ليس الإعتقال في فسحة من الكريستال والحديد كتحليق الطيور أو الملائكة".


وعلى عادته لم يستطع بورخيس في "الأطلس" الفرار من سطوة "المتاهة" فنتابعه يذكر في خصوصها "انها متاهة جزيرة كريت وكان مركزها المينوتور الذي تصوّره دانتي كثور برأس رجل. ضاعَت أجيال عدة في شباك المتاهة، تماما مثلما ضعنا أنا وماريا كوداما في ذاك الصباح ولا نزال ضائعين في الزمن. الزمن هو المتاهة الأخرى".


يعرّج بورخيس المقتنع أن العالم هو نظام من الرموز على زميل الحرفة البريطاني أوسكار وايلد أيضا الذي اقتنع أن المرء وفي كل لحظة من حياته، هو خلاصة كل ما كان وكل ما سيكون عليه. ليضيف "في هذه الحال كان وايلد في سنوات الإزدهار والأدب السعيد هو عينه وايلد القابع في السجن". يسأل الأرجنتيني أي نكهة تركتها لنا كتب أوسكار وايلد إذا؟ قبل ان يجيب انها "نكهة سعادة على لغز. نفكّر أيضا في الإحتفال الآخر، في الشمبانيا".


في نص بعنوان "الصحراء" في الكتاب عينه يستعيد بورخيس رحلته إلى مصر حيث يفصح متحدثاً بضمير المتكلم " إنحنيتُ على بعد ثلاثمئة أو أربعمئة متر من الهرم. إلتقطت حفنة من الرمال وتركتها تسقط بصمت، في مكان على مسافة قريبة. قلتُ في صوت خفيض "أنا في صدد تبديل هيئة الصحراء".
يمكن جسد بورخيس المادي أن يكون في لوسيرنا أو كولورادو أو القاهرة، على ما يشير في باب "الأحلام"، لكنه وعند استيقاظه في كل صباح وحين يسترجع عادة أن يكون بورخيس، يغوص، على نحو تلقائي، في حلم يجري في بوينوس أيريس.


ربما كانت الصور خلاّبة، وربما كانت الرحلة مغرية، لكن التيه عند بورخيس سيعيدُه إلى الجنوب، ولا فكاك من ذلك.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم