المذهبية غلبت السياسة

يؤشر تمدد "داعش" غرباً ووسطاً في العراق وشرقاً في البادية السورية حتى تدمر، لكون الغارات الجوية التي يشنها الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مواقع التنظيم، لم تحقق الغرض منها. واذا ما اضيف تمدد "داعش" الى تمدد "جبهة النصرة" التي تمثل فرع "القاعدة" في بلاد الشام في محافظة ادلب وسهل الغاب، تتضح معالم خريطة جهادية واسعة في العراق وسوريا، بحيث بات من الصعب التجرؤ على التفاؤل بامكان عودة عقارب الساعة الى الوراء وبقاء الكيانين السوري والعراقي كما كانا قبل الغزو الاميركي للعراق في 2003 او بالنسبة الى سوريا كما كانت قبل 2011.


لا شك في أن حروب العراق وسوريا واليمن حيث يحتدم الصراع المذهبي، ستتمخض في النهاية عن حدود جديدة على أساس مذهبي. وفي ظل هذا الواقع تزداد صعوبة التغلب على التنظيمات الجهادية التي تتغذى من الصراع المذهبي في المنطقة وخارجها. وعلى رغم كل محاولات ايران لتصوير الصراع بأنه سياسي وليس مذهبياً من خلال تمسكها بشعار محاربة اسرائيل ونصرة فلسطين السنية مذهباً، فإن الوقائع على ارض العراق وسوريا واليمن، تتحدث عن صراع مذهبي بحت.
والحرب التي تقودها السعودية في اليمن زادت في تأجيج هذا الصراع الى مستويات جديدة. والدعم الذي تحظى به التنظيمات الجهادية في سوريا في الاونة الاخيرة ولا سيما منها "جبهة النصرة" لا يمكن تبريره الا في اطار حلقة اخرى من حلقات الصراع السني – الشيعي، مهما حاول بعض الاطراف وخصوصا ايران وضع الاحداث في سياق غير سياقها المذهبي او اعطاءها بعداً غير البعد المذهبي. وحتى لوكانت خلفية الصراع غير مذهبية ، فإن اطرافاً آخرين نجحوا في مذهبته وأخذه في الاتجاه الذي يؤذي ايران ولا يجعلها في موقع مريح وهي تخوض هذه المواجهة. وحتى اطراف مثل حركة "حماس" تدعمهم ايران انخرطوا تحت حدة تأثرهم بالموجة المذهبية في الصراع السوري وبات فلسطينيون من قطاع غزة والضفة الغربية واراضي عام 1948 يقاتلون ضد النظام في سوريا بعدما زين لهم ان القتال في ارض الشام اولى من قتال اسرائيل.
الشرق الاوسط يعيش اليوم مرحلة الصعود الجهادي الذي يرسم خرائط جديدة في المنطقة من غير ان تكون ثمة قوة قادرة على ايقاف هذا الصعود من اليمن الى العراق وسوريا ومصر وليبيا. وبات السؤال هل يمكن ان يزحف الجهاديون بعد ان يستتب الامر لهم في الدول التي يقاتلون فيها الآن، على الدول التي تغذيهم اليوم بالمال والسلاح والرجال؟ وما المانع من ان يتطلع الجهاديون الى ما هو أبعد من الحدود المذهبية التي رسمت لهم؟


samih.saab@annahar.com.lb