جان جاك آنو يفتح قلبه في باري: روّضتُ الوحش الذي في داخلي!

في أواسط التسعينات، أي قبل نحو عشرين عاماً، أنجز جان جاك آنو فيلم "أجنحة الشجاعة"، المتوسط الطول، بالأبعاد الثلاثة. في هاتيك الأيام، كانت هذه التقنية مغمورة، نادراً ما نرى مخرجين يلجأون اليها. النحو الذي استعمل به آنو هذه التقنية جعل فرنسيس فورد كوبولا وجيمس كاميرون يجريان أبحاثاً في هذا المجال. استقطب الشريط 7 ملايين مشاهد في الصالات الفرنسية. من هذه المحطة في سيرة المخرج الفرنسي الألمعي (72 عاماً)، اختار أن يبدأ الناقد ميشال سيمان "درسه السينمائي" في مهرجان باري (جنوب ايطاليا من 21 الى 28 آذار)، تظاهرة سينمائية انطوت على أهمّ حدث سينمائي لبداية هذه السنة في أوروبا. هذا الحدث جاء على شكل لقاءات مع مجموعة من السينمائيين لم يجمعهم أي مهرجان من قبل: جان جاك آنو، كوستا غافراس، ايتوري سكولا، ناني موريتي، مارغريت فون تروتا، آلن باركر وادوارد رايتز. في نهاية كل لقاء، كرّمهم اتحاد جمعيات نقاد السينما (فيبريسّي) بدروع تكريمية في ذكرى مرور تسعين عاماً على تأسيسه.



... مع ميشال سيمان.


نحن رسّامون ولسنا نحّاتين


روى آنو، مخرج "اسم الوردة" و"الدب" و"العشيق" "وستالينغراد" بحيويته المعهودة وحسن اختياره للكلمات، أنه ذهب في العام 1993، للعمل في شركة "كولومبيا" الأميركية. قبل فترة قليلة من ذلك، كان توجه الى تورونتو لمشاهدة مقاطع بالأبعاد الثلاثة وبالـ"أيماكس" بناءً على طلب من أحدهم، فأدهشه الاختراع الجديد. يقول آنو: "جودة الأبعاد الثلاثة كانت جد عالية الى درجة أنها شجعتني على أن ألجأ اليها في فيلمي التالي. آنذاك، كنت أعمل على قصة طيار فرنسي يتيه اثناء التحليق، استناداً الى نصّ جميل لسانت اكزوبيري. كان لديّ سيناريو جاهز ولكن كانت تنقصني مادة كافية تليق بفيلم من ساعة ونصف الساعة، ففكرتُ في أن اختزله الى فيلم من 50 دقيقة. أقنعتُ "كولومبيا" فأتاحت لي فرصة إنجاز أول فيلم روائي منذ الخمسينات بالأبعاد الثلاثة.



شون كونري في "اسم الوردة" لجان جاك آنو.


كثرٌ حاربوني لاعتقادهم أنه غير قابل للتنفيذ. في ذلك الحين، لم تكن هناك صالات مجهزة بالأبعاد الثلاثة. كان هناك واحدة فقط في فانكوفر. قررت "كولومبيا" إنشاء صالات سينما بهدف عرض "أجنحة الشجاعة". فوجدتُ نفسي أتنقل في أماكن مختلفة من العالم لجعل الناس يكتشفون متعة المشاهدة الثلاثية البُعد. لكني أريد أن أقول شيئاً: نحن السينمائيين كالرسامين، نبني داخل اطار محدد، ليس عندنا حقيقة أخرى غير تلك التي في داخل الكادر. العمل بالأبعاد الثلاثة مختلف تماماً: أنت لم تعد مخرجاً هنا بل نحات، وهذه ليست مهنتنا. عندما تصوّر لقطة مقرّبة (كلوز آب) لوجه بالأبعاد الثلاثة، لا يعود وجهاً كبيراً على شاشة كبيرة، بل وجه بحجم طبيعي أقرب من المُشاهد. حتى نوعية الانفعالات تتغير. خلافاً للفكرة السائدة، فالأبعاد الثلاثة فاعليتها أعلى في المَشاهد الحميمة. ولكن، كالعادة، عندما نخترع شيئاً ما، نميل الى الإكثار من استخدامه. هكذا كانت الحال في بدايات السينما الناطقة، عندما كان المخرجون يبالغون في استخدام الأغاني. عندي، أن كلّ فيلم هو قبل كل شيء حكاية. على التقنية ألاّ تُغرق السرد. المشكلة في الأبعاد الثلاثة أن بعض الناس يصابون بالصداع من جرائها، فينزعون النظارة عن عيونهم ليتابعوا الفيلم من دونها، ما يُفسد كل شيء.



آنو: السينما رؤية فردية لا جماعية.


أركن الى عواطفي


خاض آنو تجربة دولية عابرة للقارات والثقافات، قلة من السينمائيين الفرنسيين (أو غير الفرنسيين) خاضوا مثلها. أنجز أفلاماً في أصقاع الأرض كافة: صوّر "العشيق" في جنوب شرق آسيا، "اسم الوردة" في ايطاليا، "سبع سنوات في التيبت" في الأرجنتين، "الشقيقان" في كمبوديا، "جلالة مينور" في اسبانبا، "ذهب أسود" في شمال أفريقيا، "الذئب الأخير" في منغوليا. سأله سيمان "لماذا هذه الحاجة في التشرّد؟"، فقال: "يستهويني اكتشاف أزمنة مختلفة؛ أحبّ الذهاب للقاء حضارات أخرى. لا شيء يسعدني مثلاً أكثر من وجودي هنا الآن في إيطاليا، حيث صوّرتُ "اسم الوردة". آنذاك، غمرتني سعادة لا توصف، ولا أزال أحتفط بشيء من الروح الايطالية. ولكن هذا ليس إحساساً أريده لنفسي فقط، بل أحب أن أشارك المشاهدين الشعور الناتج من هذا الاكتشاف. السبب الآخر خلف هذا التجوال، أنني لم أكن أجد في فرنسا المال الذي أحتاجه لإتمام أفلامي. لحسن الحظ، بعد فيلمي الأول الذي كان فشلاً جماهيرياً ذريعاً في فرنسا، تلقفتني هوليوود بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. فعرضوا عليّ في أميركا مشاريع عدة، وعندما قررتُ إخراج "حرب النار"، هوجمتُ في فرنسا، فاضطررتُ على اثره أن أوضب أمتعتي والرحيل. وجدتُ تمويلاً في الولايات المتحدة وبدأتُ أبحث عن أماكن تصوير في سكوتلندا وكينيا وكندا. هذه التجربة الإيجابية عززت عندي الرغبة في الذهاب الى أبعد من نهر السين. كنت بدأتُ أستمتع في التصوير مع طاقم لا يتكلم بالضرورة لغتي الأم، ما كان يؤكد هيمنة لغة اخرى هي لغة السينما. لذلك، عندما أنجز فيلماً لا أعرف مسبقاً مَن الذي أتوجه اليه، لكن أعرف أنهم من ثقافات مختلفة. أحاول دائماً أن أبني فيلماً بالركون الى عواطفي بدلاً من عقلي. لذلك، لا تشبه أفلامي دائماً ما اعتدنا مشاهدته في السينما الفرنسية". 


[[video source=youtube id=WRdzorj43cE]]


لولا افريقيا...


في صباه، قبل التحاقه بالجامعة، كان آنو حائراً بين علم الآثار والسينما. تسجل في حصص اللغة الاغريقية وتاريخ القرون الوسطى وهو يتابع دراسته في معهد السينما. اهتمامه بـ"اسم الوردة"، رواية أمبرتو إيكو التي أفلمها أفلمة بديعة، لم يولد فجأة، فهو كان مشغوفاً بالأديرة منذ صغره وكان يلتقط لها الصور، مع أنه يصرّ على أنه ليس متديناً ولا يؤمن بإله ما، لكنه يحترم كثيراً إيمان الآخرين ويعشق التصوير في المعابد.
أمام حضور ملأ مسرح بتروتسيللي بهندسته المعمارية المدهشة، حكى آنو أنه بعد إتمامه الدراسة، أُرسل رغماً عنه الى أفريقيا كي يدرّس السينما: "كنت أكره هذا الشيء لأنني كنت بدأتُ أنجز افلاماً دعائية وكان كلّ شيء على ما يرام. ولكن ما إن فُتح باب الطائرة، حتى وقعتُ في غرام هذه القارة. مذذاك، أزورها مرةً كلّ عام. أفريقيا غيّرت حياتي لأنها سمحت لي بأن انظر الى العالم من زاوية أخرى. أعتقد أنه لولا احتكاكي بهذه الثقافة المختلفة عن ثقافتي، لما أنجزتُ ما أنجزته من أفلام".


خلال الحديث، شبّه سيمان أفلام آنو بمغامرات تانتان، مؤكداً تلك النزعة الطفولية التي أبقت المخرج مراهقاً أبدياً. كان ردّ آنو أنه كغيره من المخرجين، ينجز دائماً الفيلم نفسه، ويموّهه بحكايات جديدة. "العمل في السينما يسلّيني. لا شيء أكثر من العطلة يبعث على الضجر. السينما لعبة رائعة. في داخلي، لا أزال بالحماسة التي كنت عليها عندما أتلقى هدايا العيد. طبعاً، يزداد الشعر خصلاً بيضاء، يمر الزمن ولا نلحظه، ومع الوقت تتجمع في داخلنا مشاعر متضاربة، أولها الخوف من التعثر، وهذا أيضاً متعة".



آنو: التعامل مع غريزة الحيوان علمني كيف اتعامل مع الممثلين.


 


كنا نذهب الى السينما أيام الأحد


الكلام عن بدايات الارتباط بالسينما يحملنا الى طفولة آنو، "العادية جداً في ضاحية باريس". يقول إنها كانت حياة مريحة ولكن مقلقة، وكأن كل شيء مخططاً سلفاً. في المقابل، كان الأفق مسدوداً والمجازفة غير ممكنة. كونه ابناً وحيداً، كانت متعته تقتصر على مرافقة أهله يوم الأحد الى السينما. ارتياد تلك الصالة المظلمة كان أشبه بالسفر الى كوكب مجهول ليس فيه أي شيء مما عرفه في الحياة اليومية. يتذكر: "كان اهلي من المولعين بالسينما الإيطالية وبفيتوريو دو سيكا. الفيلم الأول الذي شاهدته هو "سارق الدراجة". كنا نشاهد بشكل أساسي الأفلام الإيطالية. إيتوري سكولا؟ أعشقه عشقاً. كنت أحلم بأن أعيد الاعتبار إلى موهبته الفظيعة. إنها لمتعة خالصة أن أكون هنا مع آلان باركر وإيتوري سكولا وكوستا غافراس. باركر كان مدرسة في صناعة الاعلانات، وكان له تأثير كبير في عملنا جميعاً. كوستا غافراس أنتج فيلمي الأول، وسكولا اضطلع بدور أساسي في تكويني. شاهدتُ أفلامه عدداً لا يُحصى من المرات. أحببتُ عنده حسه الاستعراضي الموغل في أناقة بصرية. كنت أخرج من الصالة التي تعرض فيلمه وأتوجه الى كابينة الهاتف لأخبر أصدقائي أنني شهدتُ تحفة سينمائية جديدة لسكولا".



مع براد بيت خلال تصوير "سبع سنوات في تيبيت".


يحكي آنو أن الاشتغال في الدعايات علّمه منطق الاقتصاد في الكلام والاحتكام الى الصورة. "بالصورة كنت أخبر القصة وبالصوت كنت أعرّف عن المنتوج الذي نريد ترويجه. الطبقات المتعددة في السينما، هذا شيء فهمه السينمائيون الإيطاليون مبكراً. لسنوات، كانت الأفلام الإيطالية تدخل الحوارات الى المشاهد عبر الدوبلاج، أي في مرحلة ما بعد التصوير. هكذا كان يعمل فيلليني. أدركتُ هذا عندما عملتُ مع تونينو ديللي كوللي على "اسم الوردة"، فكان الرجل لا يتوقف عن الثرثرة أثناء التقاط المشاهد، ما كان يثير استياء شون كونري [يقلّد طريقة كلام ديللي كولي الانكليزية]. بعد أسبوعين من التصوير، قلتُ له: تونينو، عليك أن تسكت، نحن نصوّر الآن سينما ناطقة! فقال مهتاجاً كعادته: سينما ناطقة، سينما ناطقة... فيلليني أيضاً كان يصوّر سينما ناطقة، وربح ثلاث جوائز "أوسكار" وكنا نتكلم خلال التصوير. فعلاً، وللأمانة، تُصاب بذهول عندما تشاهد الدينامية التي تحتويها هذه الأفلام، لأن السينمائيين كانوا يحتكمون أولاً الى الإخراج ثم يأتي الحوار في المقام الثاني".


أنا مروِّض ممثلين أيضاً...


عندما يتحدث آنو عن ديللي كوللي، تستنفر عنده كل الحواس، فيقلّد المصوّر الكبير بلكنته الانكليزية الغليظة. يقول: "دققنا في الكثير من اللوحات مع تونينو عندما صوّرنا "اسم الوردة". أتذكر في أحد الأيام كنا نتأمل لوحة شهيرة لرمبرانت، فقلتُ له إن هذه هي الأجواء التي أريدها، فراح يصيح كالعادة: ليس هناك شبّاك، كيف يتسلل الضوء الى الداخل، من أين تريدني أن آتي بمصدر للنور اذا لم يكن هناك شباك... أين تريدني أن أضع الكاميرا؟".
أدار آنو خلال مساره ليس ممثلين فحسب بل حيوانات كذلك. دببة ونمور وخنازير وذئاب. كل هذه الحيوانات المفترسة عرف كيف يروّضها وتجده يعتبر نفسه مروّض ممثلين أيضاً. يقول بلا تردد إنه عندما يتسنى للمخرج التعاطي مع الدببة والنمور، هذا يساعده في فهم الحيوان الذي في داخله، فبدلاً من أن يخاف منه يحاول السيطرة عليه. عنده، هذا هو الدرس الذي تأتينا به الحياة: أن نروّض الوحش الذي يقيم فينا. عموماً، لم يعد يفرّق كثيراً بين أن يدير طفلاً صغيراً أو ذئباً، بين كومبارس من نابولي ونجمة من هوليوود. يقول: "علّمتني كيفية التعاطي مع غريزة الحيوان أن أتعامل مع الممثلين تعاملاً أفضل. الدبّ حيوان لا يفعل الكثير، ما يصعب تصويره، وهذا ما جعلني ألجأ الى المونتاج والى "تقنية كوليشوف"، أي أنه لا يهم ردّ فعل الممثل بقدر ما تهمّ الحالة التي يجد نفسه فيها. فالفرق صفرٌ في تعابير الوجه بين دبٍّ فرح ودبٍّ مستاء، لذا كان عليَّ أن أضعه إما في مواجهة شخص متعاطف معه وإما في مواجهة صياد كي نفهم الحالة النفسية التي هو عليها. هذا كان أيضاً درساً لي، لأن على المخرج في الكثير من الحالات أن يضبط فيض المشاعر والانفعالات التي يأتي بها الممثل. كان لدينا في فرنسا ممثل اسمه جان غابان، وغابان كان يفعل مثل الدبّ، أي أنه لم يكن يفعل شيئاً. وكنا نقول عنه إنه عبقري، كونه كان يُفّهِم المُشاهد ما يريد إيصاله. عندما يكون السياق متماسكاً، الباقي يأتي من تلقاء ذاته. شون كونري كان يقول دائماً: لا داعي أن أنفعل، الأهمّ أن أقود المُشاهد الى الانفعال".



في موقع تصوير "ستالينغراد".


إحدى أجمل اللحظات في الدرس الذي قدّمه آنو هي عندما قلّد شون كونري. قال: "هناك أشخاص لا تستطيع أن تديرهم الاّ بالمليمترات. هكذا كان كونري. كان يسألني أسئلة محددة جداً. وإياك أن تقول له "إفعل كما تشاء"، فهذا كفيل أن يصنّفك من الحمقى. في إحدى المرات، قبل ثلاثة أسابيع من بدء تصوير "اسم الوردة"، طلب مني أن يتمرن على أداء أحد المشاهد، فرضخنا لطلبه. في البلاتو، سألني: أين الشبّاك؟ كون الديكور لم يكن جاهزاً بعد وكنا نتظاهر بأنه موجود، قلت له: أخط ثلاث خطوات وتخيّل أنه هنا. فتمرّن كونري على أساس الخطوات الثلاث. بعد ثلاثة أسابيع، حان موعد التصوير: كان كلّ شيء كما خلال التمارين ما عدا الشبّاك الذي صار على بُعد خمس خطوات من شون بدلاً من ثلاث. قام شون بثلاث خطوات ووقف عاجزاً عن القيام بخطوة إضافية. عملي مع كونري كان بعكس عملي مع باتريك دوفير الذي كان يتفاعل مع الدور غرائزياً".


الفيلم هو رؤية انسان واحد


يذكّره سيمان بقول لأمبرتو إيكو: ليس مهماً ما يقوله الكاتب بل ما يقرأه القارئ. يُقر آنو بأنه لولا هذا التأكيد من إيكو لما أنجز الكثير من أفلامه. ففي نظره "كل صورة تخلق انفعالاً يكون ناتجاً من تأويل المُشاهد لها. فيلم "الدب" مبني بأكمله على هذا المبدأ، ويعتمد على مشاركة المُشاهد".
يتطرق آنو في اللقاء الى النحو الاشكالي الذي كانت أفلامه تُستقبَل فيه دائماً في فرنسا. يقول إن المهاترات حول أفلامه وعداء بعض النقاد لها ظاهرة محض فرنسية. "كوني لم أنجز أفلاماً فرنسية، فهذا كان يعطي الحقّ للصحافة أن تهاجمني باستمرار. لطالما شعرتُ نفسي أقرب الى السينما الايطالية منها الى "الموجة الجديدة"، حتى لو كنت من القلائل الذين ساعدهم فرنسوا تروفو في آخر حياته - وأستطيع القول إننا أصبحنا أصدقاء نوعاً ما. لذلك، بدلاً من البقاء في فرنسا، ذهبتُ للعمل في بلدان أخرى حيث حظيتُ بفسحة حرية أكبر، كوني كنت أعلم مسبقاً أن كل فيلم سأنجزه في فرنسا ستقابله كمية هائلة من السباب. فانتقلتُ بين عواصم العالم، من أميركا الى الصين. من الواضح أن الناس الذين يكتبون عن السينما في فرنسا ليسوا في معسكري. يلومونني أنني أصنع سينما أميركية في حين أن كل مراجعي اوروبية. عندما كنت صغيراً، لم أكن أشاهد الأفلام الأميركية قطّ؛ كان أهلي يقولون إن السينما الأميركية نموذج للغباء. بدأتُ أكتشفها عندما بدأتُ أعمل ناقداً سينمائياً. طبعاً، كنت أعرف أمثال جون فورد. أوروبا هي التي صنعتني، السينما التشيكية والبولونية والايطالية... فورمان، بولانسكي، الخ. اذا ذهبتُ الى الولايات المتحدة، فلأنني لم أستطع أن أموّل أفلامي في فرنسا".



في "الدب" استعمل آنو تقنية كوليشوف.


أخيراً، يشتكي آنو، الذي يبلّ يده في كل مراحل إنجاز الفيلم، مما يُسمّى عروض التجارب في أميركا وهي ممارسة مرعبة تخالف مبدأ الخلق. خلال هذه التجارب، تُطرح على المشاهدين أسئلة من نوع "ما هو المشهد الذي لم يلق اعجابك؟". عادة، تطال الأجوبة مشاهد تتسبب بالأسى، فيُطلَب من المخرج حذفها حتى لو كانت ضرورية للسياق الدرامي. يقول: "أحمد الله أن افلامي خرجت سالمة من تلك التجارب. الفيلم هو رؤية انسان واحد وليس رؤية جماعية. اذا بدأتَ تسأل هذا أو ذاك عن المكان المناسب للكاميرا وما إلى هنالك من أمور جمالية، يفقد الفيلم شخصيته. هناك مخرجون كبار اضطروا الى تعديل مشاهد من أفلامهم بعد ردود سلبية من مشاهدين. إحدى مآسي السينما الأميركية اليوم أن لجاناً تتولى كتابة سيناريوات، ثم يتحقق من "صحتها" مشاهدون يؤتى بهم من كل مكان في أميركا، والآن باتوا يسألون الصينيين عن رأيهم بهذه الأفلام. هذه المبادرات تنتج افلاماً باهتة لا تخاطب احداً".


[[video source=youtube id=8yOBCGwMpeo]]


 


hauvick.habechian@annahar.com.lb