مع لوريس خليل كي لا يُقفل باب مستشفى في وجه محتاج

ليست لوريس خليل الا واحدة من قصص كثيرة لا يكتب لها الخروج الى الرأي العام الذي بات قليل التفاعل مع قصص مماثلة مع انها تشبه قصصه اليومية، لنمطية ربما ارتبطت بسرد المشكلة التي طال أمد انتظار حلها الجذري.


ماذا تعرفون عن "الواسطة" أو "فلان يلي بيعرف حدا دبرو بمستشفى مهم على حساب الوزارة"، بالتأكيد الكثير وربما عايشتم القصة عينها. يحدث أن يتدخل وزير الصحة شخصياً في قضية لوريس على خط الطلب الى أحد المستشفيات المرموقة إدخالها لاجراء عملية تستوجب مكوثها فيه لأكثر من شهر من دون أن يتجاوب المستشفى، فيأتي رد الوزير مدوياً باعلان فسخ عقد الوزارة مع المستشفى مرة، وبـ"التشهير" به مرة أخرى. ومن دون أن يكون الوزير وزيراً لما استطاعت وسيلة اعلامية تسمية المستشفى باسمه لقدرة الأخير على اللجوء الى القضاء ورشق المؤسسة الاعلامية بتهم الذم والقدح. في الواقع، هذا ما عايشناه في الأسبوع الماضي، حين عرضنا في موقع "النهار" قصة سيدة جاءتنا تشتكي وفاة والدتها بسبب التقاطها جرثومة من أحد المستشفيات ذات الامكانات المتواضعة، ومع أننا عرضنا وجهة نظر المستشفى بشكل مفصل ولم نتخذ طرفاً في الموضوع، الا اننا تعرضنا لضغوط من المستشفى لعدم ذكر اسمه لاعتباره الأمر تشهيراً يستوجب اللجوء الى القضاء.


مشقة سنتين


قد لا تكون هناك امكانية لتحويل مئات الشكاوى الطبية الى قضايا اعلامية، كما حصل في قضية لوريس ابنة الـ29 عاماً التي تعاني ظروفاً صحية صعبة منذ ايار 2013 حين سقطت عن شرفة منزل في منطقة الحدت أثناء محاولتها تثبيت الستارة، فاختلّ توازنها ووقعت من الطابق الخامس في حوض يحمل مزاراً للسيدة العذراء، ما أدى الى كسر في حوضها وأطرافها، ومن حينها بدأت رحلة المشقة في العلاج الذي لم يكتب له النهاية حتى اليوم.
بعد 13 يوماً أمضتها في أحد المستشفيات حيث أجريت لها عمليات جراحية ووضعت الأسياخ في جسدها، انتقلت الى مركز طبي لمتابعة العلاج، ومكثت فيه نحو 5 أشهر، بعدها انتقلت الى المنزل، فباتت الشابة تمشي على آلة المشي "ووكر" متحملة آلام وجود الأسياخ والمسامير الطبية في جسدها.
في تلك الفترة، حملت لوريس بطاقة "ذوي احتياجات خاصة"، وكان للمساعدات التي تلقتها أثر طيّب في إكمال علاجها الذي زادت تكاليفه مع اكتشافها الاصابة بالتهابات حادة في العظام ناتجة عن ميكروب.
خضعت لوريس لعمليات "برد" عظام أكثر من مرة، وواظبت على تناول دواء الالتهابات لمدة 11 شهراً من دون ان تتخلص من الميكروب المسبب للالتهابات في العظام.


سألت الشابة الباحثة عن الخلاص عن طبيب عظام ماهر، فاستدلت على الطبيب خليل الخراط في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" كما عُرضت على طبيب التهابات في المستشفى عينه. وتقول لوريس لـ"النهار" أن الطبيب الأول أخبرها انها تحتاج الى علاج طويل يتراوح ما بين شهر وشهرين في المستشفى وليس أقل، حيث كانت العملية الأولى تحتم أخذ خزعة من العظام لتبيّن نوع الميكروب. وتشير لوريس الى ان الطبيب المختص سألها أن تتوقف عن تناول أدوية الالتهابات قبل العملية، وقامت بذلك بالفعل منذ 10 شباط الماضي.
جهز الطبيب الورقة اللازمة لتنجز لوريس المعاملة المطلوبة للعملية على نفقة وزارة الصحة، فأُخبرت في المستشفى ان طلبها غير ممكن حالياً، لأن هناك حالات عدة تنتظر اجراء عمليات، وعليها الانتظار، او اجراء العملية على نفقتها، أو البحث عن مستشفى آخر.
وتلفت لوريس الى ان المستشفى لم يعترف ببطاقة المعوّق، ولم تكن المرة الأولى التي ترفض فيها، فسبق أن حصل الأمر في مستشفى آخر ولم يُعمل بها الا بعد تدخل من طبيب الوزارة.


آلام ومهدئات


بطبيعة الحال، لن تتمكن لوريس من اجراء العملية على نفقتها، هي التي توقفت عن العمل كأخصائية تجميل بعد تعرضها للحادث، وتقيم الآن في منزل عمها الذي يبيع الخضر في جزين.


فقدت لوريس والدها في سن مبكر ولم تكتب لها الظروف أن تكمل حياتها في كنف والدتها التي تعيش مع زوجها وابنتها في بكاسين. وللوريس شقيقان منخرطان في سلكي الجيش وقوى الأمن، والجميع يعلم طبيعة الرواتب المتواضعة في السلكين، خصوصاً لأصحاب الرتب غير المتقدمة.
اسودّت الدنيا في وجه الشابة مع عدم بت "أوتيل ديو دو فرانس" طلبها، فأرسلت رسالة نصية الى هاتف الوزير وائل أبو فاعور تخبره بقصتها، وعاود الاتصال بها طالباً حضورها الى وزارة الصحة، ولما تعذّر الأمر بسبب العاصفة وصعوبة التنقل من جزين، تولى مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو أبو كسم الذي يتابع حالتها منذ سنتين، التواصل مع الوزير الذي أوكل الى مدير العناية في الوزارة جوزف الحلو متابعة الملف. والأخير لم ينجح في اقناع المستشفى بالعدول عن موقفه، فخرج الوزير ببيان الى الرأي العام يعلن فيه فسخ العقد مع المستشفى، فكان رد من الأخير شرح فيه ان المريضة أُخبرت انها لا تحتاج الى عملية مستعجلة وانه "سيتم ابلاغها بموعد العملية عند اكتمال التحضيرات اللازمة، وإجراء البرمجة الضرورية. وجرت طمأنتها مجدداً بأن حالتها لا تستدعي أي عملية طارئة". وأضاف بيان المستشفى أن "المريضة لم تعد مرة ثانية لا الى مكتب الدخول، ولا الى الطبيب المعالج، ولا الى الطوارئ"، داعيا الوزير الى التواصل مباشرة مع رئيس المستشفى "تفادياً لأي سوء فهم". ولم يتأخر رد الوزير الذي لم يجد "ما يدعوه للاتصال بأحد للاستفسار عما حصل، وبالتالي فإن قراره وقع في موقعه الصحيح، فعلى بعض المستشفيات ان يتوقف عن إذلال المواطنين بأموالهم وأموال الدولة". وأكد بيان الرد واقعة طلب طبيب الالتهابات المختص اجراء عملية عاجلة للوريس، واخبار طبيب العظام المريضة بالأمر.


تروي لوريس: "طلبوا مني التوقف عن تناول دواء الالتهابات وفعلت في 10 شباط الماضي، لكي يجهزوني للعملية، فلما يطلبون مني أمراً مماثلاً اذا لم تكن عمليتي طارئة؟...الالتهابات تتطور في رجلي التي تخرج منها افرازات مؤذية بسبب الميكروب الذي يتكاثر ويتفاعل في جسمي بعد توقفي عن تناول دواء الالتهابات...". وتحكي عن ظروفها النفسية الصعبة جراء ما تتعرض له، وعن أوجاعها التي تضطرها الى تناول المهدئات بشكل كبير.


خسائر متعددة


يبدو لوهلة قرار وزير الصحة وقف عقد الاستشفاء مع المستشفى سيفاً بحديْن خصوصاً فيما يتعلق بمصير المرضى الذين يستفيدون من العقد على الأقل، ولعدم تأثير اعلان وقفه حتى الآن بالضغط على المستشفى للعدول عن قراره بعدم استقبال لوريس على نفقة الوزارة راهناً. في الوقت عينه، يبدو الخروج الى الاعلام وتسمية المستشفى واتهامه بــ"اذلال المريض الفقير" بمثابة خطوة نادرة في تاريخ وزارة الصحة التي دأبت في عهود سابقة على حلحلة الأمور في الكواليس وبقيت تتعامل مع المستشفيات الكبرى كمراكز نفوذ يفضل تجنب التعرض لها ولسمعتها اعلامياً.


"صراع الجبابرة"


يصف نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لـ"النهار" الأزمة بين وزير الصحة ومستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" بـ"صراع الجبابرة". وفي رأيه، "ان الأمور تأزمت بشكل غير مسبوق نتيجة سوء تفاهم أمكن تجاوزه، وربما أسهم خروج الأمر الى الاعلام باستدعاء الردود المتبادلة".


يرى هارون ان ما بلغته الأمور أدى الى خسائر على المستشفى بصفته مركزا جامعياً منبثقاً من ارسالية دينية مهمته تطبيب الناس من دون تفرقة، وعلى وزارة الصحة في علاقتها بواحد من أبرز المستشفيات الجامعية في لبنان، وبالتأكيد على المريض الفقير الذي كان يستفيد من خدمات يتميّز بها المستشفى وأحياناً ينفرد.


أما الحل فيكمن في رأي هارون بمبادرة المستشفى الى تعيين موعد لعملية لوريس، يقابلها مبادرة حسن نية من الوزير بالعودة عن قرار وقف عقد الاستشفاء مع المستشفى.


من جهته، يرفض الأب أبو كسم "أي أبعاد غير موضوعية يحاول البعض إسقاطها على القضية"، قائلاً: "بصفتي كاهناً أحاول قدر المستطاع منذ سنتين مساعدة تلك الشابة المسيحية اليتيمة الفقيرة، أدعو المستشفيات الى فتح أبوابها أمام كل الناس والى العودة للانجيل، وأشكر الوزير على قيامه بواجبه في الوقوف الى جانب لوريس وأؤكد صوابية ما قام به لمخالفة المستشفى شروط العقد". أبو كسم أكد لـ"النهار" أن الوزير أخبره بأن العمل جارٍ لتأمين مكان بديل تجري فيه لوريس عمليتها في أسرع وقت.


في المحصلة، لا يؤمل من كل ما حملته القضية من أبعاد إلا أن تتمكن لوريس من إجراء عمليتها وان تتماثل للشفاء في القريب العاجل، بقدر ما يؤمل أن يكون تطبيق القانون اللغة الجريئة السائدة للوصول الى سياسة استشفائية لا تمنع مواطن من الحصول على خدمات طبية يستحقها، ولا تقفِل باب مستشفى في وجه محتاج.


Diana.skaini@annahar.com.lb


Twitter: @Dskaini