معضلة إسرائيل

رندة حيدر

تشير ردة الفعل الإسرائيلية على عملية "حزب الله" الاخيرة في مزارع شبعا الى ان توجه حكومة نتنياهو حتى الساعة هو نحو "احتواء" الهجوم وتأجيل الرد عليه الى وقت آخر وظروف مختلفة. وان دل هذا على شيء فهو يدل بصورة واضحة على عدم رغبة إسرائيل اليوم في التورط في عملية عسكرية واسعة النطاق ضد "حزب الله" في لبنان قد تتطور الى حرب واسعة النطاق، لكنه يعكس أيضاً التخبط الإسرائيلي والعجز عن تنفيذ التهديدات بالرد بقوة وعنف على اي عمل عسكري تتعرض له اسرائيل من لبنان.
من وجهة النظر الإسرائيلية، شكل هجوم مزارع شبعا نموذجاً تقليدياً للمواجهات العسكرية مع الحزب على هذه الجبهة، ونجاح الحزب في قتل جنديين وجرح سبعة آخرين دليل على فشل إسرائيل في توقع الهجوم والعجز عن احباطه على رغم كل الاستعدادات التي قامت بها بعد هجوم القنيطرة. ولكن في حسابات الربح والخسارة اعتبر معلقون في إسرائيل هذا الهجوم اقل اهمية من الهجوم "الاستراتيجي" الذي شنته إسرائيل على قادة الحزب وضباط إيرانيين في هضبة الجولان.
لقد اثبت هجوم الاربعاء ان "حزب الله"، على رغم تورطه في الحرب الاهلية في سوريا والظروف السياسية الصعبة التي يعانيها في لبنان، لا يزال يحافظ على جهوزيته وقدراته العملانية على التحرك في اكثر من جبهة. لكن اختيار الحزب جبهة مزارع شبعا للرد الانتقامي فسره الإسرائيليون بأنه دليل على عدم امتلاكه قدرات عسكرية تسمح له بالقيام بمثل هذه العملية انطلاقاً من الجولان.
من ناحية اخرى، اظهر احتواء إسرائيل للهجوم وعدم الرد العنيف عليه صحة رهان "حزب الله" على ان المعركة الانتخابية في إسرائيل ستشكل عائقاً في وجه اتخاذ حكومة نتنياهو اليمينية قراراً متهوراً بعمل عسكري واسع النطاق في الظروف الراهنة. وفي الواقع ثمة مناخ إسرائيلي عام معارض لخوض حرب إسرائيلية جديدة في لبنان بعد العملية الإسرائيلية الاخيرة هذا الصيف ضد غزة، يضاف اليه تخوف اليمين من ان تتسبب عملية عسكرية واسعة النطاق ضد "حزب الله" بخسارته الانتخابات وخصوصا اذا طال امد القتال من دون تحقيق حسم عسكري سريع او وقوع خسائر إسرائيلية كبيرة.
على رغم ذلك كله، فان الموقف الإسرائيلي الاحتوائي الراهن ليس هو الموقف الاخير. فالهجوم الاخير للحزب وضع إسرائيل امام واقع جديد وتحد مختلف، فهي اليوم في مواجهة جبهتين: جنوب لبنان وهضبة الجولان، وامام خطرين: "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني. كل ذلك يضعها في موقع حرج ويفرض عليها مقاربة مختلفة.


randa.haidar@annahar.com.lb