وداد سلامة بيدس طوت شراعها

سليمان بختي

وداد سلامة بيدس زوجة اسطورة العمل المصرفي في لبنان الستينات يوسف بيدس (1912 – 1968) وشقيقة الأديب والروائي والناشر ومدير فرع "انترا" في نيويورك، الدكتور يوسف سلامة (1925 – 2000)، غادرت دنيانا بعد صراع مع المرض وتعب العمر.
توفيت في بيروت المدينة التي أحبت وشهدت فيها العز وزمن بيروت ونهضتها في الخمسينات والستينات.
ولدت وداد بيدس في لبنان، والدها المعلم اسكندر سلامة الذي مارس التعليم في مدارس لبنان، وفي السادسة من عمرها سافر أهلها الى افريقيا فالتحقت مع أخويها جورج ويوسف بمدرسة الشويفات، القسم الداخلي. في العاشرة انتقلت الى فلسطين حيث التقت يوسف بيدس الذي صار زوجها لاحقاً. وكان صديقاً لخالها نائب رئيس مجلس النواب اللبناني سابقاً منير أبو فاضل. اثر النكبة في 1948 تركوا فلسطين واستقروا في لبنان. أسس يوسف بيدس "بنك انترا" وشهد نجاحاً وازدهاراً غير مسبوق. وكما كانت قصة صعوده مختلفة، كذلك كان سقوطه مختلفاً، في عام 1966 تاركا تأثيراً سلبياً على الاقتصاد اللبناني. اثر افلاس انترا غادرت وداد بيدس لبنان الى لندن وتابعت تعليم أولادها هناك وأصيب زوجها يوسف بالمرض وتوفي في مدينة لوسيرن بسويسرا عام 1968. من لندن الى سويسرا الى قبرص الى القاهرة لكنها لبثت تحن حنيناً صادقاً الى بيروت وصداقاتها وأغلى الصداقات كانت مع السيدة فيروز. وهكذا رسم قدرها أن تغيب في بيروت.
عندما كتب يوسف سلامة قصة "بنك انترا" في كتابه "حدثني ي. س. قال" (1988) اعتبرها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ لبنان الحديث. ورأى أن لبنان دخل برج السرطان مع افلاس "بنك انترا". وصف سلامة يوسف بيدس في كتابه بأنه المصرفي اللامع "عاش سيداً للمال خارج الثروة الشخصية، عاش غنياً ومات فقيراً.
مات وهو يحلم بالامبراطورية المالية التي حققها. ولبث يردد، وفق سلامة، حتى آخر لحظة من عمره أنه سيعود الى بيروت ويعيد تأسيس المصرف، وانه لم يكذب على أحد، ولم يسرق أحداً. وأن التجربة علّمته أننا "خسرنا بلادنا وأرضنا لأننا عجزنا عن استعمال قدراتنا في عالمَي المال والسياسة".
ولطالما اعتبرت وداد ان يوسف بيدس عزّت عليه الدنيا حين سُرقت منه الفرصة وضاع الحلم. كانت تعتز برسالة وجهها اليها كمال جنبلاط في 5 كانون الثاني 1968، يقول فيها: "المؤامرة السياسية كانت غيمة سوداء فوق إنترا. الدولة هي المسؤولة عن ضرب بنك إنترا، أما يوسف بيدس فنحن نعتبره الرجل الذي بنى أكبر مؤسسة عرفها لبنان الحديث في تاريخه القصير. ستمرّ السنون ولن نرى في لبنان شخصاً يوازي ما فعله زوجك أو ينجح كما نجح هو في بناء هذه المؤسسة. لعله كان فرصة لبنان الأخيرة لبناء مصرف بمستوى عالمي. ربما كان ثمة أمر غير حميد بين زوجك ورئيس الجمهورية شارل حلو، أو بينه وبين رجال المال والأعمال الذين راقبوا تحركاته. مهما كان الأمر ونحن نعلم عن أشياء حصلت لعلك لا تعرفينها". ولكن على رغم ما حصل لم ينتقص ذلك من عبقرية الرجل الذي قال عنه شارل ديغول عام 1963 "أنه شخص مذهل، أتمنى لو كان عندنا وزير مال في فرنسا بعقل يوسف بيدس وذكائه".
ظلت وداد بيدس تذكر أشياء وتنسى أشياء وتستنطق الزمن. ولكنها في آخر الأيام راحت تنشغل بما يرفع الروح المعنوية قليلا إزاء كل هذا الخواء. تتذكر الوجوه والأيام والأغاني الجميلة. تحمل في قلبها مرارة وتبتسم بحنان. كأن الزمن نداء خفي. وكأنها بعدما عرفت كيف تولد الأحلام الكبيرة، والرجال والذين يحققون أحلامهم بطموح لا يحد، أدركها شيء من غصة الافصاح، من صحبة الظلال، من فراغ المعنى فطوت شراعها برفق وتأن. وأبحرت في موجة من زمن لا يشبهها.