فلسطين 2014: جلجلة غزة والاعتراف بالدولة والرد على الاستيطان

رام الله- محمد هواش

عندما تسأل فلسطينيًّا في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس او في قطاع غزة عن احواله ومستقبله مع انتهاء السنة 2014 فإن الجواب السريع على لسان معظمهم يكون "انه العام الاكثر سوءًا" لأن المفاوضات التي رعتها الادارة الاميركية عامي 2013 والشهور الاولى من عام 2014 انهارت الى لا شيء "، والحصار الاسرائيلي ازداد شدة وضراوة بعد الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة صيف العام المنصرم. واشتد أكثر مع تدمير شبكة الانفاق على الحدود مع مصر بعد إطاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي.


وما يزيد الفلسطينيين مرارة عدم إكمال المصالحة الوطنية مع انها قطعت شوطًا جوهريًّا بعد حل حركة المقاومة الاسلامية "حماس" حكومتها في غزة برئاسة اسماعيل هنية، وتأليف حكومة توافقية برئاسة رامي الحمد الله. لكن المعركة الاشد اليوم لا تبدو نتائجها واضحة، ولهذا لا يرى الفلسطينيون ان نهاية معاناتهم تقترب مع نهاية سنة 2014 من دون ان يفقدوا الامل بمواصلة المعركة بعد ان غيروا قواعدها بإغلاقهم أي مفاوضات مع اسرائيل، وبدء مفاوضات مع المجتمع الدولي لانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية في سقف زمني محدد بسنتين الى 3 سنوات. وما تزال جولاتها مستمرة.


وبين هذه وتلك لا يعيش الفلسطيني اليوم في وضع امني او اقتصادي مريح بسبب القيود الاسرائيلية الجديدة عليه، خصوصاً في شرقيّ القدس في ظل تنامي موجات العنصرية ضد الفلسطينيين وحقوقهم (حرق الفتى الفلسطيني محمد ابو خضير حيًّا في القدس عشية الحرب على غزة) والاعتداءات المتكررة على الاماكن الاسلامية والمسيحية في القدس والضفة وسائر المدن العربية داخل أراضي 1948.


انهيار المفاوضات
في 29 آذار، رفضت الحكومة الاسرائيلية إطلاق الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل اتفاق اوسلو وأسقطت بذلك التفاهمات التي أبرمها وزير الخارجية الاميركي جون كيري بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بأن تتواصل المفاوضات للتوصل الى اتفاق في مقابل الا يطلب الفلسطينيون ترجمة عملية لحصولهم على مكانة دولة غير عضو في الامم المتحدة، اي ان لا ينضموا الى المنظمات الاقليمية التابعة لها، ومات الامل في إمكان انطلاق المفاوضات مرة اخرى مع حكومة يمينية يقودها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا يهمها سوى إرضاء المستوطنين فقط، ما اشار الى ان المفاوضات كانت غطاءً لمشروع اسرائيل إدامة احتلالها للاراضي الفلسطينية عوض التفاوض على شروط انهاء هذا الاحتلال. لكن مع ذلك فتح الفلسطينيون بابًا جديدًا وجدّدوا الامل في إمكان قدرتهم على الصمود والاستمرار في المطالبة بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران عام 1967، على رغم هشاشة نظامهم السياسي.


وتراجع أدائهم الجماعي الى أداء مجموعة صغيرة من المساعدين للرئيس الفلسطيني محمود عباس. والباب الأهم الذي فتحه الفلسطينيون وما زال مشرعًا الى اليوم، وقد لا يغلق قريبًا، وقد تجري معاركهم الدبلوماسية المقبلة على ايقاعه هو التفاوض مع المجتمع الدولي صاحب فكرة حل الدولتين على مشروع انهاء الاحتلال الاسرائيلي.


المصالحة
في مطلع نيسان 2014 وقّعت السلطة الفلسطينية على طلب الانضمام الى 15 منظمة ومعاهدة دولية في الأمم المتحدة كردٍّ على عدم وفاء اسرائيل بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى ، وفي 23 نيسان 2014 أبرمت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" اتفاقا للمصالحة، كان من بين نقاطه تأليف حكومة الوفاق الوطني خلال خمسة أسابيع، وفي 2 حزيران 2014 تألفت حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله.
في 12 حزيران 2014 خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل وبدأ الجيش الإسرائيلي عقبها حملة عسكرية واسعة النطاق وفي 30 حزيران عثر على جثث المستوطنين الثلاثة قرب مدينة حلحول، وقد كشفت تقارير بأن الشرطة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عرفتا بعد وقت قليل من وقوع الحادثة أن الأمر يتعلق بعملية قتل وليس باختطاف، لكن الحكومة أرسلت الجيش والأجهزة الأمنية لتشنّا حملة واسعة من المداهمات والاعتقالات بالضفة الغربية بحثًا عنهم وكأنهم أحياء، وأعقب ذلك مطالبات إسرائيلية بالانتقام من العرب، وهو ما أدى إلى خطف وتعذيب وحرق الطفل محمد أبو خضير من مخيم شعفاط، الذي اعقبه احتجاجات واسعة النطاق، خصوصا في مناطق عرب 48 وكذلك اطلاق صواريخ من قطاع غزة على المدن الإسرائيلية وقصف جوي اسرائيلي على القطاع.
أخذت العملية الاسرائيلية في الخليل بعدًا سياسيًّا خطرًا إذ ظهرت الحملة باعتبارها رفضًا للمصالحة الفلسطينية وتمهيدًا لعملية عسكرية أوسع تستهدف قطاع غزة من طريق إبعاده عن مجاله الفلسطيني على قاعدة "لادولة فلسطينية بلا قطاع غزة".


الحرب على غزة
وشنّت اسرائيل حربًا واسعة النطاق على قطاع غزة تحت اسم " الجرف الصامد" بدات في 8 تموز - 26 آب، قتل خلالها 2147 فلسطينيًّا وأصيب اكثر من 10 آلاف فلسطيني بجروح في مقابل مقتل 72 اسرائيليا بينهم 6 مدنيين واصابة نحو 700 اسرائيلي بجروح.
كما دمرت اسرائيل بهجماتها الجوية والبرية على قطاع غزة 13217 منزلاً منهم 2465 تدميرًا تامًا خصوصا في حي الشجاعية شرق مدينة غزة ومنطقة عبسان وخزاعة شرق مدينة خانيونس. و14667 منازلاً تدميرًا جزئيًّا و39500 ألف منزل تضررت وصار جزء رئيسي منها غير صالح للسكن. وكذلك 5 عمارات سكنية متعددة الطبقة دمرت تمامًا. كما دمرت الحرب الاسرائيلية على القطاع 62 مسجدًا وكنيسة واحدة و5 مقابر اسلامية ومقبرة مسيحية واحدة. ونتيجة تدمير هذه المنازل صار اكثر من 100 ألف فلسطيني بلا مأوى.
وفي المقابل شوشت هذه الحرب على الحياة العامة في اسرائيل اذ اطلقت الفصائل الفلسطينية آلاف الصواريخ على التجمّعات السكنية في محيط قطاع غزة، كما ضربت معظم المدن الاسرائيلية في الجنوب والوسط بالصواريخ بما في ذلك مدينة حيفا شمالا. وبسببها اغلق مطار بن غوريون الرئيسي في اسرائيلي مدة 48 ساعة. كما هاجمت المقاومة الفلسطينية معسكرات ومواقع عسكرية للجيش الاسرائيلي في محيط القطاع بقوات كوماندوس مصورة بشرائط فيديو ضعضعت معنويات الاسرائيليين ورفعت معنويات الفلسطينيين إذ أظهرت هذه الشرائط كيف يقتل فلسطينيون جنودا اسرائيليين بلا مقاومة.


رعاية مصر
ورعت مصر اتفاقًا لوقف النار التزم به الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي (26 آب) كما رعت مفاوضات غير مباشرة في القاهرة بين وفدين فلسطيني (بمشاركة حركتي " حماس" والجهاد الاسلامي") واسرائيلي لترتيبات وقف نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يُحقّق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية ومستلزمات إعادة الإعمار والصيد البحري انطلاقاً من 6 ميل بحري، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار. لكن هذه المفاوضات لم تتجدّد بعد وقف إطلاق النار بسبب عدم رغبة اسرائيل إعطاء أي انطباع بأنها تفاوض الفلسطينيين على ترتيبات، وبأنها فرضت وقف النار بقوة نيرانها والخسائر الفادحة التي ألحقتها بالفلسطينيين بشريًّا وماديًّا.


حكومة التوافق
قرّبت الحرب على غزة بين الفلسطينيين ودفعت رئيس الحكومة الفلسطيني الى عقد اول جلسة عمل لحكومته في قطاع غزة في 7 تشرين الاول اي بعد 4 شهور من تأليفها. لكن خلافات حول كيفية دمج موظفين من حكومة "حماس" المستقيلة في الحكومة الفلسطينية التوافقية حالت دون تعزيز المصالحة من دون انهيارها. ولفت في هذا مواصلة أجهزة الامن التابعة لحركة "حماس" السيطرة وتولّي مسؤولية الامن في القطاع بما في ذلك تولّي مسؤولية الامن على المعابر (رفح مع مصر، وبيت حانون – ايريز مع اسرائيل وكذلك معبر كرم ابو سالم مع اسرائيل) وما تزال هذه العقدة تحول دون اتمام المصالحة وتوحيد أجهزة الامن الفلسطينية وحلّ كلّ التشكيلات القتالية خارج أجهزة الامن الرسمية. ولم تسلِّم حركة "حماس" الى الآن بفكرة تسليم مفاتيح غزة الى السلطة الفلسطينية. ولم تبذل جهودًا للتعجيل في إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وردت في اتفاق المصالحة.


استراتيجية التفاوض الجديدة
مع قرار السلطة الفلسطينية التوجّه الى مجلس الامن للتصويت على مشروع قرار أممي يقضي بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ردًّا على مشاريع اسرائيل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في العام 2014 ضمن مشاريع وخطط اسرائيلية لبناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية في عموم الاراضي الفلسطينية، خصوصاً في مدينة القدس لقطع الطريق على إمكان إقامة دولة فلسطينية، تداخلت استراتيجيتا عمل مثيرتان: الاولى إصرار على إبدال المفاوضات العبثية بمفاوضات ومعارك دبلوماسية في الحلبة الدولية في الامم المتحدة وفي العواصم الاوربية، ابتداءً من اعتراف حكومة أسوج بدولة فلسطين وتكرار الاعتراف في لندن ودبلن وباريس وبروكسل ولوكسمبور ومدريد من برلمانات او توصيتها الحكومات بالاعتراف بدولة فلسطين .
الثانية: استرايجية طبيعية عبّرت عن نفسها بفقدان الامل وتكرار عمليات الرد الفلسطينية على تزايد نزعات العنصرية الاسرائيلية بعد مقتل الفتى ابو خضير واقتحامات المستوطنين المتكررة للمسجد الاقصى والتهديد بتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا.


وقد ردّ الفلسطينيون على هذه الاستراتيجية بعمليات دهس (متعمدة او غير متعمدة) لاسرائيليين في القدس والخليل ومناطق اخرى، كما شنّوا عمليات طعن بالسكاكين لأفراد شرطة اسرائيليين وجنود، توّجت بعملية ضد مصلّين يهود في كنيس بالقدس في مكان قريب من مقتل سائق فلسطيني لأتوبيس اسرائيلي شنقاً.
وقد أثارت هذه العمليات جدلاً وهوسًا داخل المجتمع الاسرائيلي في الأشهر الثلاثة الاخيرة من السنة المنصرمة ردّت اسرائيل بقرارات تعزيز المنطقة وإعادة احتلالها وتقسيمها عمليًّا بحواجز شرطة وبوابات حديد، خوف اتساع نطاق الردود الفلسطينية.


انتفاضة ثالثة؟
وهيمن مصطلح "انتفاضة ثالثة" على وصف الأحداث التي تشهدها القدس (عمليات دهس وطعن ومواجهات في اكثر من حي شرق المدينة). في نفس الوقت الذي يعزّز الفلسطينيون استراتيجيتهم التفاوضية مع المجتمع الدولي عوض الحكومة الاسرائيلية مشفوعة بالدعاية والعمل المكثفين للمقاومة السلمية ضد مصادرة الاراضي والاستيطان التي ذهب ضحيتها الوزير الفلسطيني زياد ابو عين على يد جنود الجيش الاسرائيلي في العاشر كانون الأول، وهو يقود تظاهرة في بلدة ترمسعيا شمال شرق رام الله ضد مصادرة أراضيها وإقامة بؤرة استيطانية في اراضي القرية.
اختتام السنة بمداولات في مجلس الأمن الدولي حول مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الاحتلال هو ترجمة لهذه الاستراتيجية ونجاح جزئي لها في انتظار تكرار المعركة في ظروف أفضل إن لم تحقق نتائج عملية.


وما لم يستطع الفلسطينيون تحقيقه بالقوة الحالية، يمكن تحقيقه بالمزيد من نفس القوة وان كانت قوة ناعمة للدبلوماسية، ولا تنقصهم الفطنة لتطعيمها بوسائل المقاومة الشعبية السلمية.