في العام 2000 ... أبى جبران إلا أن يشارك الجنوبيين فرحة التحرير

أحمد منتش

بعد ايام على تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرئيلي في 24 ايار العام 2000 الذي استمر طيلة اثنين وعشرين عاما، اتصل بي الشهيد جبران تويني قائلاً:" بكرا بدنا نعمل جولة ميدانية في الجنوب ولازم تكون معنا"، سررت جدا لاتصاله ولفكرته واتفقنا ان نلتقي عند جسر الاولي المدخل الشمالي لمدينة صيدا. صبيحة اليوم الثاني وصل موكب الشهيد الذي كان يتقدمه وكانت برفقته مجموعة كبيرة من خيرة الزملاء العاملين في جريدة "النهار" من مختلف الاقسام منهم الزملاء ادمون صعب وغسان حجار وجوزيف باسيل، وحبيب شلوق. بعد مصافحة سريعة قال لي الشهيد "مهم جداً ان نتفقد النبطية ومرجعيون وبنت جبيل وقرى وبلدات عين ابل ورميش وعيتا الشعب، وانت شو بتلاقي مناسب قلنا"، فاجبته:" جيد جداً استاذ جبران ومش غلط نكفي من مرجعيون إلى الخيام لمشاهدة معتقل الخيام لرمزيته". رحب بالفكرة من دون تردد واضاف:" هيدا اليوم خصيصا للجنوب وما بدنا نضيع ولا دقيقة خلينا نمشي ونحنا وراك وين بدك نوقف منوقف". في مدينة النبطية كان لا بد من التوقف قليلا امام المواقع الاسرئيلية التي كانت متقدمة ومنتشرة على تخوم النبطية الشرقية وبلدة كفرمان الجنوبية الشرقية والتي كانت من ضمن العديد من المواقع الاستراتيجية المحصنة التي تهاوت تباعا وسقطت كليا على يد عناصر المقاومة بعد انسحاب وتقهقر الجيش الاسرائيلي بشكل دراماتيكي وسريع جدا منها. كما كان لا بد لنا من التوقف امام قلعة ارنون الاثرية والاستراتيجية من الناحية العسكرية والناحية الاستطلاعية والتي قام الطيران الحربي الاسرائيلي بقصفها بعد انسحاب قواته منها اذ قام بتدمير اليات واعتدة تركها وتحصينات كان اقامها بعد اجتياحه لبنان في العام 1982 كما قمنا بتفقد مرابض لمدافعه الثقيلة والتي كانت لا تزال موجودة مع قذائفها في امكنتها في موقع يعرف باسم الزفاتة عند مثلث جسر الخردلي – كفرتبنيت – الجرمق .
اما في مرجعيون التي تخلت عنها الدولة، كما قرى وبلدات الشريط الحدودي طيلة 22 عاماً وعجز مجلس الامن الدولي عن استعادتها الى حضن الدولة الشرعية على الرغم من اتخاذه قرارا عرف باسم القرار 425 والتي كانت مقرا لقيادة الجيش الاسرائيلي ولجيش لبنان الحر بأمرة الرائد سعد حداد الذي انشق عن الجيش اللبناني ومن ثم لقيادة جيش لبنان الجنوبي بامرة اللواء انطوان لحد، فكان لقاء موسع للشهيد ولفريق "النهار" مع متربوليت صيدا والجنوب للروم الارثوذكس الياس الكفوري في كنيسة مار جاورجيوس بحضور جمع من ابناء الرعية، أما في بلدة الخيام فكانت جموع الناس تمشي عشرات الامتار سيرا على الاقدام للوصول الى داخل المعتقل الذي سجن في زنازينه المئات من ابطال المقاومة الوطنية والاسلامية وذاقوا فيه كل اشكال وصنوف التعذيب شباناً وشابات وعُجز ومنهم سهى بشارة التي اطلقت الرصاص على انطوان لحد داخل منزله من مسدس اوصله اليها الشهيد جورج حاوي. المشرفون على تنظيم الدخول الى المعتقل من حزب الله رحبوا بمجيء تويني والوفد المرافق له وسهلوا له الدخول بسيارته الى باحة المعتقل وكان لافتا تجمهر العديد من الشبان والشابات حول جبران وتبادل الحديث معه عن الوضع ومواقفه وبابتسامة عريضة قالت له احدى الشابات "استاذ جبران يمكن نحنا منختلف معك بالراي لكن منحبك ومنحترم مواقفك الجريئة" .
ومن الخيام عودة الى مرجعيون ومنها الى القليعة وبرج الملوك ولقاءات مع الناس وكهنة ورهبان وراهبات ممن صمدوا ورفضوا الهروب او الهجرة، وبعدها انطلاق صوب كفركلا والعديسة وحولا وعيترون وميس الجبل وبنت جبيل ويارون ورميش وعين ابل ودبل وعيتا الشعب تخللتها لقاءات واستقبالات وكان حديث جبران مع الفاعليات والناس تتركز حول اهمية صمودهم وضرورة ان تتحمل الدولة كامل مسؤولياتها على كل الصعد كما كان يركز على دور الشباب في صناعة غد افضل .
ومن قرى القطاعين الاوسط والغربي وقبل مغيب الشمس هبطنا نحو الناقورة ومنها باتجاه مدينة صور والزهراني فصيدا حيث ودعته وصافحني وهو يبتسم شاكرا مرافقتي ومنوهاً بمعرفتي للمنطقة وطرقاتها التي كان كثر من الناس يسالون عن اي طريق عليهم سلوكها للوصول الى مقصدهم فكانوا ينضمون الى موكبنا لارشادهم على المكان الذي كانوا يبغون الوصول اليه .
صباح اليوم الثاني عاود الشهيد الاتصال بي طالباً مني الحضور للقائه في مكتبه في الجريدة، إذ جدد لي شكره واعطاني من جيبه الخاص مبلغاً من المال والاهم اهداني كاميرته الخاصة "كانون" الاولى التي كانت بين يدي من نوع ديجيتال طبعاً. المال جرى صرفه الا ان الكاميرا لا زلت اعمل فيها ولن اتخلى عنها لقيمتها المعنوية والانسانية كونها كانت تخص الشهيد الحي والذي لا يمكن نسيانه .