عندما نسي العمر دوره وخلّد Maserati في ذاكرة التاريخ...

ماريو غريب

100 عام، كبرت فيها Maserati من دون أن تشيخ. إرث مهيب وتاريخ جميل رافق العلامة الإيطالية عبر السنين، لتكريسها وتخليدها وساماً في ذاكرة التاريخ. تاريخ لا بدّ من ذكره بداية.


تأسست مازيراتي في بولونا (إيطاليا) في 1 كانون الأول 1914، وبدأت عملياتها في شكل رسمي في 14 كانون الأول من العام عينه، أنتجت مازيراتي أولى سياراتها العام 1926، سيارة سباق حملت إسم Tipo 26. وظهرت للمرة الأولى في فوز حققته في سباق Targa Florio العام 1926، وكان أول فوز في سلسلة من الإنتصارات التي شملت نسختين من "Indianapolis 500" و9 إنتصارات في بطولة العالم للفورمولا واحد العام 1957. وفي العام 1947، أدهشت مازيراتي العالم بإنتاجها أول سيارة ركاب، وهي A6 Gran Tourer. وفي العام 1963، ومع الجيل الأول من Quattroporte، أعطت مازيراتي سوق السيارات مركبةً لم تكن تنتمي لفئة معروفة، وكانت تلك أول سيارة سيدان رياضية فاخرة في العالم. أما قصتها الحقيقية، فيخفيها شعارها المتمثل برمح ثلاثي الشعبة.


بدأت حكاية هذا الشعار من تمثال موجود في ساحة Maggiore في مدينة بولونا، وذلك منذ القرن السادس عشر، هو تمثال Neptune، أو بالأحرى نافورة Neptune التي استوحي منها شعار Maserati. رمز أصبح منذ تأسيس الشركة، يرمز إلى كل من Maserati ومدينة بولونا في آن. أما النافورة هذه، فرسمها الرسام الصقيلي Tommaso Laureti في العام 1563، ليقوم بعد النحات Jean De Boulogne المعروف بـGiambologna بتحوليها منحوتة برونزية أنهى العمل بها في العام 1565. ومنذاك حتى أيامنا، حوفظ على النافورة التي أضحت رمزاً من أبرز رموز هذه المدينة الإيطالية. ولكن ما علاقة Maserati بهذه المنحوتة؟
لم تبرز هذه العلاقة إلا في العام 1920، عندما انتقل الأخوان Maserati إلى تلك المدينة بهدف التمركز هناك في سبيل إنتاج ما يعرف بالعامية بالـ"بوجيات". وفي ذلك الحين كانت شركتهما تحمل إسم Officine Alfieri Maserati. وبما أن هدف الشركة كان إنتاج سيارة تستطيع المنافسة في العديد من السباقات العالمية كان لا بد من إيجاد رمز أو علامة لها تميزها عن غيرها من السيارات، فأوكلت المهمة إلى Mario Maserati، الذي كان يهوي الفن أكثر من السيارات. فبعد إستشارة أحد الأصدقاء، اقتنع Mario بضرورة أن تكون العلامة مستوحاة من تمثال Neptune الموجود في ساحة Maggiore في بولونا حيث مكاتب مازيراتي. اختار Mario من التمثال الرمح الثلاثي الشعبة واعتمد على اللونين الأزرق والأحمر، ألوان المدينة، لتأكيد انتماء Maserati إليها. علامة ولونان مازالت معتمدة على كل طرازات الصانع حتى اليوم، ومع الأيام أضحت علامة الرمح مرادفة لفرادة Maserati من حيث الفخامة والتأدية الرياضية وارتباطها الوفيّ بمدينتها.
فمنذ أول طراز للشركة، الذي حمل إسم Tipo 26 في العام 1926، رافقت هذه العلامة إبداعات هذا الصانع الإيطالي من طراز إلى آخر. ولكن عبر السنين، تغيرّت العلامة من حيث الشكل، الشكل فقط. بمعنى آخر، تطورت العلامة من شكل مستطيل، إلى بيضاوي وآخر أكثر طولاً، لكن العنصر الثابت فيها كان الرمح الثلاثي الشعبة.
بعد مئة عام، كان من المناسب نحت صورة جديدة تمثل المئة العام الأولى من الشغف في صناعة السيارات. لذلك نرى في شعار مازيراتي المئوي وساماً أكثر من كونه شكلاً محفوراً، حيث يستمر هذا الشعار كرمز لتراثها في عالم السباق. ولكن الأهم من ذلك أنه لا يشبه أي شيء تجدونه في العلامات التجارية الفاخرة الأخرى، ولذلك يذكرنا دائماً، بإعتقادي، بالإلتزام خلال المئة عام المقبلة بالإبداع "النقيض المطلق للمألوف" في كل ما تصنعه هذه العلامة الإيطالية. إبداع ظهر جلياً لأول مرة عبر طراز 8CM المخصص للسباقات.


أما اليوم، فيتجسد هذا الإبداع عبر أسطول السيارات الذي توفره هذه العلامة الإيطالية، بدءاً بطراز Quattroporte بكلّ تفرعاته والابرز من بينها طراز GTS، إلى طراز Ghibli في كلّ تفرعاته أيضاً لا سيما طراز S Q4 وصولاً إلى طرازي GranTurismo و GranCabrio وطراز القمة في هذه الفئة الـ MC Stradale في نسخة Centennial المميّزة إحتفالاً بعيد Maserati الـ100. عيد، احتفل به الصانع بطرق عديدة إحداها كانت في سلطنة عُمان حيث كنّا.


ففي منطقة الفندق حيث مكثنا في مرتفعات مدينة مسقط، جمود وصمت يخرقهما من حين إلى آخر هدير محرك يسيل على طريق شقت مسارها على أنغام الأمواج المتدفقة من صميم بحر حالم، خلاب، مفعم بالحياة، يتنفس من البعيد... هناك حيث تلتقي الشمس القمر، وحيث يسكر الوقت بروعة المكان، فتستسلم الثواني للدقائق وتصبح الساعات مجرد أرقام محفورة على لوحة قيادة سيارات Maserati ترشدنا إلى طريق المتعة والفخامة. لوهلة تشعر وكأنك في إحدى قصص ألف ليلة وليلة، حيث تنحني الأشكال الهندسية قناطر ترحب بنجوم، ولكن هذه المرة ليست نجوم في السماء إنما على الأرض، وبالتحديد نجوم الطرق. شعور يخالجك لحظة ركوبك سيارة Maserati وبداية مشوارك، حتى شجر النخيل يهيأ إليك أنها تنحني ترحيباً واحتراماً لتلك النجوم من عالم السيارات. لبرهة يتضّح لك صراع مرتقب ما بين جمود وقسوة الجبال المحيطة وروعة وسلاسة وأناقة طرازات Maserati. فالطراز الذي اخترناه هذه المرّة هو طراز GranTurismo MC Stradale Centennial Edition في لونها Rosso Magma، اللون الأصلي الذي يرافق لون Blu Inchiostro في بثّ الحياة في شعار الصانع. وقد تمّ اخنيار هذين اللونين فقط للـCentennial edition كونهما اللونان الرسميان لشعار Maserati ولمدينة بولونا وهما بمثابة تحية إلى الصانع الإيطالي في عيده الـ100. من الخارج لا تختلف MC Stradale Centennial عن الطراز العادي من MC Stradale سوى في توافرها بلونين مميزين فقط، واعتماد الشعار المئوي على مجموعة جديدة من العجلات لم تكن متوافرة من قبل.
استُلهمت كلّ مزايا الشكل الخارجي من برنامج السباق، أما التعديلات فتم تطويرها بعناية لتعزيز القوة السفلية لتشبث السيارة بالأرض عند السرعات العالية. وتفيد السيارة من البيانات التي تأتي من حلبة السباق وبحوث (CFD) المتعلقة بالديناميكيات الحسابية. غطاء المحرك مصنوع من ألياف الكربون بلون هيكل السيارة، مع فتحات الهواء ذات الوظائف المحددة التي تضيف الثبات عند السرعات العالية دون زيادة مُعامل الهواء، بشكل أساسي من خلال تخفيف الضغط تحت غطاء محرك السيارة.
أما من الداخل فيندمدج اللون الخارجيّ في المقاعد ليضفي نَفَسَ حياة على جدية المواد المصنوعة من ألياف الكاربون.
المحرّك، بدوره، هو إياه المعتمد على MC Stradale سعة 4.7 ليترات V8 يولّد 460 حصاناً عند 7000 دورة في الدقيقة، ومزود علبة سرعات أوتوماتيكية من 6 نسب ZF MC Auto Shift والذي يتميّز بالسرعة والقدرة على تنفيذ نقلات أسرع في 100rms فقط. ويضم هذا النمط نقلات تلقائية عند الانتقال إلى سرعات أدنى مع نظام التحكم في الإطلاق يسمى (MC Start Strategy).


هذا في الارقام، أما التأدية فعالم أجمل، يبدأ بهدير المحرّك الذي بدويّه وأنغامه لا يشبه إلا صخب زحمة أحلام تتدافع لتصبح حقيقة. كبسة تختار بها النمط الرياضي و... قوة ميكانيكية مهيبة حوّلها مهندسو الصانع الإيطالي أنغاماً موسيقية تعزف على أوتار الإبداع، تداعب الأذن وتغازل القلب. سمفونية عذبة وأنيقة ترافقك خلال رحلتك وتملي عليك نمط القيادة وكأن المحرك يكلمك، فترى نفسك تراقص السيارة من منعطف إلى آخر وكأنها حبيبتك. تأدية مهيبة شكلت بلبلة غير مسبوقة في صفوف الجبال الصخرية العُمانية، التي بدأت تدافع لتكتشف سرّ هذا الصوت العذب الجميل، لدرجة أنه، بسبب فضولها، حوّلت الطرق إنحناءات ومنعطفات، وكأنها تحدّ فرضته على MC Stradale ولكن... يمين، يسار، ومن ثمّ يسار ويمين، بثقة كاملة بفضل دقة استشعار المقود لظروف القيادة. شعور جميل يرافقك في هذه المغامرة داخل المقصورة إذ يهيأ لك أن الهواء يعزف لأجلك بخفة نوتة موسيقية تتصاعد من الحان مقطوعة تغني الحب، وذلك بفضل التصميم الأيروديناميكي الناجح الذي يعرف كيف يداعب الهواء. حالة حبّ أخرجت الجبال من تنسكها فبدأت تتمتم هديراً يتصاعد صلاة ترددها الوديان صدى ينعش الروح. فـMaserati سيارة حيّة لأنها صورة لسائقها، تستجيب لحواسه ورغباته وكأنه حال واحدة مع المركبة.
تجربة فريدة من نوعها تطفئ الشمعة الـ100 في تاريخ Maserati لتخلّد وساماً في ذاكرة التاريخ ونجمة مشعّة في حلم المستقبل.


 


mario.goraieb@annahar.com.lb


Twitter: @MGo8