الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

سعيد عقل في مجرّة الشاعر الأيقونة - خشب الأرز وصخر لبنان مدفنه

رين بوموسى
رين بوموسى
A+ A-

ارزة من لبنان هوت وصخرة من جبال الصوان اقتلعت، فأبتا الا ان تحتضنا جوهرة لبنانية ثمينة، غادرت روحها ليبقى الشاعر الكبير سعيد عقل خالدا في تاريخ لبنان الثقافي.


غادر الشاعر تاركا مكتبة تطير بها الكلمات، وتتجلى منها اسمى المعاني واجملها. هو من كتب قصيدة لبنان: "لي صخرة علقت بالنجم اسكنها... طارت بها الكتب قالت تلك لبنان"، تلك الصخرة ستحتضنه الى الابد، وتلك الارزة التي طالما تغنى بها سترفعه وفاء لكلمات الشاعر الاديب.
ذهب الى دنيا اخرى، ليتأرجح ما بين حروف قصائد خالدة، محفورة في جبال وارز لبنان الذي سيظل يذكره، كما جبران خليل جبران، وبشارة الخوري، وميخائيل نعيمة، وايليا ابو ماضي... اكثر من مئة عام من الابداع والعطاء غير المتناهيين لوطن عشقه فأبدع في وصفه وترسيخ فكرته.
لن يغادر سعيد عقل بنعش ملفوف بالاحمر والابيض والارزة، شاعر لبنان سينصهر ويذوب في الصخرة والارزة، ويسافر في بحر الكلمات. فالمبدع والفنان رودي رحمة لم يستطع ان يرى رمز الكلمة والشعر الجميل في نعش خشبي جامد وبارد.
لم يطلب منه احد ان يصنع نعشا يليق بعملاق مثل سعيد عقل، فهو اقدم على هذه الخطوة، ايمانا منه بأنه لا يجوز ان يحتضن ذلك الشاعر الكبير الا لبنان بنفسه.
اليوم سيحمل الارز عقل بصخرة من جوف الوطن. منذ سنة ونحو شهرين، علم رحمة بان سعيد عقل، الذي هرم، سيرحل بين يوم وآخر، ومن تلقاء نفسه خطط ونفذ "منحوتته".
رجل العصر سيرقد الى الابد على خشب ارز عمره اكثر من 3000 عام، استطاع ان يحصل عليه رحمة من احدى اشجار الارز التي اقتلعت نتيجة عواصف شتاء العام 1983. سيكون هذا الخشب القاعدة التي تحمل النعش المؤلف من صخرة رخام مجوّفة.
يقول رحمة لـ"النهار" ان الصخرة، وكأنها كف لبنان الذي عشقه سعيد عقل، جرحته الرياح، فتاريخ لبنان مجرّح واللبنانيون مروا بفترات عصيبة وصمدوا، "منحوتة" تحمل معاني كثيرة وكبيرة تجسد حب سعيد عقل وعطاءاته اللامحدودة. يشرح رحمة انه "عند فتح غطاء النعش، يلاحظ المرء ان المشهد اشبه بالسفينة الاولى التي سافرت الى العالم وحملت حروف الابجدية"، وتجسيدا لهذه الرحلة ما بين الحروف نحت رحمة اسماء كتب العملاق كأنها زهر "كأن لبنان الجديد زهّر من خلاله... فسعيد عقل عاش ما قاله، لذلك حضن افكاره".
في شكله الكامل، يظهر النعش كأنه صخرة شامخة، ويعتبر رحمة ان "النعش صنع باسم جميع الشعراء وفناني لبنان الموجودين والراحلين وباسم الثقافة".
حضن النعش الراحل الكبير من المستشفى حتى جامعة سيدة اللويزة في بلدة الزوق، حيث استقبل على وقع موسيقى فرقة قوى الامن الداخلي، محاطا بالاعلام اللبنانية المرفوعة، ووضع في قاعة عصام فارس، على وقع صوته مؤديا الاشعار والاغاني التي كتبها، والصلوات. سيظل سعيد عقل راقدا في نعشه داخل حرم جامعة سيدة اللويزة حتى صباح الثلثاء. وستقام مراسم الجنازة في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، ليرقد في مدفن بني خصيصاً له في زحلة. وربما ينقل عقل لاحقا الى متحفه احياء لذكراه.
لن يُلف نعشه بالعلم اللبناني، فالارزة نفسها ستحمل العملاق الى مثواه الاخير. اما كلمة لبنان المنحوتة في النعش، فيقول رحمة عنها: "وكأن شيئا سقط منها، فبلدنا حزين على رحيل احد اعمدته ومن أرسى بنيان فكرته".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم