"سيّدتي"

هنري زغيب

"سيّدتي! وأَيُّ سعادةٍ أَن أَلفُظَ هذه الكلمة لأَستقبلَ عُضواً جديداً معنا تحت هذه القُبَّة".


وأَكَّد عبارته: "... بما أَنّ هذا نادرٌ جداً بيننا، سأَتلفُّظُ بالكلمة من جديد: سيّدتي".
وأَوضحَ فَرحه في مطلع خطابه: "بسعادةٍ كبرى ومزدوجة نَستقبلكِ بيننا سيّدةً جديدةً تنضمُّ إِلى صفوفنا: أَنكِ أَولاً سيّدة، وأَنكِ كرّستِ أَدبَكِ للمرأَة، لمواهبها، لنضالها، ولإِبداعاتها".
بهذه الكلمات الناضحةِ إِكباراً واحتراماً افتَتَح خطابَه، جان كريستوف روفّين باسم الأَكاديمية الفرنسية مُرحِّباً بالعضو الجديد: الكاتبة دومينيك بونا (Bona) في المقعد 33، لتكون بين "الخالدين" الأَربعين سادسَ امرأَة مع زميلاتها: إِيلين كارير، فلورَنس دولاي، الجزائرية آسيا جبّار، سيمونّ ﭬايل ودانييلاّ سالْناﭪ.
يعنينا من هذا الحدَث أَمران: أَن يكون انتخابُها عضواً مع "الخالدين" تتويجاً لنتاجها الأَدبي وخصوصاً البيوغرافي الذي نال جوائِز سابقة، وتتويجاً لسُطوعها طيلة عشرين عاماً (1985-2005) بمقالاتها الأَدبية الأُسبوعية في "الفيغارو"، وأَن يكون استقبالُها ك"سيّدة" على هذا القدْر من الإِجلال للمرأَة تحت قُبَّةِ أَعلى هيئةٍ أَكاديميةٍ في فرنسا، وإِحدى عُليا الرديفات على الإِطلاق في العالم.
إِنه مجدُ المرأَة الكاتبة المؤَلِّفة الأَدِيبة يَظهر في احترام الرجل مكانَتَها في الوسَط الأَدبي، مكانَها مُكرَّسَةً في مقاعد الأَكاديميا المُكرَّسة، من دون أَن يكون ذلك نتيجةَ "نضالِها" لل"كوتا" النسائية، أَو تَعَصُّبِها النسويّ في حركات نسائية تمييزية. كلُّ ما في الأَمر أَنها خصَّصَت للمرأَة جُزءاً كبيراً من نتاجها الأَدبي بكتابتها عن نساءٍ متميّزات أَو رائدات، أَحدثُها كتابُها الأَخير "أَنا مجنونٌ بكِ": بيوغرافيا موسَّعة لعلاقة الحب العاصف شبه السرية بين الشاعر ﭘول ﭬاليري والمحامية جان ﭬوالييه.
هذا الأَمر يسترجع الجدَل الذي لم يَهدأْ بعدُ عمّا يسمى "الأَدب النّسوي"، جاء ينقُضُه انتخابُ بونا إِلى الأَكاديميا الفرنسية، ويدلُّ في وُضوحٍ على معيار أَنّ الكاتبةَ مبدعةٌ أَو لا، خَلاّقةٌ أَو لا، أَصيلةٌ أَو لا، بمعزلٍ عن تقسيم الجندر. حتى سيمونّ دوبوﭬوار لم تكن تقصُدُها حين كتبَت "الجنْس الآخَر" (1949) أَو "مذكِّرات صبيّة عاقلة" (1958). وتالياً قيمةُ الأَدب هي في ذاته: في ما يعطي وفي ما يَترك من إِضافات ومن أَثر، أَنّى يكُن القلمُ الذي كتَب: في يدِ كاتبٍ أَو بين أَناملِ كاتبة.
تكريمُ المرأَة شرفٌ للرجُل، تكريمُ الكاتبة شرفٌ للأَدب، وعدمُ التمييز الجندريّ في الإِبداع شرفٌ للإِنسانية التي تتقدَّم مُتَتَوْأَمَةَ الخطوات بين ما يُضيفُه إِليها الرجل وما تُضفيه عليها المرأَة.
ويا خُلودَ أَدبٍ يُبَلْوِرُهُ رجُل، وعلى تاجِه كلماتٌ تَسطَع من أُنوثَة!