محاولة قراءة الفنجان الإيراني...

الأمن بمفهومه الشمولي في بلد كلبنان مكشوف من الجهات الأربع، وعلى إيقاع هذه الدولة الإقليمية أو تلك العاصمة الدوليّة، لطالما كان سياسي الهوى والهويّة والأهداف. ورقة مهمة في الميزان السياسي، حين تستحق "المواعيد الكبرى" سواء لجهة المفاوضات، أو فرز أوراق الرابحين والخاسرين وما بينهما.
وخصوصاً في المرحلة الراهنة التي يصنّفها البعض في خانة "الأخطر" منذ انكفاء حروب بوسطة عين الرمانة.
من عرسال شرقاً وصعوداً إلى طرابلس شمالاً وتمدّداً صوب المناطق المختلَطة الشديدة الحساسيّة والتأثّر، كونها تشرّع الأبواب لرياح الطوائفيّة المذهبيّة.
أطراف عدّة يعتبرون إيران في طليعة الأسباب والعوامل التي يمكنها التأثير المباشر في الوضع اللبناني الراهن.
ولكن أين هذه الـ"إيران" بعد المستجدات الطاحنة التي شهدها العراق، وأدّت تالياً إلى متغيّرات أساسيّة جرفت معها الكثير مما يُحسب عادة في خانة طهران ونفوذها المتمدّد من بغداد إلى دمشق فبيروت... فدول وعواصم أخرى؟
المتابعون بدقة لتطوّرات الأسابيع الأخيرة، والضجّة الدوليّة التي أحدثها تنظيم "داعش" انطلاقاً من بغداد، والإعلان الحربي الذي جمع ائتلافا يُذكّر بتحالفات الحرب العالمية الثانية، يعتقدون أن على إيران أن تحضّر حالها لنقلة "نوعيّة" متناهية الدقة، ترافقها مراجعة شاملة للمواقف وإعادة نظر في الحسابات القديمة.
لا تحتاج طهران إلى مَنْ يذكّرها بأن شهر العسل الطويل الأمد الذي أمضته بحريّة فضفاضة في دول أساسيّة في المنطقة قد شارف النهاية، وربما الأفول. والائتلاف الدولي الذي يُجهّز بدراية ودقّة لن يغادر المنطقة على عجل. ولن يدع "داعشاً" آخر يحلّ محلّ "داعش" "الدولة الاسلامية". أو ما يماثلها.
والمعروف عن إيران أنها دولة كبيرة طموحاتها، وتتطلع بجدّية نحو كرسي زعامة المنطقة من زمان.
الوضع العراقي ليس كل المنطقة. ولا كل الحكاية. ولا كل الخسارة. فهناك الوضع السوري الذي لا بدّ من الوصول إلى علاج أساسي له. ثم الوضع في لبنان الواقف على الحافة الأخيرة، في انتظار نتائج المغامرات والمغامرات المضادة. وبلا رئيس للجمهورية. وبشبه دولة، وشبه حكومة، وشبه مؤسسات.
فهل تتناسب، أو تتلاءم، حسابات الحقل مع حسابات البيدر الإيراني؟ وهل في استطاعة ما تبقّى من النظام السوري، الذي خسر الكثير من كل شيء وفي كل سوريا، أن يعوّض إيران المتطلعة إلى "الزعامة" ما خسرته في العراق، وما ستخسره لاحقاً في كل مكان زرعت فيه مقعداً، ولبنان واحد من هذه الأمكنة؟
الخبراء المخضرَمون يؤكّدون أن دولة كإيران تعرف جيداً متى تغيّر حساباتها، وطموحاتها، وحتى تحالفاتها. وإذا اقتضى الأمر قد تسبق الجميع في الانفتاح وإعادة النظر في سياسة زمن مضى مع مفاعيله. وهذا تطوّر يعود بالفائدة على لبنان.


elias.dairy@annahar.com.lb