شعرَت بالضعف وبأن لا نفع من حياتها ومن زواجها

كلودا طانيوس

"نقشعلكن عريس" هي العبارة التي يسمعها المتزوجون حديثاً، فالطفل سيزيد من سعادة الثنائي الداخل القفص الذهبي وسيكون النعمة التي يحافظ عليها برعايةٍ تامة. وفيما تأتي العبارات والدّعَوات لأن يُرزَقَ العروسان بطفل من نية صافية ومُحِبّة لهما، تشكّل ضغطاً كبيراً وحِملاً ثقيلاً عليهما في حال لم يتمكنا من الإنجاب.


 


 


تحديات نفسية كبيرة


عند عدم قدرة الثنائي على الإنجاب، إن كانت المشكاة من المرأة أو من الرجل، يتم التركيز على سبل المعالجة بيولوجياً ويتم إغفال الناحية النفسية التي تضطلع بدور كبير في مسألة العلاج. فعندما يعلم أحد الزوجين أنه السبب في عدم الإخصاب، يخيّم الحزن عليه ما يؤدي لتحديات نفسية كبيرة.


إذ أكدت "مجلة هارفرد للصحة النفسية" في عددها الصادر في شهر أيار الماضي أن التأثير النفسي على الشخص المكتشِف عدم قدرته على الإنجاب يتمثل في مشاعر مؤلمة شبيهة بحالة الخسارة لشخص عزيز. فعدم الخصوبة، وهو الحالة التي تعرّفها منظمة الصحة العالمية بأنها عدم القدرة على الإنجاب بعد سنة من المحاولة، يؤدي إلى ردود فعل سلبية وهي الاكتئاب والغضب والإحباط.


 


لَوم الذات والشعور بالفشل


قد يكون الشعور بالذنب والعار هو أسوأ ما يواجهه الشخص غير المنجِب، إذ يرى أنه فشل في تحقيق "حُلم" تشكيل العائلة، وفشل في ملاقاة تطلعات شريكه، ولم يكُن على قدر توقعات المجتمع الملقاة على جنسه، بحسب "جمعية علم النفس الأميركية". فتشعر المرأة أنها خيّبت آمال زوجها وعائلته على وجه التحديد في إكمال نسل العائلة، ويشعر الرجل بانتقاص من رجوليته ما يؤثر في ثقته بنفسه وعلاقته الزوجية مع امرأته.


وقد يصل البعض منهم إلى حالة يأس، خصوصاً النساء اللواتي يرَين أن صفة الأمومة هي التي تؤكد هويتهن الأنثوية، ما يشرح استعانتهن وأزواجهن ببنك السائل المنوي (Sperm Bank) خارج لبنان (بما أن ليس هناك من بنوك سائل منوي في لبنان) في حال كان الرجل هو غير القادر على الإنجاب. أما حل "طفل الأنبوب" فهو الأكثر رواجاً، إذ متوافر محلياً وهو في ازديادٍ مستمر، خصوصاً أن ليس هناك من قانون ينظّم مسألة تلقيح الـIn-Vitro ويحدد مسألة العدد والجنس للمولود.


 


هل يزداد معدل عدم الخصوبة في لبنان؟


مع تأخُّر سن الزواج جرّاء الأوضاع الاقتصادية والغلاء المعيشي، ودخول المرأة مجال العمل، تمرّ فترة من الوقت قبل أن تتشكل العائلة، ما يرفع من الصعوبة في الإنجاب بما أن الخصوبة تخف مع العمر.


"فالمرأة تصبح أمّاً اليوم في آخر عشريناتها أو أول عقدها الثلاثيني، وهو واقعٌ مختلفٌ كلياً عن العقدَين الماضييَن حين كانت المرأة تحبل في أول عشريناتها" يشير أمين سر الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية الدكتور توفيق نبأ لـ"النهار"، ويحذّر من تسمية "عاقر" على المرأة أو الرجل، "فهي تعني حكماً مطلقاً بأن ليس بإمكان هذا الشخص الإنجاب أبداً"، مفضّلاً تسمية "عدم الخصوبة" بدل "العقم": "المشكلة هي ضعف في الخصوبة (Infertility)، وليست استحالة الإنجاب (Sterility)".


ويؤكد نبأ أن "استعانة اللبنانيين بالحَمل عبر الـIn-Vitro ليست غريبة، وهي تحصل خصوصاً عند الثنائي غير اليافع، أي عادةً 35 سنة وما فوق" ويلفت إلى أنه "ليس بالضرورة أن يلجأ المتزوجان اليافعان إلى هذه الطريقة في حال لم تحبل المرأة فوراً، فسنُّهما يسمح لهما بالمحاولة مجدداً، خلافاً لمن هم أكبر سنّاً".


وعن التأثير النفسي لعدم الخصوبة، لا ينفي نبأ الحِمل الثقيل على الثنائي، قائلاً إنه "تحصل مشكلات متعلقة بثقة الشخص بنفسه وبالعلاقة الزوجية، وقد يقوم الرجل المسلم مثلاً بالزواج من امرأة أخرى في حال تبيّن ضعف خصوبة زوجته الأولى".


 


من العار والاكتئاب إلى الحَمل والإنجاب


تُعتبَر تجربة السيدة عبير س. إحدى التجارب المرّة والسعيدة في آنٍ واحد، فهي حملت عبر تلقيح الـIn-Vitro لكن بعد فترة كئيبة جدّاً من حياتها كما تخبر "النهار". إذ حاولت عبير بعد زواجها أن تحبل لتشكّل العائلة التي تحلم بها وزوجها، لكن الأمر لم يفلح، خصوصاً أنها عانت من إجهاضٍ لطفلها الأول في شهرها الثالث.


"كانت المرة الوحيدة التي أحبل فيها بالطريقة الطبيعية، وذلك بعد 10 أشهر على زواجي. لكن بعد أن علمتُ بإجهاضي حزنتُ كثيراً، ودفعني الأمر للمحاولة مجدداً بما أني كنتُ بدأت أشكّل هويتي كأم"، تقول عبير لـ"النهار". لكن المحاولة لم تفلح، فعبير البالغة من العمر 31 عاماً عند إجهاضها طفلَها، دخلَت في مرحلة من الاكتئاب والوِحدة، اشتدت حدّتها بعد فترة "عندما شعرتُ أني لن أتمكن من الحمل أبداً" على حدّ قولها.


فبعد أن تأكدَت عبير من الأمر عند زيارتها الطبيب، "شعرتُ بالخجل وبالضعف وبأن لا نفع من حياتي ومن زواجي، وخجلتُ من زوجي ومن أقربائنا"، توضح عبير، وتُخبر أن "الاكتئاب كان يزداد كلما جرّبتُ اختبارَ حمل وتأتي النتيجة سلبية، فأشعر بالوحدة وبالغُربة وبالعار"، وتضيف أنها شعرت بالغيرة من جاراتها الحوامل وأطفالهن ومن نسيباتها اللواتي أصبحن أمهات أيضاً.


زوجُ عبير كان مُحِبّاً وداعماً لها، "ولم يبتعد عنّي أو يشك في قدرتي على الحَمل"، تقول عبير متأثّرةً، وترى أنه "لولا دعمه لما تمكنت من الحمل وتشكيل العائلة اليوم، فهو من اقترح أن نجرّب تلقيح الـIn-Vitro، بما أننا لم نتمكن من الحَمل وبما أني اقتربتُ من عمر الـ33".


تقول عبير إنها لم تتأمل خيراً ولكنها قامت بالأمر من أجله: "كانت قد جرّبَت صديقةٌ لي هذه الطريقة ولم تنجح، لكن جاءت المفاجأة أن عمليتنا في التلقيح نجحت، وبعد فترة استمرّ حَملي ولم أُجهِض، وكنتُ سعيدة جدّاً ولم أصدّق ما يحصل"، فرُزِقَت وزوجُها بطفلها الأول في 18 تشرين الأول 2012. ثم استعانت بالـIn-Vitro للمرة الثانية ورُزِقَت وزوجها بطفلَين توأم، يبلغان من العمر أربعة أشهر بعد ولادتهما في 7 أيار الماضي.


وتدعو عبير عبر "النهار" الثنائي "ألا يستسلم ويدع الاكتئاب والشعور بالفشل يهيمنان عليه" من غير أن تنفي أن تأخُّر سن الزواج في لبنان يرفع من نسبة عدم الحمل.


 


 clauda.tanios@annahar.com.lb / Twitter: @claudatanios