العرب وأنظمتهم يؤمنون بـ"التفكير الأمنياتي"!

يسيطر على الشعوب العربية وعلى الأنظمة التي تحكمها "التفكير الأمنياتي". وفي ذلك يتوافق الاثنان، رغم اختلافهما الى درجة العداء. وتترجم الشعوب عداءها بتظاهرات سلمية أو ثورة مسلَّحة أو إرهاب، أو الى الدين كما يحصل حالياً. كما تُترجم الأنظمة العداء نفسه بالتضييق والاعتقال التعسفي ثم بالقمع البوليسي، وأخيراً بالقمع العسكري. وطبيعي أن تتبع ذلك حروب أهلية ذات دوافع متنوعة، أهمها الآن اثنان الديني والمذهبي. ويعني "التفكير" المذكور أن الشعوب والأنظمة تقتنع أحياناً بأن انتصارها أو خروجها من أزماتها لا يتحقَّق إلا بوسائل قد يكون أبرزها التدخل الخارجي. وانطلاقاً من ذلك تصبح مؤمنة بأن هذا التدخل سيحصل من دون أن يكون لديها تأكيد لحصوله سواء من خلال محادثات رسمية بين الشعوب الثائرة والدول التي تدعمها أو بين الأنظمة والدول الداعمة لها. حتى إن التمنيات تشمل الأعداء أيضاً وخصوصاً عندما تراهن الشعوب أو الأنظمة في مراحل صعبة على تدخُّل دول معادية لمساعدتها أو لحمايتها انطلاقاً من مقولة "عدو عدوّي صديقي". وهذه حال سوريا الأسد اليوم مع الولايات المتحدة. ولعل آخر إثبات على التعلّق العربي شعوباً وأنظمة بـ"التفكير الأمنياتي"، وهو لن يكون الأخير قطعاً، حوار جرى مساء الثلثاء الماضي على محطة تلفزيونية محلّية بين محاور لبناني وسفير روسيا الاتحادية ألكسندر زاسبكين تدخَّل فيه لوقت قصير سفير سوريا الأسد في لبنان علي عبد الكريم علي. إذ قال المحاور لزاسبكين إن أميركا تُغير بطائراتها الحربية على "داعش" في العراق، فلماذا لا تقوم روسيا بالإغارات نفسها على "داعش" في سوريا متذرِّعة بأن هدفها وأميركا مشترك في هذه الحال، ومستنِدة الى قرار مجلس الأمن الأخير 2170 (علماً أنه يتحدث عن تجفيف منابع تمويل "داعش" والإرهاب ولا يأتي على ذكر أي عمل عسكري مباشرة أو مداورة). وكان جواب السفير الروسي واضحاً إلى درجة أربكت المحاور، وأظهرت لاحقاً عدم ارتياح ظاهر عند السفير السوري في أثناء مداخلته. وجوهره كان تساؤلاً عن مصلحة روسيا من إغارة أحد طياريها على فريق داخل سوريا البعيدة وإن ارهابياً. وكان ذلك رفضاً مباشراً لأي تدخل عسكري من بلاده إلا إذا كان "تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس الأمن، وأيضاً إلا إذا كان تنفيذه سيتم من خلال ائتلاف دولي - إقليمي".
طبعاً لا يرمي إعطاء "العلاقة السورية – الروسية" مثلاً على "التفكير الأمنياتي" لنظام الرئيس الأسد الى التهجم عليه. ذلك أن أخصامه، بل أعداءه من الشعوب والأنظمة العربية الأخرى، لا يقلّون عنه اقتناعاً بل ايماناً بـ"التفكير" المذكور وبممارسته. لكنه يرمي، وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة، الى نصح الجميع باعتماد العقل والحكمة، وإلى إقناعهم بأن لا أحلاف بين الدول الكبرى والعظمى والدول الصغرى وحتى مع الدول الإقليمية ذات الوزن ديموغرافياً أو ثرواتياً أو عسكرياً. فالموجود عند الكبار في العالم هو المصلحة التي لا تتغيّر في حين أن التحالفات قد تتغيّر من أجل المحافظة عليها. كما لا يرمي الكلام نفسه إلى النّيْل من روسيا. فهي قدَّمت الكثير من المساعدات لسوريا الأسد، وكانت مع ايران وحليفها اللبناني "حزب الله" السبب الوحيد "لصمودها" حتى الآن. لكنها قد لا تستطيع المشاركة في حربها عسكرياً لأنها متورطة الآن في نزاع مع أوكرانيا المجاورة لها وبسببها مع الاتحاد الأوروبي وأميركا. وحِمْل الأخيرَين ثقيل باعترافها. الى ذلك تفيد معلومات واردة من واشنطن أن روسيا بدأت تصبح معزولة بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم ودعمها الانفصاليين الروس في أوكرانيا. ورئيسها بوتين يعرف ذلك. لكنه لن يغيِّر سياسته، على الأقل الآن، لأن "اليمين القومي الروسي" المؤيد له ضاغط عليه للاستمرار فيها. والوضع قد يصبح أسوأ في تلك المنطقة. وتفيد أيضاً أن أميركا قد تُغيّر، أو تعدّل، قوانينها المتعلِّقة ببيع النفط والغاز وشرائهما وذلك لجعل حلفائها الأوروبيين أقل اعتماداً على روسيا في هذا المجال. وحصول ذلك إذا تم لن يريح روسيا علماً أن حصوله بنجاح قد لا يكون سهلاً. وتفيد ثالثاً، أن سياسة بوتين زعزعت استقرار المنطقة (شرق أوروبا)، لكنها زعزعت في الوقت نفسه اقتصاد بلاده، اذ انخفضت الاستثمارات والبعض يقول إنها قد تقترب من الجفاف. وتفيد رابعاً، وأخيراً أن استمرار شهية روسيا لضمّ أراضٍ من الدول المجاورة لها سيُقلق دول البلطيق، وسيدفع دولاً مثل السويد وفنلندا إلى طلب الانضمام الى حلف شمال الأطلسي. وتُنهي المعلومات بالإشارة إلى أن أحداً لن يتقدم لمساعدة بوتين على التخلص من مأزقه قبل أن يُحسِّن سياسته وطرقه تماماً مثلما يحصل في منطقة الشرق الأوسط.


sarkis.naoum@annahar.com.lb