إنه جسدك فلماذا تسألينه عن رأيه؟

هل أخذ آدم في عين الاعتبار جسد حوّاء عندما وقع أسيراً في شباكها؟ جسد المرأة ورغبة الرجل إشكاليّة ما زالت تتخبّط الآراء حولها! فتيات العصر مهووسات بأجسادهنّ، ولكن ليس لإرضاء ذاتهنّ، بل لإشباع رغبات الشريك وإثارته. فتسعى البدينة إلى اتباع الحميات الغذائية وإلى الخضوع للعمليات الجراحية لخسارة الوزن، فيما تعمد النحيلات لممارسة الرياضة لشدّ أجسادهن وجعلهن أكثر إثارة. ولكن هل يلاقي هذا المجهود أيّ ترحيب من الرجال؟ هل تمّ جزم الأمر وتحديد نوع الجسد الذي يفضّله الرجل؟ ما هو الجسد المثالي؟



تضارب الدراسات:
أثبتت دراسة حديثة لجامعة تكساس الأميركيّة أنّ الرجال يفضلون النحيلات. وللتوصّل إلى هذه النتيجة، عمد الباحثون إلى دراسة ثقافات الشعوب بدءاً بالبريطانيين في القرن السادس عشر، السابع عشر والثامن عشر، مروراً بالهنود في القرن الأوّل وكتابات الصينيين في القرن الرابع. وقد تجنّبوا دراسة وضع الرجال في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم مؤخّراً، بسبب تأثير العولمة والثقافات الغربية على الرأي العام، فتصبح القيم والرغبات مشتركة في الإنسانية. وقد استنتج الباحثون أنّ الرجال يجمعون على أنّ الجسد النحيل هو المعيار المفضل لديهم في الجمال الأنثوي. وينوّه الباحثون أنّ نفرتيتي مفضّلة رعمسيس الثاني، كانت تتلقّى تعليقات متعلّقة في جمال جسدها النحيل.
قد تكون الدراسة المذكورة أعلاها استثنائيّة من نوعها، لأنّ أغلبية الرجال في العالم يفضّلون المرأة الممتلِئة، يعتبرون أنّ جسدها الملآن دليل على صحة المرأة الجيّدة وعلى خصوبتها. أمّا في اللاوعي، يعتبر الرجال أنّ هذا النوع من النساء نشط جنسيّاً، والسبب يكمن في الدهون المتركزة في أجسادهنّ والتي تتحوّل أثناء العلاقة الجنسية إلى هورموني الأندروجين والأستروجين اللذين يحتويان على هورمون التيستوستيرون الذي يزيد من الرغبة الجنسية. نعم، الرجال يفضلون الجسد الملآن وليس البدين وذلك لأنّ منحنيات الجسد تلفت أنظارهم: فمنحنيات الثدي والمؤخرة بارزة أكثر لدى النساء الممتلئات من النساء النحيلات، ما يدفع بالرجال إلى التخيّل الإيروتيكي. فتعتبر هذه الأجساد الممتلئة بحسب دراسة لجامعة تاكساس الاميركيّة، بمثابة مخدّر لعقل الرجل، يجعله يشعر بالمتعة تماماً كتأثير الكحول والمخدّر عليه فيصبح مدمناً على هذا النوع من الأجساد. كما وأثبتت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا أنّ النساء الممتلئات أكثر ذكاء من النساء النحيلات وذلك لأنّ الدهون المتواجدة في وركيها وفخذيها تحتوي على الـ oméga 3 التي تساعد الدماغ على أن يكون اكثر نشاطاً وحيويّة، ما يمكنها، تالياً، وللأسباب نفسها من إنجاب اولاد أذكياء.



إلاّ أن جميع الوسائل الإعلاميّة اليوم، تجعل من المرأة النحيلة رمزاً للجمال ونموذجاً للجسد المثالي ما قد يؤثّر بطريقة أو بأخرى في نظرة الرجل للمرأة ونظرة المرأة البدينة لنفسها، فتواجه صعوبات في تقبّل جسدها، ما قد يسبب لها بعض العقد النفسية. ولكن ما الذي يثير الرجل فعلاً في الفراش؟ أليس من الضروري أن يكون الجسد الذي يمارس الجنس معه حيّاً ونابضاً، تسيطر عليه المرأة فتجعله بشخصيتها أكثر إثارة؟ أشكل الجسد فعلاً يهمّ الرجل أم الحب والرغبة يجعلانه يتقبّل الجسد الذي يقف أمامه حتّى ولو كان شكله يتعارض مع الصورة الإعلامية المثالية للجسد ومع الصورة المثالية للجسد التي كان قد رسمها لنفسه في خياله؟



في حديث مع "النّهار"، يوضح اختصاصي الأمراض الجنسية والنفسية بيارو كرم، أن ليس هناك من جسم مثالي لدى الرجل إنّما المسألة، مسألة غريزة، ثقافة، مجتمع وعصر!
فغريزة الرجل تجعله يبحث عن جسم المرأة الذي يتمكن من الإنجاب والرضاعة منها، فيكون حوض المرأة كبيراً وواسعاً وصدرها مكتنزاً. كما ويختلف الأمر من مجتمع إلى آخر، فالمجتمع يمثّل اللاوعي الجماعي: في أفريقيا، مثلاً، تعتبر المرأة النحيفة مريضة، فيما تعتبر المرأة المكتنزة في الغرب بدينة. فكردّة فعل على الموضى في البلدان الغربية التي تشجع على النحافة، ارتفعت نسبة البدانة لديهم. أمّا بالنسبة إلى الثقافة، فهي تختلف من قارة إلى أخرى، إلاّ أنّ السيطرة الإعلامية في الغرب التي تفضّل الجسم النحيف وتظهره بصورة مثالية، تدفع بالمرأة إلى أن يصبح جسدها نحيفاً. المرأة في حالة بحث دائم عن الجسم المثالي الذي لن تجده ولن تحصل عليه! والوضع يختلف باختلاف العصور، ففي عصر النهضة، مثلاً، كانت المرأة المكتنزة هي المفضلّة لدى الرجال وكان ذلك يتجلّى من خلال رسومات الفنان روبانز الذي كان يظهر جمال جسد المرأة الممتلئ وبشرتها من خلال الألوان. أمّا في الستينات، عمدت الحركة النسوية إلى الثورة على أنوثة المرأة ومظهرها باعتبار أنّ المرأة ليست كائناً للجنس. وفي المجتمعات الحالية أصبح هناك رفض للجسد الأنوريكسي باعتباره اضطراباً صحياً من منظمة الصحة العالمية.
وليس هناك من قواعد للجسم المثالي في خيال الرجل الإيروتيكي، إذ عند التخيّل، يدخل الرجل في عالم غير واقعي لا معايير فيه. واختيار الرجل لشريكته مرتبط بوالدته "إذا طلع منها أو لأ" بحسب كرم، فيختار امرأة تشبهها. إذاً، اختيار الشريكة مرتبط بغريزة الرجل، الثقافة، العصر والوالدة. ولكن المشكلة تكمن في التماهي عند المرأة، عندما ترفض نفسها والشكل الذي هي عليه. المثالي في ذلك هو أن تكون المرأة مقتنعة في نفسها، متصالحة مع جسدها. فالمرأة غير المتصالحة مع نفسها في صراع مستمرّ مع ذاتها ومع الأنا المثالية فلا تكون راضية. يختم كرم قائلاً "إن هذا هو حال مراهقة في السابعة عشرة من العمر التي عندما تنظر إلى النجمة Lady Gaga، تشعر أنّها أقلّ منها جمالاً".



وفي الختام، نصيحة إلى نساء العالم: الإثارة تنبع من شخصيتك، من ثقتك بنفسك، من ذكائك وقوّتك. تصالحي مع نفسك وتقبّلي جمالك وجسدك "الطبيعي"، لأنّ هذا ما يجعلك أكثر جمالاً، أكثر أناقة وأكثر إثارة في أعين الرجال.