مشاهدات زائر بتونس الخضراء

فرحان صالح

تحية الى ناجية الوريمي وعلالة القنوني وسنية مدوري وجلال خشاب


لم يبهت اللون الأخضر في تونس، بل هو يضج في كل مكان، ولا سيما في نفوس الشباب. فعلى هامش مؤتمر "المسرح والتراث"، الذي دعت اليه "جمعية الربيع العربي" في مدينة بوسالم (تبعد حوالى 150 كلم عن العاصمة تونس)، لم يكتف المشاركون الخمسون في المؤتمر من شعراء وروائيين ومفكرين وفنانين، القادمين من دول عربية مختلفة، بما كان يدور في المؤتمر فحسب، بل بدت لديهم اهتمامات كثيرة لمعرفة كيف هي حال تونس اليوم؟
شاهدنا ونحن ننتقل من العاصمة تونس الى بوسالم في عمق الريف التونسي، عشرات البحيرات التي يتجاوز بعضها الكيلومترات، وهي من انجازات الشعب التونسي العظيم، الذي أنجز تلك السدود لتخزين ثرواته المائية، على جغرافية تونس البالغة 170 ألف كلم.
لم تكن المفاجأة في ما شاهدناه من بحيرات فقط، بل من مساحات واسعة ومترامية من الاراضي المزروعة قمحاً، إضافة الى شتى انواع الحبوب من البقول وغيرها. كما يشاهد الزائر محافظة المواطن التونسي على النظام العمراني الذي هو من إبداع العقل التقليدي الفاعل المحافظ على كل ما هو جميل، بل على استمرار تلك العقلية الدينامية لهذا الشعب الجميل والرائع والهادئ، الذي يستمع للآخر من موقع الواثق من نفسه.
المرأة التونسية من الجيل الجديد، تشارك بفاعلية مع النصف الآخر في رسم صورة الهوية التونسية الجديدة، وبالتالي المستقبل الجديد، هذا ما قالته الشاعرة المبدعة "سنية مدوري". فالمرأة ليست عالة على المجتمع، بل هي في الموقع المميز في نضالاتها، خصوصاً في اتحادات النقابات العمالية، وفي الجامعات، وغيرها من مؤسسات مجتمعية تونسية. إنها الشريك الفاعل الى جانب أخيها، في كل ما تشهده تونس من حراك. هذا ما أسس له جيل المفكر الطاهر الحداد في النصف الاول من القرن العشرين. فالشباب والشابات في تونس لم يكن اهتمامهم منحصراً بالأوضاع الداخلية لبلدهم، بل هم معنيون بما يحصل في كل الاقطار العربية، خصوصاً في فلسطين التي نرى أنها تلامس عقل وقلب كل من تلتقيه هناك.
تونس التي تستحضر اليوم الوطنية التي أرساها الحبيب بورقيبة، برغم ما شابها من ملاحظات، كما يرى متابعون لهذا المسار التاريخي، هي الحاضرة في الخطاب القومي الذي أرسته مدرسة جمال عبد الناصر القومية. هذا الوجه الوطني يلاقيه من زاوية أخرى ما يكمله قومياً. في لقاءات مع النخب المثقفة هناك، خصوصاً المعمرين منهم، تشعر بحرارة ذكرياتهم التي يرغبون في تجسيدها في واقعهم برغم متغيرات الامكنة والازمنة والقيم والعلاقات الدولية.
تونس التي يحمل شعبها الحب والخير لغيره من العرب، ويحلم بمغرب عربي تتحد فيه احلام شعوبه، متضامنة ومتعاونة في استغلال الخيرات التي تحتضنها البواطن الجغرافية والبيئية في البلدان المغاربية. تلك الخيرات التي تصب، ليس في مصالح الشعوب هناك، بل التي تأخرت الشعوب في قطف ثمار ما هو لها.
إنها تونس الخضراء التي تحلم اجيالها بالتعاون بين البلدان العربية، وصولاً لتحقيق الحلم، هي اجيال تونس التي ترغب في احتضان البلدان العربية مئات الآلاف من العلماء العرب المنفيين الذين يشكلون حيث هم، الرافعة الاساسية لتطور البلدان الغربية، تلك البلدان التي توظفهم لبقاء هذا البون الشاسع بين ما هو عليه الغرب وبين ما هو عليه واقع البلدان العربية. فمصالح الغرب تمنع أية مقاربات عربية اتحادية، وتوظف هؤلاء العلماء لإبقاء العرب ضعفاء وأميين وفقراء، ومن دون عقلهم العلمي الواعي.
تونس المستقبل تستدعي احلام أبو القاسم الشابي والطاهر الحداد والمفكر هشام جعيط، وإن كانت لن تنسى المفكرين فرانز فانون، ومالك بن نبي، ومحمد أركون، وعبد القادر جغلول، ومحمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، وغيرهم... هؤلاء الحاضرون حضور الاحلام التي تتحقق وإن ببطء في هذا العصر.