هل تنتهي حرب تموز في غزة كما انتهت حرب تموز في لبنان؟

اميل خوري

بات واضحاً لكثير من المراقبين أن إسرائيل يهمها تحقيق أمن ثابت ودائم لحدودها قبل تحقيق السلام الشامل في المنطقة، وقد ذهبت منذ بدء المفاوضات معها إلى طرح معادلة "الأرض في مقابل الأمن وليس في مقابل السلام"، ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تجاريها ضمناً في ذلك، وتجعل بالتالي المفاوضات تطول وتدور في حلقات مفرغة لأن اسرائيل ترفض الانسحاب من الاراضي العربية والفلسطينية التي تشكل حزام أمان لها، حتى إن زعماء عرباً وصلوا إلى حد القبول بانسحاب اسرائيل الى الحدود التي تعتبرها آمنة إنجاحاً للمفاوضات وإنهاء للخلاف الذي لا يزال قائما حتى الآن حول حدود الانسحاب.


الواقع أن هاجس اسرائيل كان دائماً أمن حدودها، حتى إن البحث الجدي في إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الاسرائيلية جعل اسرائيل تشترط أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح كي تطمئن إلى أمنها وليس بترسيم حدود آمنة لدول اسرائيل فقط بل لمنع تسليح اي دولة في المنطقة بما يفوق قوة اسلحتها.
وقد عبّر عن هذا الموقف بوضوح وصراحة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في احد خطبه بقوله: "نوافق على إقامة دولة فلسطينية شرط أن تكون منزوعة السلاح، ووضع ترتيبات لضمان عدم تهريب أسلحة إلى هذه الدولة، وأن يعترف الجانب الفلسطيني باسرائيل دولة يهودية، وان تكون القدس عاصمة لها، وأن تحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج دولة اسرائيل". هذه الشروط وغيرها كانت كافية لجعل المفاوضات الطويلة والمزمنة تدور في حلقة مفرغة وتستمر اسرائيل في بناء المستوطنات التي ترسم حدودها النهائية. لذلك، فإن أمن اسرائيل يجب أن يتحقق قبل أن يتحقق السلام الشامل في المنطقة، وعليه استطاعت التخلص من قوة سلاح الجيش العراقي بإشاعة امتلاكه سلاح الدمار الشامل فتلقى ضربة عسكرية أميركية أطاحت حكم صدام حسين وحل مكانه حكم الفوضى والاقتتال الداخلي والعنف المذهبي بحيث بات يخشى الا تقوم للعراق بعده قيامة، فارتاحت اسرائيل من دولة العراق المهددة لأمنها بعدما ارتاحت الى أمنها مع مصر والاردن بعقد اتفاق سلام مع كل منهما، حتى وإن ظل سلاماً بارداً، كما ارتاحت إلى أمنها مع سوريا بعقد اتفاق فك الاشتباك في الجولان والتزامه التزاماً تاماً بعدم خرقه.
ولم يبق ما يشغل بال اسرائيل على أمنها سوى الجنوب اللبناني الذي تنطلق منه عمليات المقاومة بقيادة "حزب الله"، فكان لا بد من وقف هذه العمليات وقد تم ذلك في حرب تموز عام 2006 بصدور القرار 1701 الذي نفّذ منه نشر مزيد من القوات الدولية في المنطقة الى جانب الجيش اللبناني ووقف العمليات العسكرية بين اسرائيل و"حزب الله"، وقد التزم الطرفان ذلك منذ صدور هذا القرار وباتت جبهة الجنوب مع اسرائيل هادئة، كما كانت هادئة في ظل الوصاية السورية على لبنان بعد إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان الى تونس.
واستكمالاً لحلقة تحقيق أمن اسرائيل أولا تراجعت الولايات المتحدة الاميركية عن الضربة العسكرية التي هددت بها سوريا مقابل تدمير السلاح الكيميائي السوري، وقد تم حتى الآن تدمير معظم هذا السلاح، وتنتظر اسرائيل كي تطمئن إلى أمنها الدائم والثابت نجاح المفاوضات الاميركية الايرانية حول سلاح ايران النووي.
واذا كانت حرب تموز 2006 انتهت بصدور القرار 1701 الذي أوقف العمليات العسكرية بين اسرائيل و"حزب الله" حتى وإن لم يتم الانسحاب من بقية الاراضي اللبنانية المحتلة، ولا تم وقف تهريب السلاح الى الحزب كما نص القرار عبر الحدود اللبنانية مع سوريا، فإن حرب تموز في غزة قد لا تتوقف الا اذا تم التوصل الى اتفاق على هدنة او تهدئة مع حركة "حماس" كتلك التي تحققت مع "حزب الله" في لبنان عام 2006، فهل يتم التوصل الى ذلك أم إن الشروط المتبادلة قد تطيل أمد هذه الحرب الى ان يوضع حد نهائي لها باتفاق شامل، لا أن تظل سجالاً من حين إلى آخر بين اسرائيل وكل حركة من الحركات الجهادية ما دامت القضية الفلسطينية من دون حل عادل، ولا تحلّها حروب صغيرة تقع كل فترة، ويدفع الشعب الفلسطيني ثمنها غالياً بالارواح والممتلكات ليحصل على هدنة مفتوحة على كل الاحتمالات...
لقد حاولت اسرائيل القضاء على سلاح "حزب الله" في حرب تموز ولاسيما على الصواريخ، لكنها لم تنجح إنما نجحت في تحقيق هدنة دائمة الى حين تحل مشكلة استمرار احتلال اسرائيل لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر إما باتفاق ثنائي او بتحقيق سلام شامل في المنطقة. وتحاول اسرائيل في حرب غزة القضاء على صواريخ حركة "حماس" وعلى الانفاق المعدة لتهريبها قبل التوصل الى هدنة دائمة كي يكون للحرب عندئذ مردود يساوي ثمن القتلى والجرحى الذين سقطوا فيها.
والسؤال المطروح هو: هل تنتهي حرب تموز في غزة 2014 الى ما انتهت اليه حرب تموز في لبنان 2006، اي الى هدنة تبقي الابواب مفتوحة على كل الاحتمالات، ام الى حل يجعل الامن ثابتاً ودائماً مع اسرائيل في انتظار الحل الشامل للقضية الفلسطينية؟