الإحتفال بأول صوم من السعودية إلى باكستان

زياد سامي عيتاني*

في السعودية تتضاعف الفرحة


في السعودية - كما في معظم الدول الخليجيَّة - اجتماع الأُسر الكبيرة على مائدة واحدة، هو أهم ما يُميِّز شهر رمضان، فهو من الاشهر التي تجمع الكبار والصغار في فرحة تتناسَب مع أجواء الشهر الكريم، وتتضاعف هذه الفرحة عندما يتشارك الكبار والصغار صومَ أيام الشهر المبارك، وتَحرص كلُّ أمٍّ على تدريب أطفالها على صوم أيام هذا الشهر الكريم، من خلال تعويدهم تدريجيًّا على الصيام، وترغيبهم فيه؛ حتى يستطيعوا صوم الشهر كاملاً عندما يبلغون سنَّ التكليف.


وفي الشام "فطورية" فرحة بالصغار:


أما في بلاد الشام، فالطفل يتعوَّد على الصيام تدريجيًّا على طريقة "درجات المئذنة"، كما لو كان يصعد "المئذنة" درجة درجةً، وعندما يتمكَّن الطفل من صيام يومٍ كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه "فطورية"، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له احتفالٌ صغيرٌ.


وفي الجزائر الأولاد أُمراء:


ويَختلف احتفال الجزائريين بصيام أطفالهم للمرة الاولى؛ حيث يتحول الأولاد "أمراء" يأمرون، وما على الوالدين سوى تنفيذ رغباتهم وعادة الجزائريين عمومًا عندما يبدأ الطفل الصوم، أن تُعطى له عند أوَّل إفطار جرعة ماء مخلوطة بماء الزهر، وبعدها تُعطى له حبَّة تمرٍ واحدة، ولا يتمُّ إجبار الطفل على تناول وجبة معيَّنة، بل يُترك له الاختيار، فيتحوَّل إلى "ملك" حول المائدة، يأمر فيُطيع الوالدان أمرَه.
وهناك من العائلات الجزائريَّة الميسورة مَن تَلجأ إلى تصوير أوَّل يوم من الصيام قبل وبعد الإفطار، ويتم التركيز على مشاهد التعب البادية على الطفل الصائم، وعلى مشاهد الفرح بعد فطره وذَهابه إلى المسجد، ويسألونه عن شعوره وهو صائم، وفي منطقة القبائل تُقدَّم للأطفال الصائمين حلوى تسمى "أطمين"، وهي عبارة عن أكلة تُصنع من زيت الزيتون والسكر والطحين، أمَّا في ولاية "سطيف" مثلاً، فيُعطى الطفل خاتمٌاً من الذهب أو الفضة، يوضع داخل كوب من الماء الممزوج بالسكر، وفي غرب البلاد تَشتري العائلات لباسًا تقليديًّا لأطفالها الصائمين ابتهاجًا بهم. أمَّا في ولاية البليدة بالجزائر، فتقوم الطفلة التي تستعد للصوم بجولة في السوق برُفقة والديها، تشتري خلالها لوازم الصوم، وكأنها عروس ستُزَف، وتُفرغ حلوى وفول سوداني، ومكسّرات على رأسها، وتوضَع تحت قدميها وسادة كنوع من الدلال الملكي، وبعد الإفطار يتمُّ إجلاسها بين النسوة بعدما تُغيِّر ملابسها.


في المغرب الصائمون الجُدد محظوظون:


من العادات التي اشتَهر بها المغاربة في شهر رمضان عادة الاحتفال بالصوم الأوَّل للأطفال في يوم من أيام رمضان، ولا سيَّما في السابع والعشرين منه.
احتفال خاص بالفتاة:
خلال هذا اليوم التاريخي للطفلة المغربيَّة، فإنها تَزداد دلالاً من قِبَل والديها اللذين يَسعيان لإرضائها بوسائل شتَّى، ومن شأن هذا أن يُحبِّب لها التجربة.
بعد تناوُل الفتاة الإفطارَ، تدخل بمعيَّة أُسرتها وصديقاتها لحظات احتفاليَّة تبدأ بالتنكاف(التزيين)، وهو من الطقوس الأساسية التي تخصُّ البنت التي تصوم أوَّل مرَّة؛ حيث يتمُّ تزيينها بالشكل الذي تُزَيَّن به العروس ليلة زفافها، والجميل في الأمر أنَّ هذا التزيين امتزجَت فيه كلُّ الإكسسوارات الأمازيغيَّة واللباس الأندلسي، والإفريقي والعربي بوضع تاجٍ على رأسها، وتَلبس عقد من العقيق، وقُرط يسمَّى: "النصاص"، وهو نوعٌ مغربي أصيل من الأقراط، مع رسم نقوش الحناء على يديها، وتتجمَّع حولها الأُسرة بعد إعدادها لأطباق مغربيَّة تقليدية خاصة، تُحضَّر عادة في رمضان، وتشمل الشباكية أو المخرقة والسفوف؛ ليشارك في هذا الاحتفال صديقات للطفلة الصائمة وبعض من نساء الحي.
وللذكور ملابس تقليدية:


أما الطفل المغربي، فله طقوس تخصُّه وتُمَيِّزه عن البنت، فعندما تعتزم الأسرة المغربيَّة إدخال طفلها تجربة الصوم، وإشراكه الكبارَ فرحةَ رمضان، فإنها تعمد إلى تشجيعه والتنويه بانتصاره على شهوة البطن، وتَقرُّبه لله تعالى بإمساكه عن الطعام، وذلك بإهدائه الهدايا التي عادة ما تكون من اللباس المغربي: الجلباب، السلهام، البلغة، جبدور، وسروال فضفاض، سمس وسروال قندريسي، وأخيرًا الطربوش، وعادة ما يكون أحمرَ داكنًا.
في باكستان زفاف: أما في باكستان، فيُزَف الطفل الذي يصوم للمرة الاولى كأنه عريس.


في الهند ملابس جديدة وعقود من الورود: أما في الهند ففرحة الطفل تأتي ببلوغه سنَّ الصيام وهو السادسة، وفي ذلك اليوم تُقيم له الأسرة احتفالاً رائعًا، يُدعى إليه الأقارب والأصدقاء، ويرتدي خلاله الملابس الجديدة، ويُعبر جميع الحاضرين عن فرحتهم لتلك العادة الجميلة وهي الصوم؛ حيث يضعون عقود الورود على رأس الطفل وحول رَقَبته، ويُقَدِّم له كلُّ أفراد العائلة هدايا، ويستوي في تلك الاحتفاليَّة الغنيُّ والفقير.


في السودان أدوات خاصَّة للصغار: يبدأ الأولاد في السودان الصيامَ في عُمر مُتأخِّر نسبيًّا بسبب المشقَّة التي يجدها الصائم؛ لحرارة الجو، وعدم توافر وسائل التكييف، ويتَّبع الأهل مع الأولاد وسائلَ للتشجيع؛ منها: شراء أدوات طعام خاصة بهم؛ من إبريق، وأكواب، وصحون، وما إلى ذلك، بأحجام صغيرة؛ ليتناولوا فيها طعام الإفطار.


في العراق :


في العراق يسمون هذه الطريقة في الصوم «صوم الغزلان» كما تقول أم شهد، وتضيف: «تستخدم هذه الطريقة مع الأولاد قبل سن المدرسة الذين يرغبون في الصيام، حيث يقول لهم الأهل صوموا ولكن عند الظهر ستأتي الغزالة ومعها طعام لكم ولا بد أن تأكلوا». وتعتقد أم شهد أن السبب الذي من أجله تمت تسمية هذا الصيام بهذا الاسم أن الغزال حيوان لطيف ومحبوب من قبل الأولاد.
إذاً، للأولاد تقاليدهم الإجتماعية البريئة التي تعبّر عن إنسجامهم وتفاعلهم العفوي مع شهر رمضان ومعايشتهم له على طريقتهم ، حتى أصبحوا جزءاً من التراث الرمضاني الشعبي الذي يضفي أجواء من الفرحة والبهجة على الصائمين طيلة ثلاثين يوماً حتى يطل عيد الفطر السعيد الذي خلال أيامه يعبّرون عن ذروة سعادتهم ويعطوه نكهة خاصة .


• إعلامي وباحث في التراث الشعبي