"ورطة" الجنس في دراما رمضان

الجنس من فعل الحياة، فإن غاب عن مسلسل بدا الغياب مفتعلاً. ثمة فارق ما بين تصويره طبيعياً غايته إضفاء الواقعية، وتصويره مُضخَّماً غايته لفت النظر. نحن لم نعتد كون الحميمية واقعاً أمام الكاميرا، إذ يجري تعتيمها إذعاناً للموروث. نتابع اليوم محاولات لتخطّي كون العلاقة بين الثنائي فعلاً مكروهاً. لم يقوَ المخرجون بعد على دفع المشهد نحو عفويته. إنّ ما يُصوَّر في الغالب ينقلب على غايته الى ضدّها. كان علينا أن نصدّق قصي خولي وهو يستحمّ مع غادة عادل في مشهد حميمي في "سرايا عابدين"، من دون أن نرجّح ميل المشهد نحو الظهور المفتعَل.


ذلك لأنّ المشهد لا يوحي بفهم عميق لما يريده المتابع من الحميمية. يظنّ "سرايا عابدين" ("أم بي سي") أنّ تصوير الخديوي فحلاً تحرّكه الشهوانية، كسبٌ جماهيري بصرف النظر عن كون الحميمية موثّقة تاريخياً. يغالي العمل في الركون الى مغامرات بطله الجنسية على حساب صفته الحُكمية ودوره بقيادة البلاد. قد لا يجد المُشاهد لهذه المغالاة تبريراتها كونها تحضر مُفرَّغة من دعائمها، مكتفية بالصورة لا المُراد من إيحاءاتها، فيبدأ السخط على المشهدية في الوقت الذي تقابلها العين بالافتراس والتلذّذ.


تحضر الجنسية بأشكال تميل غالباً الى الإيحاء. في مسلسل "كلام على ورق" مثلاً ("أم بي سي"، "المستقبل"، "النهار") يحلّ الملهى الليلي مكان الفعل الجنسي الصريح، وتتحوّل المشهدية من العين الى التخيّل. من خلال الحوار ومسرح التطورات، يرسم المُشاهد مُجسَّماً واضحاً عن المُكوِّن الجنسي من غير أن يراه صراحة على الشاشة. المواربة المشهدية لا تنقذ العمل من تهمة تجاوزه "الحرمة الرمضانية"، إذ إنّ الخيال في هذه الحال أكثر فاعلية من الصورة المتأرجحة ما بين الحضّ على "العُهر" والخشية من وقعه.
لا تنحصر الجنسانية بمشاهدها الصريحة والموارِبة، إذ لها أيضاً حضور موضوعاتي. يحدث ذلك في مسلسل "اتهام" ("الجديد"، "النهار"، "أبو ظبي الأولى")، فتدور الحبكة حول إشكالية الدعارة من دون أن تضعها ضمن كادر. هنا، لا نرى الفعل في ذاته، بل تداعياته النفسية والاجتماعية، وإن ميّعها العمل بتمييلها نحو الحاجة الى الانتقام.


يذهب الفعل الجنسي في "السبع وصايا" مثلاً ("سي بي سي"، "أو أس ان") نحو اللفظ المباشر أكثر من ذهابه نحو مباشرة الفعل. يقارب العمل الجنس بكونه سبباً من أسباب الجريمة أو الظلم أو الغدر أو العذاب. ليس مراده الفعل الجنسي الصريح، بل ما يولّده فراغ النفوس من تداعيات على السلوك، كالشعور بالعجز عن معاشرة النساء، أو تودّد فتاة من أخرى داخل السجن لاستحالة تفريغ الرغبة في غير ظرف.
يصبح فقدان العذرية أو الإيحاء بجوّ من "لاشرعية" العلاقة، أخفّ وطأة من بيع السائل المنوي مقابل المال لتتمكن إحدى النساء من الحمل، كما مرّ في "السبع وصايا". هنا، يُستَفزّ المُشاهد انطلاقاً من خصوصيتين: الأولى دينية كون المعروض الجنسي يتزامن مع رمضان، والثانية اجتماعية كون الشاشات العربية لم تعتد "التطاول" على العادات. في الحالين، يجد المُشاهد نفسه متورّطاً في "الخرق" عبر المُشاهدة أولاً، والرفض أو عدم المبالاة لاحقاً.


fatima.abdallah@annahar.com.lb
Twitter: @abdallah_fatima