تعليق - يويو

فوزي يمّين


المعلّقون العرب على مباريات المونديال، على القنوات الرياضيّة Sports beiN، "الجزيرة" سابقاً، أصواتهم جدّ عالية. كأنّهم في الإذاعة، من دون أيّ مراعاة للصورة والصوت والمشاهد. يُطلقون الصيحات عند أدنى فرصة للتسجيل، بل يسجّلون قبل أن تدخل الكرة المرمى، هذا إن دخلت. تستفحل بهم الحماسة فتغطّي أصواتهم أصوات الجماهير. معقول مباريات في كرة القدم من دون جمهور؟
لا يكفي ذلك. يفرطون في الكلام. يثرثرون ولا يتعبون. ألا يأخذون نفَساً أم أنّهم يتنفّسون من مكان آخر؟ ألا يجفّ لعابهم في حلوقهم؟ ألا يشربون جرعة ماء بين وقت وآخر؟ على الأرجح، مَن يثرثر أكثر يتقاضى أكثر. لا يتوقّفون حتى حين يرتاح اللاعبون. فعند انتهاء الشوط الأوّل، يتبعون اللاعب إلى غرفة الملابس، وعند انتهاء المباراة يلحقون به إلى البيت ويتسلّلون إلى حمّامه الخاصّ.
الأنكى أنّهم يصرّون على إسماعك كلّ خبر عن اللاعب، ليس ما يتعلّق بحياته الرياضيّة فحسب، بل بحياته الشخصيّة أيضاً: في أيّ سنة وُلد، تعمّد، تزوّج، تطلّق، كم قياس حذائه وشورته وثيابه التحتيّة، ما نوع ديودورانه، شومبوانه، سيّارته، لونه المفضّل...!؟
ثمّ، وبينما يتحدّثون عن كرة القدم، تجدهم انتقلوا إلى شرح دروس نظريّة مسهبة في الحكمة والتاريخ والجغرافيا والسوسيولوجيا والأنتروبولوجيا... انتهاءً ببيت شعريّ للمتنبّي:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفهُ (المقصود اللاعب)/ والسيفُ والرّمحُ والقرطاسُ والقلمُ
عروبة، وعزّ، وأكل أرزّ، وهيصة، وبيصة، وفجّأة يدخل صلاح الدين إلى الملعب وتتحرّر القدس. ألله وأكبر!
لغة رياضيّة تنقلب فجأة عسكريّة: أمّ المعارك، ساحة الميدان، السدّ المنيع، إستبسال، إقتحام، حائط الدفاع، خروق على جهة اليمين، مقاومة على جهة اليسار، قذيفة قويّة، بعيدة المدى، صاروخ أرض- جوّ ...إلخ.
هكذا تعود نكبة الـ48، وثورة الـ58، ونكسة الـ67، وحرب تشرين الـ73، وحرب الـ75، 85... يويو... 95 يويو...!