مشهد "الديموقراطية" السورية يتكرّر اليوم لدعم إضافي للأسد \r\nاللبنانيون يضيّعون رئاستهم والنازحون ينتخبون رئيسهم!

فيما ضيّع اللبنانيون بالوكالة التي منحوها لنواب أمتهم، فرصة احترام المهل الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ففوتوا الاستحقاق الأهم الذي يعني رأس الدولة، اختنقت شرايين البلاد التي تؤدي إلى مقر السفارة السورية في اليرزة، من أجل فتح الطرق أمام السوريين النازحين إلى لبنان أو العاملين فيه لما وصف بأنه "ممارسة لحقهم الدستوري في المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية السورية".


غرق اللبنانيون يوم أمس في أزمة السير الخانقة، وتعطلت معظم المصالح الرسمية والخاصة للمواطنين، بسبب التدابير الامنية التي اتخذها الجيش من أجل تأمين سلامة وصول الناخبين السوريين الى مقر سفارتهم، وذلك في خطوة تمهيدية للسوريين خارج سوريا تسبق موعد الانتخابات في 3 حزيران المقبل، وسط أجواء عارمة من الاستياء في الاوساط اللبنانية التي تعاملت مع الحدث من خلفيات متفاوتة. لكن العملية، وبقطع النظر عن الدوافع التي أملتها من الجانب السوري بدعم من قوى سياسية محلية في مقدمها "حزب الله"الذي يقاتل الى جانب نظام الاسد في سوريا، تنتهي الى مجموعة من الخلاصات السياسية التي يمكن استنتاجها والتي سيكون لها بصماتها على المرحلة المقبلة:
- ان الوجود السوري في لبنان العائد في الاساس الى القوى العاملة، تحول مع تدفق اللاجئين هربا من الحرب في سوريا إلى أزمة ينوء لبنان تحت أعبائها بسبب تزايد أحجام النازحين. ويتم التعامل الرسمي والدولي مع هذه الازمة من خلفيتها الاجتماعية والانسانية، بإعتبار أن هؤلاء السوريين لجأوا إلى لبنان هربا من آلة التدمير العسكرية. وقد بيّن التهافت اللافت على السفارة السورية حجم الانخراط السياسي للنازحين حيال ما يحصل في بلادهم، من خلال إقبالهم على تجديد إنتخاب الاسد (على ما أعلنوه أمام شاشات التلفزة والاعلام المحلية والعالمية)، مما يعني عمليا أن هؤلاء قادرون على العودة الى المناطق التي يسيطر عليها النظام، والتي تنعم بالاستقرار، ولا حاجة لهم للنزوح الى لبنان.
- ان هذا النزوح يبيّن أن النازحين ليسوا في لبنان هرباً من الحرب في بلادهم، بل للإفادة من المساعدات الرسمية والدولية المرصودة لهم، ولا سيما للمسجلين منهم.
- ان وجود سفارة لسوريا في لبنان بعد قرار تبادل التمثيل الديبلوماسي، والذي كان ثمرة زيارة الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان لسوريا ومحادثاته مع الرئيس السوري بشار الاسد في 13 آب 2008، شرَع أمام السوريين حركتهم وممارستهم لحقهم الدستوري، بقطع النظر عن صحة هذه الممارسة أو عدمها، بإعتبار أن هذه العملية لم تكن تتم في السابق، وكان السوريون الموجودون في لبنان يتوجهون الى بلادهم لممارسة هذا الحق.
- ان الكلام على ضغوط تعرض لها السوريون الموجودون في لبنان من أجهزة مخابرات محلية أو أحزاب لا يعكس حقيقة الاسباب التي دفعت السوريين الى التوجه الى مركز الاقتراع. والواقع ان ثمة دوافع اخرى تتمثل في مخاوف السوريين من التعرض للملاحقة أو إمتناع السلطات السورية عن إعطائهم تأشيرات الدخول والخروج او جوازات السفر، إذا تبين انهم لم يشاركوا في العملية الانتخابية، وخصوصاً أن غالبية المسجلين في لبنان على انهم نازحون، يتوجهون دورياً الى سوريا لتفقد أرزاقهم وعائلاتهم، ويعودون مطلع كل شهر عندما يحين موعد تسلم المساعدات.
- هذا الواقع يقود إلى خلاصة تستدعي إعادة النظر في أوضاع النازحين والتشدد الرسمي في التعامل مع حركة المعابر، بإعتبار أن لجوء السوريين إلى سفارتهم للإدلاء بأصواتهم يضعهم في خانة المقيمين في لبنان وليس في خانة اللاجئين، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى أوضاع هؤلاء في لبنان وفي المجتمعات المضيفة.
لم ينته مشهد "الممارسة الديموقراطية" للاجئين السوريين في لبنان أمس، بل إنه سيتكرر اليوم أيضا، بما أن ثمة أعداداً أخرى من السوريين لم تتمكن من التصويت، فإذا صحت التقديرات بوجود أكثر من مليون سوري نازح إلى لبنان، فمن المستبعد أن يتمكّن المؤهلون منهم للتصويت أن ينجزوا مهمتهم الوطنية في يومين!


sabine.oueiss@annahar.com.lb