شعر - ربيع 3014

جواد الساعدي

"علِّموا أولادكمُ التعددية والانفتاح قبل السباحة وركوب الخيل"
(حديثٌ موضوع)


ألفُ عامٍ مضت
قبل أن تمضي
ألفُ عامْ


* * *



كانت جارتُنا
تسكب القيحَ في قلبِ الحديقة
بعد أن فُقِئت دماملُ أبنائِها العشرين.
وصارتْ
تتوضَّأُ بالدماءْ
بعد أن جفَّت
مياهُ البئرِ في ذلك الصيفْ.
كانت تصنع الكُحلَ من سُمِّ الأفاعي
وترشقه في عيونِ الصغار
قبل الذهابِ إلى المدرسة،
تسلبهم دفاترهم، وأقلام الرصاص،
وما حملوا من الحلوى،
تقول لهم إنها رأت بأُمِّ عينيها
كلّ شيْء
وبعد نورِ عينيها لم يعدْ للعلمِ نور
بعد نورِ عينيها انطفأتْ
كلُّ النجوم،
وتوقف الحَراكُ في كلِّ المجرّات.
كانت تعلّمهم من السحرِ ما شاءت
ومن البيانِ ما شاءت
تبُثّهم
في الدساكرِ والطرقات
بِلحىً
أو بدونِ لحى
تلقِّنهم
مُجالدة السيفِ
و"المُلْكُ بعدَ أَبي ليلى لِمَن غلَبا"


* * *



ألفُ عامٍ مضت/ وجارتُنا/ ترتدي ثيابًا بالية/طرّزَتها سيوفٌ قديمة/ تكره الشمسَ/تستعير الضوءَ من فُتحةٍ/ تُطِلُّ على كهوفٍ غائرة/ محشوَّةٍ بالعقاربِ/ تحرس ما تبقَّى من هياكلِ الأسلافْ./ ألفُ عامٍ مضت/ وجارتُنا/ تُطعِمُ أبناءَها كُبُودَ العشيرة/ عادةٌ قديمة/ شرَّعَتْها "الحضارات"/ عادةٌ قديمة
سَبَقَتْ/ صناديقَ الْـ... انتخاباتْ


* * *



ألفُ عامٍ مضت
وجارتُنا
تُديرُ الرحى
على الغيضِ
تخلطه برملِ الصحارَى
وتعجن بالحبرِ المدمّى
وصفةَ الدهرِ
كلَّ عامْ.
هيَ واللهِ
مسكونةٌ بالشهواتْ
ينتابها حنينٌ
إِلى شعرها يومَ كانت صبيَّة
هي لم تلِدْ، إلاّ ذكوراً يقتلونَ الصبايا
هي لم تلِدْ، إلاّ ذكوراً بشَعرٍ أشعثٍ
هي لم تسمعْ على الإِطلاق بتسريحاتِ "جُوّيل"
جارتُنا مظلومة
واللهِ مظلومة
منذ زمانٍ غابرٍ
لم يقُل لها أحدٌ: أنتِ جميلة
منذُ قرونٍ
لم تبدِّل ثيابها البالية
منذُ أجيالٍ وأجيالٍ
هي لم تتعطّرْ
ولم تعرِفِ الحِنّاءَ حتى.
قطعَ الأبناءُ ثدييها بحدّ السيف
وقالوا لها:
لو لم تُرضعينا...
فغدت تخاف الحبَّ وتعشق الضغينة
تنام على أحقادها وتصحو
على رغبةٍ
بقتلِ الحمامْ
صارت
تكره الضوءَ
وتهوى الظلامْ
تأخذها رعشةٌ إِذا طلعَ الصباحْ
تتقيأ إِن شمَّتِ الوردْ
وتشتم أهلَ قريتنا
إِذا احتسوا
قهوتهم على الشرفاتْ.
ألفُ عامٍ مضتْ
وجارتُنا تنتظرْ
أبناءَها الذاهبينَ إلى "غزوة الشمسْ"
ليفقأوا عيون الضوءِ
قبل اندلاعِ العصافيرْ
ويشربوا دماءَ الشمسِ
قبل تَطاوُلِ الأشجارْ


* * *



ألفُ عامٍ مضتْ
قبل أن تمضي
ألفُ عامْ
وأبناءُ جارتِنا
لا يقرأون كتابًا على ورقْ
ولو كان في الصينْ
لكنّهم/ يشدُون جباهَهمْ بالرُّقاعْ/ ويحفظون تعاويذها/ عن ظهرِ قلبْ/يمتطون وحوشًا/ "شرابُها الدماءْ،/ وأنيسُها الأشلاءْ"/ يربطون بها حبل سُرَّتهمْ/ ويتركون راية الغزوِ/ خفّاقةً/ على أذنابِها المتفجِّرة


* * *

أبناءُ جارتنا/ هكذا هُمْ/ منذ ألفٍ مضتْ/ بعد أَن تمضي/ ألفُ عام