دغدغة الاحلام في سيرة الاستحقاق الرئاسي

بيار عطاالله

لم تكن الامور في حاجة الى اعلان رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط اطلاق مرحلة الفراغ في كرسي الرئاسة لكي يقتنع الجميع ان كرسي الرئاسة الاولى سيكون شاغراً الى مدة غير معلومة، عن سابق تصور وتصميم ولاسيما من الافرقاء المسيحيين الاربعة الذين لم تنجح كل مناشدات بكركي وتحذيرات الديبلوماسيين في ثنيهم عن اسقاط الموقع المسيحي الاول في لبنان في هوة الفراغ، وتلطيفاً الشغور.


وفي انتظار جلسة الغد وما بعدها من جلسات معلومة النتائج الا اذا حصلت معجزة ما، يبدو الافرقاء جميعاً يصرون على وضع الكرة في ملعب المسيحيين والموارنة تحديداً وتحميلهم مسؤولية الفراغ الزاحف بكل عواقبه. ورغم ان كثيراً من وسائل الاعلام انشغلت بالترويج لمرشحين في دائرة 14 اذار من القادرين على خوض المنافسة في وجه مرشح 8 اذار والتيار الوطني الحر اي العماد ميشال عون، على قاعدة افتعال اجواء انتخابية تستدرج عون وحلفائه الى مجلس النواب وتغّريهم بإمكان الفوز، الا ان اصرار عون على اختياره رئيساً توافقياً اعاد الامور الى متاهة تفسير معنى وفاقي او توافقي واستحضار مواقف عون خلال الاعوام الاخيرة.


يتقاسم الزعماء جميعاً مسؤولية الفراغ ولاسيما من أدخل في ورع العماد ميشال عون أمكان التوافق على شخصه وتقديمه مرشحأً توافقياً او وفاقياً، وتحديداً "تيار المستقبل" زعيمه الرئيس سعد الحريري. وهذا الكلام ليس جديداً بل ان المعلومات كانت تتراكم امام قياديي 14 اذار المسيحيين ومنذ مدة مشيرة وبالتفاصيل الى ما يجري من مفاوضات في العاصمة الفرنسية أو عبر وسطاء حول ملفات لا يذهب الى بحثها الا من يفكر في اعتلاء سدة الرئاسة الاولى. وعندما كان يتم طرح السؤال على بعض نواب "المستقبل" او قيادييه حول هذا الامر كان الجواب بأن الامر يأتي في اطار سياسة الانفتاح ومد اليد التي بدأت مع تشكيل الحكومة الجديدة.
بلغت الامور ذروتها الاسبوع الماضي مع ارتفاع منسوب الكلام عن صفقة ما يجري ترتيبها بين "المستقبل" و "التيار الوطني الحر"، ولم تعد التصريحات حينها تكفي في التعامل مع الموضوع فكان ان زار النائب سامي الجميل باريس والتقى الحريري ليعود منها بما يشبه الاقتناعات أن وراء الأكمة ما ورائها، وتالياً فأن كلام اوساط "التيار الوطني الحر" عن انتخاب عون رئيساً توافقياً لم ينبع من العدم بل استناداً الى مداولات ومناقشات لا يمكن الاستهانة بمضامينها وما تضمنته من معلومات. وكان من الطبيعي ان يتفاعل هذا الامر خصوصاً لدى رئيس حزب "القوات" سمير جعجع الذي وجد نفسه مضطراً في نهاية المطاف الى مغادرة معقله في معراب والتوجه الى باريس للقاء الحريري بمعية الرئيس فؤاد السنيورة ووضع الامور في نصابها الصحيح.
يقول قياديون مسيحيون في 14 اذار لـ"النهار" ان ثمة خطأ ارتكبه سعد الحريري في النقاشات المتصلة بملف الاستحقاق مع التيار الوطني الحر، ويتصل بأهمية ادراكه (اي الحريري) مدى حساسية موضوع لقب "فخامة الرئيس" لدى العماد ميشال عون وفريقه، وكان على الحريري وفريقه تالياً عدم دفع الامور في مسارات قد يسيء عون تفسيرها، لا بل يبني عليها كل مقاربته لملف الاستحقاق. وفي نهاية المطاف، لم يعد سراً ان فريق عون الرئاسي أستند الى تلك المفاوضات ليبني عليها تشدده في ملف الاستحقاق الرئاسي اضافة الى مواقفه المبدئية من هذا الموضوع. اما اعادة تصحيح الوضع اذا جاز القول فستعني مزيداً من التصلب لدى عون وربما عودة الاشتباك الكلامي والسياسي مع "المستقبل"، ما يعني عودة الامور الى نقطة الصفر والاستمرار في متاهة الفراغ القاتلة للميثاقية وصيغة العيش المشترك. والرأي ان مواجهة ما يجري لا يكون بألقاء مسؤولية الفراغ على القوى المسيحية وحدها.