بينها وبين حماتها ... حرب إلغاء!

ليال كيوان بو عجرم

وسط الخلافات والمشكلات التي تنشب بين الكنة وحماتها، يقف الزوج في حيرة من أمره لا يدري كيف يتصرف أو من أين يبدأ. هل المشكلة في أمه أم في زوجته، أم في الاثنتين معاً؟ مشكلات حياتية ويومية لا تنتهي بدأت منذ الأزل ويبدو أنها لن تزول إلاّ بزوال البشرية! لكن أن تبلغ تلك النزاعات حدّ العنف وصولاً الى محاولة إلغاء إحداهما للأخرى معنوياً أو فعلياً حتى من خلال القتل، فإن ذلك أبشع ما يمكن تصوّره، فهل تصل الأمور فعلاً الى درجة القتل؟


تفرح الأم بولادة ابنها وتنهك نفسها في تربيته والسهر على تلبية حاجاته وتوفير متطلباته كي يكبر، وتنتظر بفارغ الصبر أن تراه متزوجاً وترى أحفادها يترعرعون في كنف عائلي هادئ. لكن أحياناً قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن! ذاك الإبن قد يتحول سبباً في نزاع يطرأ بين الحماة وكنّتها ومحور منافسة. فلماذا هذان المنافسة والتحدي؟ وما سبب وصولها الى العنف والشراسة؟


قتلت حماتها!
منذ عام تقريباً، نقلت وسائل الإعلام خبر إقدام إحدى الزوجات في منطقة النبطية على قتل والدة زوجها السبعينيّة بضربها على رأسها بواسطة آلة حادة. فرت القاتلة إلى جهة مجهولة، في حين حضرت إلى المكان الأدلة الجنائية في قوى الأمن الداخلي والطبيب الشرعي في النبطية، وبوشرت التحقيقات لمعرفة أسباب الجريمة ودوافعها ولتوقيف القاتلة.
والحادثة تلك ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها قبل أعوام كثيرة حادثة مماثلة قتلت فيها الكنّة حماتها لتتخلص من "الجحيم" الذي كانت تعيشه، على حدّ تعبيرها. وينقل عنها الأقارب الذين تبرأوا منها وأنكروا وجودها أنها قامت بأبشع ما يمكن أن يُقدم عليه بشر، وهو قتل الغير! ويروي أخوها الذي طردها من المنزل والبلدة بعد أن أكملت عقوبتها وأمضت سنوات عدة في السجن، أن شقيقته نادرة ارتكبت ذلك الفعل الشنيع بعد خلافات كثيرة استمرت لأعوام مع حماتها التي كانت تشاركها المنزل مع زوجها لعدم وجود منزل مستقل يؤويها. "وبعد عجز الزوج عن ردعها عن افتعال المشكلات كونها لم تكن تحب حماتها التي كانت من جهتها امرأة مسالمة، ولم تكن نادرة تحب وجودها في المنزل، ودبرت لها المكائد مراراً كي يطردها ابنها إلاّ أن كل محاولاتها لم تنجح. فما كان منها ذات يوم إلاّ أن دسّت لها السمّ في القليل من الطعام وأخفت كل الأدلة، فماتت الحماة بعد أن تقيّأت مراراً وصاحت من شدة الألم من دون أن تلقى أي صدى لاستغاثاتها، فنادرة تركت البيت وقصدت إحدى صديقاتها وما من جيران قرب المنزل. فعاد الزوج من عمله ليجد والدته مطروحة أرضاً وقد فارقت الحياة. طبعاً، شكّ بأمر زوجته وارتاب من أن تكون لها علاقة بما حصل لوالدته، فلم يهدأ قبل أن فتش المنزل والقبو المجاور حيث وجد علبة السمّ التي يستخدمها عادة لمكافحة الامراض التي تصيب الأشجار، قد تغيّر مكانها وفرغت من محتواها بعدما كانت تحوي القليل من السم. فسارع الى إبلاغ مخفر في البلدة المجاورة، وأثبتت التحقيقات جرم نادرة".


عنف متبادل
وللحموات أيضاً فصول، وفي حال عدم انفلات الأمور لتصل الى القتل، يكون التوتر سيّد الموقف وقد يتطور بدوره الى عنف يُصنّف الى درجات. سعاد تعاني تعنيف حماتها لها منذ أيام خطوبتها، "ولولا حبّي الشديد لزوجي لما تحمّلت كل ما يجري معي"، تقول بحسرة. "لا أدري لماذا لا تحبني، فهي لا تفوت فرصة لتأليب زوجي ضدي، لكن تلك الألاعيب لا تخفى عليه وهو يدرك أن أمه تأتي بتصرفاتها تلك نتيجة خوفها من خسارة ابنها، علماً أن أياً منّا لا يحاول أبداً أن يُشعرها بإمكان حصول ذلك، لكن بلا جدوى". فحماة سعاد تفكر بأن كنّتها ستسلبها ابنها، مما ولّد الكره في نفسها تجاه زوجة ابنها الوحيد فلم تعد تتقبل وجودها في حياتها، " تسمعني دائماً كلمات جارحة وتسيء معاملتي وتنقل عني أحاديث لم أتفوّه بها وتبتدع أموراً لم تحصل. كذلك لم تتوان عن ضربي ذات يوم، ولولا تدخل زوجي ووضع حد لكانت الأمور تفاقمت وبلغت مبلغاً عظيماً، وحمداً لله أن زوجي على قدر كبير من الوعي وإلاّ لما كنا استمرينا".


شدّ حبال
تُعدّ العلاقة بين الحماة والكنّة من العلاقات الأكثر تعقيداً، لأنها تجمع بين امرأتين عُرفتا تقليدياً بمحاولاتهما الحصول على اهتمام وحب وولاء رجل واحد هو ابن الأولى وزوج الأخرى. وعن تلك العلاقة وما يشوبها من تعقيدات، تقول المعالجة النفسية والاختصاصية في علم النفس الاجتماعي الدكتورة سنا بركات، إن كل المجتمعات تشهد "شدّ حبال" بين الحماة والكنّة، لكن من غير الطبيعي أن تصل الى حدود العنف والتحدي. "العلاقة بينهما يجب أن تكون مبنية على الاحترام، ونجاح العلاقات يقوم على تفهّم الطرف الآخر وتقبّله ومحاولة التأقلم والتعايش معه من دون صدام". وتشرح أن الحموات هنّ أمهات لأبنائهن وزوجاتهن، وقد ينزعجن من تقلص دورهن في حياة أبنائهن وقد تزعجهن بعض التصرفات وقد يتكلمن بالسوء عن زوجات أبنائهن. وكذلك الكنّة تنتابها المشاعر عينها وتسلك السلوك ذاته".
أما فكرة سوء العلاقة بين الأم وزوجة ابنها أو العكس، "فتعتمد على التنشئة الاجتماعية والفكرة المسيطرة حول ضرورة الحذر من أم الزوج، كونها قد تكون أساساً في السيطرة على ابنها، وأنها غالباً ستكون شخصية عدائية، وبالتالي ستخوض الفتاة التجربة برغبة كبيرة في الاستئثار بذلك الزوج، وهو ما قد يسبب قلقاً وضغطاً نفسياً من بداية العلاقة ويؤثر تالياً في الأواصر الاجتماعية، بناءً على ثقافة الحكم على الشخص من دون معرفة كاملة ووفق خلفيات مسبقة، وهو ما قد يحول دون بناء شخصية مستقلة في الرأي قادرة على التغيير أو المناقشة أو الاتفاق، مع قلة وعي متفشيّة عموماً بكيفية التواصل والتعبير عن المشاعر، فبالتالي تقبل الزوجة على الحياة الزوجية وهي محمّلة بنيات واقتناعات ووسائل دفاعية ورغبة ملحة بأن تكون المسيطرة، وهو ما يجعل الحرب تبدأ بينهما من دون تفكير ببدء العلاقة الحسنة وحصد النتائج الإيجابية. فالوضع قد لا يتطلّب إلاّ تركيزاً في شخصية الزوجة ومدى مقدرتها على كسب أم زوجها لصفها بحبها والتفكير بها كأم لها، والموضوع يحتاج صبراً واجتهاداً مع حذر كي لا تكون التربية المجتمعية والمعتقد مؤثرين في واقع الحال، فقد تكون المشكلة الحقيقية في الخلفية وتراكمات وحقد ومجموعة مخاوف، والنظر الى الأم كإنسانة متحكّمة ومسيطرة إلى حد أن الزوج قد يكون "بلا شخصية" أمامها، وحينها يشتعل البيت من البدايات رغم أن الزوجة قد تكون على قدر من التعليم والثقافة. والأم بحكم تجاربها تتخوّف من سلوكيات الزوجات فتعتقد أنها أمام وضع صعب ومعقد وتحتاج الى حيل دفاعية، وعلى الزوج أن يتدخل بوسطيّة واعتدال حينها".
والصراع بين الاثنتين ينتج من محاولتهما للاستحواذ على الرجل والاستئثار به. نعم مسكين أنت أيها الزوج، فأنتَ لا تستطيع أن تتخلى عن أي منهما وتجد نفسك قد أُقْحِمت في ورطة لا ناقة لك فيها ولا جمل! وعن أسباب هذا الصراع، تقول بركات إنه مرتبط بالغيرة وحب التملك وبسوء الفهم من الطرفين، "فالكنّة تريد الاستقلال في حياتها والحماة لا تتخيّل أنها سوف تفقد حقها في التدخل في شؤون ابنها، ورفض الحماة أن تخترق الكنّة حياة ابنها وأن تستحوذ على كل ما يخصه وإدارة كل شؤون حياته، فتعتبرها دخيلة تحاول تهميش الأم التي تلجأ الى التدخل في شؤون الكنة التي ترفض بدورها التدخل في حياتها وانتهاك حقوقها".


layal.kiwan@annahar.com.lb


أكثر عرضة للوفاة!
أظهرت دراسة يابانية أن الحماة التي تعيش مع ابنها وزوجته أكثر عرضة للمتاعب الصحية وربما الوفاة، مقارنة بتلك التي تعيش مع ابنتها. وجاء في الدراسة التي أجرتها جامعة "تسو كوبا" اليابانية، أن النساء المتقدمات في السن اللواتي يتلقين الرعاية في بيوت أبنائهن، قد لا يعشن طويلاً مقابل نظيراتهن اللواتي يعشن مع بناتهن أو حتى بمفردهن. ووفق الباحثين اليابانيين، فإن الشرخ الأزلي في العلاقة بين الحماة والكنّة قد يكون السبب الرئيس لسوء حالة الحماة الصحية لاحقاً في الحياة بعد اعوام من المجادلة والمشاكسة مع كنتها. وخلال الدراسة التي استغرقت أربع سنوات وضمّت 200 رجل وسيدة طاعنين في السن، أظهرت التحاليل أن بقاء الحماة في بيت ابنها وتلقيها الرعاية من زوجته يمكن أن يؤثر سلباً في حالتها الصحية. وتتعرّض الحموات اللواتي يعشن مع أبنائهن وزوجاتهم إلى خطر الوفاة بنسبة الضعف في مقابل الحموات اللواتي يعشن مع بناتهن.