تناغم "صاحب الفخامة" و"صاحب الغبطة" لا يتجاوز ثوابت "مجد لبنان"

حبيب شلوق

يحار متتبعو السياسة اللبنانية في هذا الارتباط الوثيق بين رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية، ولكنهم في الوقت عينه لا يدركون أهمية التناغم بين الموقعين إلاّ إذا غاصوا في مفهوم الموقع الديني الأول لهذه الطائفة، ليس في لبنان فحسب إنما في العالم، لهذا الموقع المدني الذي كرّسه الميثاق والدستور للموارنة لتثبيت مفهوم الوطن الرسالة.


 


عندما يتحدث أي بطريرك ماروني - من القديس يوحنا مارون إلى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ـ عن رسالة لبنان، التي ظهّرها البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، فإنما يركز خصوصاً على الدور الحضاري والثقافي المنفتح للمسيحيين في الشرق وما يمكن أن يقوم به المسيحيون في سبيل نشر فرادة العيش المشترك التي يتمتع بها هذا البلد. ومن هنا أهمية دور الرئيس اللبناني المسيحي في المحيط الإسلامي المترامي الأطراف.
جهد البطاركة الموارنة وخصوصاً في التاريخ الحديث، في توصيف دور الرئيس المسيحي للبنان. وقد يكون البطريرك الراعي و"الأنتليجنسيا" المحيطة بالصرح البطريركي، من الناشطين جداً في هذا المجال. وترى أوساط هؤلاء "أن الرئيس المسيحي هو رئيس كل اللبنانيين، وهو الضمانة لاستقلال الوطن وسلامة أراضيه وكرامته، وهو قبل كل شيء رسول لرسالة عالمية ليس لها معنى إلاّ في انفتاح دور مسيحيي الشرق وهم الأقلية في هذا الصخب المحيط بهم، ولكنهم القوة الحضارية الثقافية ـ وليس الصدامية - المسؤولة عن تطوير المجتمعات العربية مع النخب العربية، وإن فهم الدور الذي يلعبه الرئيس المسيحي شرط أساس لشرعنة وجود رئيس دولة مسيحي في عالم مسلم".
والرئيس المسيحي في رأي "الأنتليجنسيا" نفسها هو "رئيس كل اللبنانيين وممثل كل أطيافهم"، ولكن في المقابل قد يكون "ضعف بصيرة ساسة موروثين على مدى سنين السبب الأساس لمآسي المسيحيين". ومن هنا فإن لبنان "يستحق في هذه المرحلة رئيساً قادراً على إطلاق أفكار جديدة، وملتزماً تطبيق البرنامج الوطني للإنقاذ الذي أطلقه البطريرك في المذكرة الوطنية الأخيرة في 5 شباط الماضي منطلقاً للعقد الاجتماعي الذي في مقدم أهدافه إشراك المسيحيين في دولة يجب إعادة بنائها".
و"لأن المسيحيين كانوا طليعة التطور في المنطقة"، فإن دورهم في رأي الأوساط القريبة من البطريرك والبطريركية "أن يكونوا معارضين وديموقراطيين ومدافعين عن الحريات وكرامة الإنسان والحداثة". من هنا ولئن كانت بكركي لا تزال خط الدفاع الأول عن رئاسة الجمهورية، فإنها لم تتأخّر يوماً في قيادة الجبهة المناوئة للرئيس إذا وجدت في موقفه خطأ يمس بالكيان أو بالوجود أو بالعيش المشترك.
وللبطريرك الماروني دور كبير في ترسيخ كيان لبنان منذ عهد البطريرك الياس الحويك (1899 - 1931) عندما أعلنت دولة لبنان الكبير عام 1920 ، إلى تبنيه "ثورة الأرز" عام 2005 على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط ثم خروج القوات السورية من لبنان في 26 نيسان عام 2005.
وتجلّى الموقف البطريركي في أواخر العهد العثماني بمناهضة البطريرك الحويك الاحتلال العثماني وترؤسه الوفد اللبناني المسيحي - المسلم إلى فرنسا للمطالبة بإعلان دولة لبنان الكبير وكان لهذه الزيارة الدور الأبرز في إعلان الدولة، كذلك تميّز عهده باعتراضه على انتخاب مجلس النواب المعيّن أيام المفوض السامي الفرنسي هنري دوجوفنال في 26 أيار 1926 شارل دباس الأرثوذكسي رئيساً للجمهورية، قبل أن يسود انسجام شبه تام مع دباس حتى وفاة البطريرك عام 1931.

الاستقلال وما بعده
وخلف البطريرك أنطون عريضة (1931 - 1955 ) البطريرك الحويك بعد وفاته، وشهد العام التالي 1932 صراعاً شديداً بين إميل إده وبشارة الخوري، وكان عريضة يؤيد حبيب باشا السعد ضمناً، فما كان من المفوض السامي إلاّ تكليف دباس متابعة مهمات الرئاسة. ولكن المعركة لم تنتهِ، إذ قاد مطران بيروت إغناطيوس مبارك معركة إبعاد دباس وانتخاب السعد وكان له ما أراد في 1933.
وبعد ثلاث سنوات أيّد البطريرك عريضة إميل إده للرئاسة ضد الشيخ بشارة الخوري الذي لم يغفر له. وهكذا لما انتخب بشارة الخوري عام 1943 وجد نفسه مطوّقاً من البطريرك عريضة والمطارنة إغناطيوس مبارك وبولس المعوشي وأغسطينوس البستاني ويوسف الخوري وإغناطيوس زياده. وبدأ الرئيس الخوري "معركة" من خارج الحدود، وذكر أنه كان وراء إرسال المطران مبارك في إجازة قسرية إلى الفاتيكان لمنعه من التدخل في السياسة، كذلك تم تطويق المطران بستاني المؤيد لإميل إده. ولما عاد المطران مبارك من الفاتيكان عام 1952 صدر قرار فاتيكاني - من دون مشورة بكركي - بإقصائه عن مطرانية بيروت وتعيين المطران زيادة خلفاً له.
وفي بداية سني الاستقلال وعهد الرئيس بشارة الخوري عام 1943، شهد عهد عريضة حالات مد وجزر مع الرؤساء حبيب باشا السعد وإميل إده وألفرد نقاش وأيوب تابت وبترو طراد وبشارة الخوري، ثم مع الرئيس كميل شمعون. حتى إذا صمم الشيخ بشارة على التجديد رضخ البطريرك عريضة على مضض، إلا انه كان من قادة الانتفاضة على الشيخ بشارة في منتصف ولايته الممددة عام 1952 وهي الانتفاضة التي حملت الأخير على الاستقالة غير مكمّل ولايته الجديدة، على رغم أن عريضة كان تحت لجنة وصاية عيّنها الفاتيكان نتيجة خلاف حاد معه عام 1946 ، وضمّت المطرانين بولس المعوشي وعبدالله الخوري. وفي تلك المعمعة ارتفعت حدة الصراع بين الفريقين المؤيدين لكل من الرئيسين بشارة الخوري وإميل إده، وتدنّت كثيراً المستويات الكلامية والشعرية بين مؤيدي هذا وذاك.


"حلف بغداد" والناصرية
وتدخل الفاتيكان مجدداً مع استمرار التشنج في الوسطين المسيحي والإسلامي في عهد رئيس الجمهورية كميل شمعون الذي أتى نتيجة الإضراب العام لثلاثة أيام متتالية، وأصدر قراراً بتعيين البطريرك بولس المعوشي عام 1955 فتبوأ سدة البطريركية طوال 20 عاماً حتى 1975 . وعاشر البطريرك صاحب القامة المديدة والوقار المشهود الرئيس شمعون ذا الكريزما المميزة وساحر اللبنانيين الممتلئ ذكاء ودهاء، والرئيس فؤاد شهاب العسكري القائد الأول للجيش المولود حديثاً والذي أُعطي له أن يقطف ثمرة إخماد ثورة 1958 في خضم اشتداد الصراع الأميركي وقيام "حلف بغداد" الذي دعمه شمعون، وانطلاق ظاهرة الناصرية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر التي راحت تمخر عباب المحيط العربي وتدق والأنظمة وتكوكبت حولها قيادات إسلامية سنية مع بعض حلفاء من طوائف أخرى.
في تلك المرحلة نسج المعوشي في محاولة لمنع الانقسام اللبناني على مستوى الطوائف علاقات ندية مع القيادات الإسلامية المناوئة لشمعون، ووقف ضد مطالبين بالتجديد له، وخصوصاً بعد تقديم شمعون شكوى أمام مجلس الأمن ضد التدخل المصري الناصري في لبنان، وهي شكوى جاهر المعوشي في معارضتها كما جاهر بموقفه المعارض للتجديد لشمعون أمام الموفد الأميركي روبرت مورفي وماشى اللواء شهاب، الأمر الذي دفع الشارع المؤيد لشمعون إلى إطلاق شعارات ضد المعوشي وتسميته "محمد المعوشي".


 


محاولة الانقلاب و"المكتب الثاني"
ولم يدم شهر العسل طويلاً إذ اختلف المعوشي إبن جزين مع الرئيس شهاب ابن غزير الذي حاول استمالة مطارنة موارنة إليه، وخصوصاً المطران يوسف الخوري إبن بكاسين، الأمر الذي أغاظ البطريرك الذي اعتبر ذلك طعنة له في عقر بيته، فأبعد المطران الخوري من النيابة البطريركية إلى صور رئيساً لأساقفتها. ولكن المعوشي عاد ووقف إلى جانب شهاب الرئيس الماروني لدى محاولة الإنقلاب التي قام بها الحزب السوري القومي الإجتماعي، وأوفد نائبه المطران نصرالله صفير إلى شهاب للتضامن معه.
وعلى خطى أسلافه، سعى شهاب عبر قريبين منه والمكتب الثاني (جهاز المخابرات) إلى التجديد بعد انتهاء ولايته عام 1964، فجاهر المعوشي بمعارضته ورفضه ممارسات المكتب الثاني ضد المعارضة، وخصوصاً بعد إسقاط أركانها وفي مقدمهم الرئيس كميل شمعون في الشوف والعميد ريمون إده في جبيل. وذهب المعوشي أكثر من ذلك إذ دعم النائب سليمان فرنجيه الجد ضد مرشح الشهابية شارل حلو، وانتخب حلو رئيساً مدعوماً من أميركا والفاتيكان والدول العربية والمكتب الثاني ولو أنه كان عاطفياً أقرب إلى الرهبان من العسكر. واعتبرت الولاية تمديداً لعهد شهاب. ورد المعوشي بدعم "الحلف الثلاثي" الذي خاض انتخابات 1968 النيابية وكان يضم الرئيس كميل شمعون والعميد ريمون إده والشيخ بيار الجميل، ومنيت الشهابية بهزيمة قاسية حتى في كسروان عرين الرئيس شهاب. وقيل يومذاك أن تمثال السيدة العذراء في حريصا دار حول قاعدته نحو كسروان، كما اجتاز موكب انتخابي للحلف دواليب أحرقت لقطع الطريق إلى غزير مسقط شهاب وإجتاز "النمر" كميل شمعون الحاجز وقيل يومها أن الحاجز أقامه مواطنون مؤيدون سراً لشمعون.
وسبقت التحالف "صلحة" بين المعوشي والحلف وفي مقدمه شمعون عندما رفض البطريرك الصعود، كما العرف، في سيارة رئيس الجمهورية حلو يوم عيد مار يوسف في 19 آذار 1967 إلى كنيسة مار يوسف في عينطورة وشن في عظته هجوماً عنيفاً على ممارسات السلطة العسكرية والشهابية، وعلى "كومندوس التخريب" وتمزيق صور رئيس الجمهورية رافضاً اعتبار "الذين يأتون تحت ستار العلم" إلى لبنان طلاباً، داعياً الدولة والمسؤولين إلى أن "يكنّسوا" لبنان و"إذا ما عندكن مكانس فالبطريركية مستعدة لتقديمها".
وفي 26 أيار 1969 استقبل المعوشي أركان الحلف شمعون وإده والجميل و"مهندس الحلف" النائب كاظم الخليل وصارحهم بخوفه على لبنان من "وجود مخربين ينتحلون صفة فدائيين"، وصح حدسه وحصلت اشتباكات بين الجيش والفلسطينيين في عدد من مخيمات بيروت.
وفي أيلول 1970 نجح الحلف مع "تكتل الوسط" (الرئيس كامل الأسعد والرئيس صائب سلام والنائب سليمان فرنجية) في إيصال فرنجيه إلى الرئاسة بفارق صوت واحد عن المرشح الشهابي الياس سركيس (50 -49) وقيل يومها إن فرنجيه فاز بصوت النائب فؤاد غصن، الصوت الذي لم يستطع العميد ريمون إده تأمينه.
لقد عايش المعوشي أربعة رؤساء هم شمعون وشهاب وحلو وفرنجيه، وشاب علاقته مع الأخير توتر بعد استقباله قائد الجيش العماد إميل البستاني في بكركي عام 1973 قبل لجوئه إلى سوريا في قضية صواريخ "الكروتال".


 


ولاية لم تكتمل
عام 1975 توفي المعوشي بعد فترة من قرار فاتيكاني بتعيين النائب البطريركي نصرالله صفير والمطران أنطونيوس خريش لإدارة شؤون البطريركية على أثر تدهور صحته، ثم انتخب المطران خريش بطريركاً، وواجه "صقوراً" في الطائفة وميليشيات لم يتمكـّن من التعايش معها، كذلك لم يتمكن من إيجاد "مخرج" بين حزب الكتائب والرئيس سليمان فرنجيه على أثر مجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها نجله النائب طوني وزوجته فيرا وإبنتهما جيهان و28 شهيداً. ثم في حرب "توحيد البندقية" التي قادها الشيخ بشير الجميل عام 1981 بين حزبي الكتائب والوطنيين الأحرار وخصوصاً في الصفرا حيث قتل المئات، ثم في انتخاب الرئيس بشير الجميل واغتياله عام 1982 فانتخاب الرئيس أمين الجميل بعد نحو شهر، ثم حرب الجبل عام 1983 ولقائه النائب وليد جنبلاط في روما. يومذاك هاجم مناصرون للكتائب و"القوات اللبنانية" بكركي وواكبهم رهبان، وعاثوا تخريباً في الصرح، مما أغاظ خريش فانتظر بلوغه الخامسة والسبعين عام 1986 ليستقيل، وعينت روما المطران ابرهيم الحلو مدبراً رسولياً و"الكرسي مليء".
في 19 نيسان 1986 انتخب المطران نصرالله صفير بطريركاً، وهو بطريرك "مجرّب"، عايش البطريركين النقيضين المعوشي وخريش ـ ولكل طباعه ـ وكان نائباً بطريركياً لهما ، وكان همه استعادة دور بكركي، وإذا به يخوض صراعاً في كل مكان، مسيحياً - مسيحياً، ومسيحياً - إسلامياً، ومسيحياً - سورياً. وكان صفير أهلاً لمواجهة هذه الصراعات. إلا أنه أخفق في" ضبط إيقاع" صراع البيت الواحد جيش العماد ميشال عون و"القوات اللبنانية" بقيادة الدكتور سمير جعجع في 31 كانون الثاني عام 1990، وهددهما بالحرم الكنسي، لكن "على مَن تقرأ مزاميرك يا داود"، وشهدت الحرب بينهما أشرس المعارك. ولما انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988 رفض الفراغ، وعلى رغم كل حنكته، عبثاً حاول التوفيق بين الأضداد المسيحيين لانتخاب رئيس، ودخلت الولايات المتحدة على الخط وجاء موفدها ريتشارد مورفي إلى لبنان مقترحاً اسم مخايل ضاهر بالتشاور مع الرئيس السوري حافظ الأسد وطلب من البطريرك أن يقترح أسماء لانتخاب واحد منهم فسمى - طبعاً إنطلاقاً من العلاقة الإدوية ـ الصفيرية التاريخية - ريمون إده وميشال عون وبيار حلو، وتردد أن اللائحة تضم أيضاً اسماء فؤاد نفاع وبطرس حرب وميشال الخوري، وسلم الأسماء الى السفير الأميركي جون مكارثي، ولكن السوريين رفضوها وعشية انتهاء ولايته كلّف الرئيس الجميل "على مضض" قائد الجيش العماد ميشال عون تشكيل حكومة عسكرية بعد اعتذار النائب بيار حلو عن عدم التشكيل، ولكن النصف المسلم في الحكومة استقال وظلت الحكومة حكومتين بعد تمسك الرئيس سليم الحص بشرعية حكومته.
في هذه الأجواء المتشنجة عقد مؤتمر الطائف عام 1989 وأقر إتفاق وقف الحرب وأيّده البطريرك صفير "للحفاظ على ما تبقى من الشارع المسيحي كذلك أيده حزب الكتائب و"القوات اللبنانية"، وهو اتفاق كان نتيجته انتخاب الرئيس رينه معوض للرئاسة في 5 تشرين الثاني عام 1989، انطلقت على أثره تظاهرة غاضبة مؤيدة لعون إلى بكركي تعرضت لصفير بالإهانة، فغادر الصرح إلى الديمان المقر الصيفي للبطريركية. ولكن الرئيس الجديد اغتيل بتفجير استهدف سيارته في محلة الصنائع في بيروت يوم عيد الإستقلال في 22 تشرين الثاني 1989، فانتخب النائب الياس الهراوي خلفاً له بعد يومين فقط في 24 تشرين الثاني 1989 وتم التجديد له ثلاث سنوات في ظل الوصاية السورية حتى 1998 عندما انتخب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً وتم التجديد له ثلاث سنوات حتى 2007 .
في هذا الوقت كان العماد ميشال عون مقيماً في قصر بعبدا ورافضاً للطائف، ومنه أعلن "حرب التحرير" ضد القوات السورية. وهي حرب انتهت في 13 تشرين الأول عام 1990 باجتياح القوات السورية مناطق الجيش الداعم لعون فانسحب إلى السفارة الفرنسية ومنها بعد أشهر إلى فرنسا.
والعلاقة بين صفير والرئيسين اللذين انتخبا وتم التجديد لهما في ظل الوصاية السورية كانت علاقة غير مستقرة واقتصرت على البروتوكوليات إذ لم يستطع البطريرك "هضم" التعديلات الدستورية للتمديد وانتخاب لحود، كذلك لم يقبل باستمرار لجوء العماد عون إلى فرنسا وسجن قائد "القوات" سمير جعجع في وزارة الدفاع، ولو أن الرئيس الهراوي استطاع بذكائه وسرعة بديهيته وظرافته وهدوئه السريع بعد إنفعال أسرع أن يزيل حواجز كثيرة من طريق بعبدا - بكركي، في حين ظلّت العلاقة بين صفير ولحود "ضمن الرسميات"، وخصوصاً بعد مجاهرة البطريرك الذي لقّب بالضمير، برفض التمديدين للرئيسين، وارتفاع النبرة مع بدء صدور "نداءات أيلول" للمطارنة برئاسة صفير في أيلول عام 2000 التي نادت بالحرية والسيادة والإستقلال وتركيزها على انسحاب القوات السورية، ثم تأكيد الإصرار على رفض الوجود السوري خلال زيارته للولايات المتحدة وكندا، والإستقبالات الصاخبة التي حظي بها لدى عودته والحشود التي أمت بكركي مطالبة بعودة العماد عون من فرنسا وخروج جعجع من السجن، إضافة إلى رفضه الإعتقالات التي طاولت الرافضين للوصاية السورية.
كل هذه المواقف التي أطلقها صفير والثوابت التي عبّر عنها، كانت أحد أساسات "ثورة الأرز" وانسحاب القوات السورية، وهي ثورة انفجرت على أثر اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في 14 شباط 2005.


 


تناغم رئاسي - بطريركي
أما عهد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي فشهد منذ بدايته عام 2010 تناغماً وتفاهماً مع الرئيس ميشال سليمان الذي انتخب بعد اتفاق الدوحة عام 2008. وزادت في هذا التفاهم العلاقة القديمة بين قائد الجيش إبن عمشيت وراعي أبرشيته جبيل المطران الراعي.
ولم تشهد علاقة الرجلين أي تشنّج يذكر.
أما الموقعان الأبرزان في لبنان، فيدعو المنطق إلى تفاهم وتنسيق بينهما، ولكن الواقع قد لا يكون كذلك، وغالباً ما تصطدم الرغبات الدنيوية بحاجز هنا وهناك فكيف إذا كان الحاجز ثوابت يحرسها تاريخياً مَن "أُعطي له مجد لبنان"؟