الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إبرهيم عبدالمجيد لـ"النهار": الروايات تصنع إنساناً سوياً ولا تصنع الثورات

المصدر: "النهار"
إبرهيم عبدالمجيد.
إبرهيم عبدالمجيد.
A+ A-
حاورته: جيهان محروس
 
"لا أحد ينام فى الأسكندرية"، "بيت الياسمين"، "مذكرات عبد أميركي"، كلها عناوين لا يغفل عنها قارئ الأدب، سواء في مصر أو العالم العربى. ما إن نقرأها حتى يتبادر الى ذهننا اسم الكاتب الكبير إبرهيم عبدالمجيد، الذي يُعد أحد أبرز الكتاب والروائيين المصريين، على مدار ما يقرب من أربعين عاماً، كتب خلالها أكثر من 30 عمل أدبي، ترجمت أغلبها الى لغات عدّة، منها الإنكليزية والفرنسية، كما حوّل معظمها الى أعمال درامية، لتتوج مسيرته بالكثير من الجوائز الأدبية المصرية والعربية.

عن مشوار الكاتب إبرهيم عبدالمجيد كان لـ "النهار" هذا الحوار:

- كيف دخلت المجال الأدبي؟ وكيف ترى الكتابة بعدما أصدرت أكثر من 20 عمل أدبي؟

في سن الثالثة عشرة في مكتبة المدرسة الإعدادية، كنت أحب القراءة. كانت هناك حصتان كل أسبوع للقراءة الحرة في المكتبة، نجلس فيها وكل يختار ما يريد ليقرأ، اخترت قصة أطفال عنوانها "الصياد التائه" للكاتب محمد سعيد العريان ولم أكن أعرف شيئا عنه. جلست اقرأ فيها وكانت عن صياد تاه في الصحراء ويبحثون عنه. أخذت ورحي وبكيت عليه فرآني المدرّس وسألني عن سبب البكاء. قلت له الصياد ضاع، فقال لي: "دي مش حقيقية دي قصة تاليف المؤلف وواضح انها حلوة لأنها أثرت فيك". أخذني الذهول واندفعت اقرأ ثم وجدت نفسي أكتب وأنا في سن الرابعة عشرة. كتبت قصصاً وروايات ضاعت طبعاً لأنها كانت ساذجة، حتى عرفت أن الكتابة جوار الموهبة تحتاج إلي دراسة وفهم لتاريخ الأدب والمذاهب الأدبية، فاندفعت اقرأ في النقد والفلسفة والتاريخ وغيرها، وانضممت لعدد من الشباب في قصر ثقافة الحرية بالاسكندرية في نادي الأدب وتطوّرت الأمور وتشجّعت وتقدمت لمسابقة في القصة القصيرة على مستوى الجمهورية ففازت بالجائزة الأولى وكان يوم صار فيه الفضاء كله ملائكة ترقص فرحاً، وهكذا مشيت في الطريق. 

- يرى بعض النقّاد أنّ كتابتك مليئة بالألغاز؟ هل تتعمّد هذا الأسلوب في كتابتك؟

لا أتعمّد أي شيء في الكتابة، إلا أن تكون الرواية بلغة شخصياتها وأحلامهم وأفكارهم ومتوائمة مع مكانهم والأحداث التي يعيشونها، كيف يري النقاد ذلك، فأمر خاص بالنقد.

- عناوين رواياتك تحمل نوعاً من الغموض، هل ترى أن العنوان الغامض يجذب القارئ؟

العنوان طبعاً مهم، وهو أول عامل جذب للقارئ، وليس شرطاً ان يكون غامضاً، فعنوان مثل "لا أحد ينام في الإسكندرية" يثير الفضول والتساؤل. الأمر نفسه في "السايكلوب"، ومؤكد أنّ القارئ سينظر في خلفية الغلاف، وسيجد تفسيراً ما، كما أنّ رسم الغلاف يمكن أن يوضح العنوان. عموما اختيار العنوان أمر صعب، المهم أن يجعل الأفق مفتوحا أمام القارئ.

- أحدث رواياتك حملت عنواناً غامضاً جداً، وهو "السايكلوب"، ماذا يعني؟

"السايكلوب" في الأساطير اليونانية هو وحش اسطوري بعين واحدة يأكل البشر، وله حكاية مع "يوليسيس"، حين حبسه والبحارة الذين معه في كهف يأكل منهم واحداً كل يوم، حتى استطاع يوليسيس كثير الحيل، أن يصنع له النبيذ مما يحضره "السايكلوب" من الغابة من عنب، وسقاه، فأحسّ بالانبساط، وسأله عن اسمه فقال: "لا أحد"، ثم حين استبد به السكر، فقأ "يوليسيس" عينه بالرمح وهرب وخرج "السايكلوب" وراءهم يصرخ، وانضم إليه زملاؤه يسألونه من فقأ عينه الوحيدة فيقول لا أحد، وهرب "يوليسيس"... لدي إحساس بالنهايات السيئة لما حولي. لدي أمل في النجاة. أما محبو الروايات الأدبية كثير جداً، منهم قراء للتاريخ والأساطير والسينما ويمكن أن يكونوا على دراية بـ"السايكلوب".

- حصلت على جوائز أدبية مهمة مثل جائزة الدولة التقديرية، جائزة كتارا، جائزة الشيخ زايد... هل ترى أنّ تاريخك الأدبي يؤهلك للحصول على جائزة نوبل مثل الأديب نجيب محفوظ؟

كثير من الكتاب العرب يستحقّون جائزة نوبل، ونجيب محفوظ حصل عليها منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم تأتِ لأحد من العالم العربي. نوبل جائزة تحكمها اعتبارات غير مفهومة. وذات مرة سألني أحد هذا السؤال، فقلت له ما أتمناه هو عندما أخرج من البيت أن أجد الشوارع نظيفة والحركة سهلة، فأذهب إلى موعدي وأعود إلى البيت في موعدي أيضاً. 

- كتبت شعراً منثوراً في روايتي "طيور العنبر" و"الإسكندرية في غيمة". لماذا لم نقرأ ديوان شعر لك حتى الآن؟

أحبّ الشعر والمسرح والسينما، لكني لم أكتب الشعر، لأنّ في الرواية شخصية شاعر، وهو يكاد يكون البطل الرئيسي، فحاولت التعبير عنه، وشجّعني أنّني نشرت منذ زمن قصيدتين من شعر النثر وقراءتي للشعر والشعراء الكبار عبر تاريخ الأدب، لكن القصة والرواية هما انجازي. واذا كنت نشرت قصيدتين يوماً، فقد كانت شطحة لم تتكرر. الكاتب يستطيع أن يكتب ما يشاء، المهم هو الصدق الفني.

- في رأيك، مَن يؤثر فعلياً في الآخر، الأدب أم الواقع السياسي؟

الواقع السياسي وغير سياسي هو الذي يؤثر. الروايات تصنع إنساناً سوياً ولا تصنع الثورات. الثورات تصنعها الظروف والنشاط السياسي، لكن الرواية تصنع انساناً يدرك ما حوله وقد يشعر انه غير ملائم، لكن لا بدّ أن يصاحب ذلك نشاط سياسي كبير. فمن قالوا إنّ رواية "كوخ العم توم" كانت وراء الحرب الأهلية الأميركية وتحرير العبيد لم يكونوا على حق. لقد كانت وراءها رغبة الشمال الأميركي في خيرات الجنوب وحركات كثيرة من الهروب للعبيد إلى الشمال وجماعات سياسية تنادي بالمساواة، ومَن قالوا إنّ رواية "الأم" لمكسيم جوركي كانت وراء الثورة البلشفية عام 1917 في روسيا ليسوا على حق. كان وراء الثورة نضال كبير للشيوعيين والتروتسكيين وهكذا... الرواية والفن عموما يصنعان إنساناً سوياً، أما السياسية فلا تؤثر فيها إلا السياسية بأشكالها.

- نسمع عن طقوس خاصة للكتابة... ما هي طقوسك؟

طقوسي بسيطة جداً. لم تتغيّر منذ زمن بعيد، وهي الكتابة ليلاً على أضواء بيضاء وعلى صوت الموسيقى الكلاسيكية، التي تحملني إلى الفضاء، لا أكثر. أحب أن أكتب بعد منتصف الليل والكل نائمون حولي وفي الخارج. أشعر أني وحدي في الكون، خلقني الله الآن. بين ذلك، يمكن أن اشرب فنجان قهوة أو كوباً من الشاي، ويا للأسف، السجائر لا تفارقني، كل ما تغير هو أنّني كنت أكتب بالقلم، فصرت أكتب على اللابتوب، ولهذا أيضا جماله الذي كنت لا أعرفه.

- مع فرض حظر التجوّل بسبب كورونا في الفترة الماضية... هل اختلفت أجواء الكتابة عن الأيام العادية؟

بالنسبة لي لم تتغيّر كثيراً، فالبيت هو ملاذي. لم أعد أخرج كثيراً كما كنت سابقاً، وقد استغليت الوقت بالقراءة والكتابة. بين حين وآخر يزورني صديق يقطع هذه الخلوة التي نصفها اضطراري، لكن الميديا عموما قرّبت المسافات فأنا أقابل من أشاء عبر وسائل التواصل، ولا زلت أكتب ليلاً. هذا الوقت زاد أيضاً الفرصة للقراءة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم