الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ماكرون وضعنا أمام المرآة الفاضحة عيوبنا

المصدر: النهار
غسان حجار
غسان حجار @ghassanhajjar
ماكرون في بيروت
ماكرون في بيروت
A+ A-

شكراً لفرنسا أمّنا الحنون لانها مدّت يدها الينا في ساعة الشدة، خصوصا انها تعلم اكثر من غيرها ان لا قدرة لنا على حلحلة امورنا العالقة منذ زمن، من دون تدخّل خارجي. يعلم الرئيس ايمانويل ماكرون جيداً ان لبنان لم يحكم من داخله عبر الزمن، فالمؤثرات الخارجية والاتفاقات او الصراعات الاقليمية، كانت على الدوام تحدد مساره، وتتسبب له بالحروب التي تنفجر في الداخل، لكنها كانت صدى للاقليم.

شكراً فرنسا لانها جاءت في التوقيت المناسب لـ"تلمّ" البلد الذي انفرط عقده، مع انفجار المرفأ، الذي عرّى الطبقة السياسية العارية اصلاً، وكشف بشكل فاضح سوء ادارتها البلاد، وتناتشها السلطة والمواقع والمكاسب.

لكن تدخّل فرنسا بما له من حسنات، ليس وليد حسن نية وحب للبنان، بل انه ايضا ترجمة للصراع الدائر في المنطقة وحولها، وتحديدا حول الغاز والنفط وثروات اخرى، اضافة الى حسابات استراتيجية في حوض المتوسط.

والتدخل الفرنسي الذي اعاد إحياء الامل لدى كثيرين من اللبنانيين، بعدما احبطهم الطاقم السياسي اللبناني الذي بات يخاف شعبه، بحيث لم يجرؤ مسؤول على تفقّد الناس المتضررين في شوارع بيروت، هذا التدخل كشف ضحالة الوطن اللبناني، كيانا ومسؤولين.

فالرئيس الفرنسي استأجر البلد يومين. كان هو الحدث. وكان هو السلطة، كان الرؤساء الثلاثة معاً. وكان اجهزة الامن والاغاثة. ظهر المسؤولون اللبنانيون معه، من دون استثناء، صغارا، وبلا خبرة، وبلا جرأة، وبلا حضور.

استدعى رؤساء الكتل النيابية والاحزاب الى سفارة بلاده. اعطاهم دروساً في الاخلاق الوطنية، وابلغهم انه عائد بعد ثلاثة اشهر ليحاسبهم، وزوَّدهم التعليمات اللازمة لتأليف الحكومة، والمضي في الخطة الاصلاحية التي رسم بنودها، كما حدد البيان الوزاري لحكومة قد يكون سمّى رئيسها وربما وزراءها.

هددهم بالعقوبات وفق "لوفيغارو"، وسارع كل منهم الى عرض خططه الاصلاحية ومشاريعه ورؤيته الى المرحلة المقبلة. قدّموا اليه اوراق اعتماد. كانوا يقدمون اوراقاً مماثلة في عنجر، مع الفارق الكبير في الشخصية والدور والثقل والإرث.

فرنسا أمّنا الحنون التي يتوق كثيرون الى زمن انتدابها لبنان، وقد يتمنى البعض العودة الى ذلك الزمن، لا من باب العمالة والارتهان، كما التهم السائدة والسخيفة، وانما من حرقة القلب واللوعة على وطن لم يكتفِ سياسيوه بسرقته، واغراقه في الصراعات، بل وصلوا حد احراقه.

فرنسا التي نرغب في الهجرة اليها، وفي التعلم في جامعاتها، وفي احتساء نبيذها، وتذوّق اجبانها، هي نفسها المنقذة لنا في ساعات شدة كثيرة، فهي المبادرة الى باريس 1 وباريس 2 وباريس 3 وسان كلو وسيدر. هي نفسها التي وقفت الى جانب لبنان في تصديه للهيمنة السورية، وها هي نفسها اليوم، تستغل ضعفنا، فتأتي بسرب طائراتها يحلّق في اجوائنا، وترسو عندنا حاملة طائرات لا مبرر لوجودها في مرفأ مدمر، وتحضر اجهزتها تصول وتجول، في ظل استئذان شكلي، وترحيب رسمي، ورضى شمل كل الاطراف.

شكراً للرئيس ماكرون لانه وضعنا امام المرآة الفاضحة عيوبنا.

[email protected] / Twitter:@ghassanhajjar

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم