هل من رابح وخاسر فعلا في "صفقة التسوية الخفية"؟

هل يمكن من الآن الحديث عن رابحين بدأوا في جني ثمار ربحهم من جراء "التسوية" التي نسجت خيوطها بفعل سيف الضغوط الفرنسي القاطع الذي اشهر منذ الرحلة الاولى للرئيس الفرنسية ايمانويل ماكرون الى بيروت في 6 آب الماضي، واكتملت فصولها برحلته الثانية أخيرا.

واستطرادا، هل يمكن الاشارة الى أطراف خاسرين، تبددت آمالهم وخابت توقعاتهم، فذهبوا في رحلة تشهير على ما جرى واعتراض على ما تم حتى الان؟

ثمة من يدعو الى عدم الاستعجال والتكهن ومن ثم وضع استنتاجات يبنى عليها في قابل الأيام، فرحلة الألف ميل التي تحتاجها عملية الانقاذ للوضع اللبناني ما برحت في خطوتها الأولى، فما هي إلا عبارة عن بضع تصريحات وتلويح بعقوبات وعمليات تأديب وتأنيب أطلقها ماكرون الجائل في مناطق لبنانية عدة، مقرونة بوعود بالاسناد والدعم المفتوح وخلال مهلة محدودة لا تتعدى الثلاثة أشهر، اذا ما التزمت أركان الطبقة السياسية بتأدية "الفروض" المطلوبة منهم والانصياع إلى شروط وتدابير باتت أوضح من الشمس رابعة نهار في يوم صيفي.

لكن ذلك الاستنتاج على بلاغته، لا يسقط من حسابات الحاسبين بدقة، أن التطورات والتداعيات المتتالية منذ 4 آب المنصرم الى الأمس القريب، وما تخللها من حضور فرنسي غير مسبوق، وصل وفق تحليل البعض الى حد فرض وصاية ورعاية مفتوحة زمنيا، قد أنتجت حاصدين لثمار إيجابية لم تكن في حساباتهم، وأفرحت من لم يكتموا شعورا بالخيبة.

بالجملة، يبدو الرابحون ثلاث قوى ، والخاسرون ثلاث، وقوة واحدة تتأرجح بين بين، ولكنها تخرج ضمنا بـ"التعادل".

الدائرون في فلك "حزب الله" ومحوره، يدرجون أنفسهم في مقدم الرابحين بل والحاصدين لـ"جوائز" لم يكن يحلم بها، وأبرزها تصريحات ماكرون المتتالية بحقه والتي تمخضت عن:

أعطته إطاره السياسي فهو منتخب وله تمثيل قوي.

وضعته في خانة المستعدين للتجاوب أكثر من غيرهم مع الاصلاح المنشود.

وقبل ذلك وضعت حدا للكلام والنقاش عن سلاحه عندما رد ماكرون على المتسائلين عن هذا السلاح بأن الألوية الآن هي لغير ذلك.

وعليه، هناك من يرى ان ماكرون، أقر بدور الحزب وبضرورة الانفتاح عليه، فدخل الى "التسوية" من بابها الحقيقي، وبالطبع ثمة من في الحزب من يتحدث عن "لائحة مكاسب" أطول ستظهر تباعا، بالمقابل إن في صفوف خصوم الحزب من يروج لسؤال تشكيكي عن فداحة الثمن المفروض أن يدفعه الحزب لقاء هذا الموقف الانعطافي الفرنسي، وعما اذا كان استيعابا مستقبليا له وسعيا حثيثا لـ"لبننة" دوره عبر كبح جماح تطلعاته الاقليمية، وهو الشعار الذي طالما رفعه هذا الخصوم في السابق؟ أم هو قبول الحزب بعدم التمثل بالحكومة المقبلة والنزول عند مطلب حكومة التكنوقراط التي تخلو من تمثيل سياسي؟

الرابح الثاني هو العهد و"التيار الوطني الحر" فكلاهما يبدوان وكأنهما قد خرجا للتو من "حصار سياسي" أحكم عليهما منذ فترة بعيدة، وتحديدا بعد انطلاق الحراك الشعبي في تشرين الاول الماضي، لدرجة ان بعض من هم في سدة القيادة في التيار البرتقالي قد اندفعوا لاحقا الى الاقرار بـ"أننا أخفضنا في قيادة المرحلة السابقة ولم نكن على قدر وعودنا وآمال الاخرين علينا.

وعليه، فإن في التيار عينه من يرى ضمنا بأن المبادرة الفرنسية بكل ما انطوت عليه هي بمثابة فرصة ذهبية للتيار لاستعادة دوره المفقود، ويتعين علينا تلقفها والسير بها على هدي الاستفادة من أخطاء المرحلة الماضية.

ويرى هؤلاء أيضا بأن التيار قد بات أمام تحد وجودي، وعليه أن يكون لديه جرأة المنازلة والمواجهة، لكي يستعيد التيار موقعه .

وحدهم المحيطون برئيس مجلس النواب نبيه بري يتحفظون عن تشكيك الآخرين عما اذا كانوا يدرجون أنفسهم في خانة الرابحين او الخاسرين، فالوقت بالنسبة لهم ليس وقت المقايسة والمفاضلة وتعيين الرابح والخاسر، ما دام أن ثمة حكومة جديدة ستولد قريبا لتملأ الفراغ الحاصل، وما دام ان ثمة تسوية تتقدم لتفرض لاحقا إصلاحا حقيقيا تحتاجه البلاد.

لكن هذا الجواب لا يخفي أن بري كان من أكثر المتحمسين لعودة الرئيس سعد الحريري الى الرئاسة الثانية مع ما يعنيه ذلك من تكريس لمعادلات ووقائع معلومة، وأن التجارب قد أظهرت أن سيد عين التينة لم يتقبل سابقا بسلاسة فكرة التعايش مع رؤساء حكومات هبطت أسماؤهم فجأة وكانوا من خارج كل الحسابات السياسية التقليدية في لعبة التكليف والتأليف، فضلا عن أن شعورا بعدم الارتياح ينتاب المحيطين بصرح الرئاسة الثانية من سيل الاتهامات المتتالية من بعض الداخل ومن الرئيس الفرنسي نفسه في حق النخبة السياسية المحاصرة بأكثر من شبهة، والمقرونة بالدعوات الى تغييرها او اخراجها من اللعبة.

ثمة من يدرج حزب "القوات اللبنانية" في مقدم معسكر الخاسرين، فرياح الامور سارت تماما خلاف لما يرفعه من شعارات معلومة وخصوصا في موضوع "ملاحقة" "حزب الله" وسلاحه والسير في انتخابات نيابية مبكرة، تفضي الى نتائج تكرس رئيسه "الزعيم المسيحي الاول" بناء على ما بلغه من احصاءات واستبيانات رأي تظهر تدهور شعبية خصمه الالد أي التيار العوني.

وفي المشهد عينه، ثمة من يرى أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد ولج أخيرا كعادته عند كل صدمة مرحلة اعادة النظر في كل حساباته وأوراقه، فهو وان بادر الى تسمية الاكثرية للتأليف خلافا لكل التوقعات، الا أنه عاد الى لعبة الالتباس والغموض في موضوع المشاركة في الحكومة المقبلة. وهو بهذا يترك الباب مفتوحا امام الاحتمالين، فاذا شارك يكون قد قرر الانضواء في التسوية، واذا لم يشارك فإنه يكون قد سلف "طرفين خارجيين" مع ادراكه ان امر التأليف سيكون ماشيا به أو من دونه.

ويبقى أين هو موقع الرئيس سعد الحريري من هذه الجردة، وفي أي كفة يمكن وضعه؟

ثمة من يقول بأن الرجل قد أمن بسلوكه الاخير فرصة مضمونة لعودته بعد فترة الى سدة الرئاسة الثالثة، في مقابل "الانخراط" في تسوية قد تبعده عن خيارات سابقة، ولكنها تؤكد اصراره الضمني على المضي في توجهاته التي كان أفصح عنها سابقا.