إنفجار بيروت يفاقم الانكماش والكلفة الاولية تتخطى 5 مليارات دولار كومار جاه لـ" النهار": دعوة للاستيقاظ والعمل على تغيير مؤسسي واقتصادي

موريس متى

إستنفار دولي وعربي لمساندة لبنان في مواجهة محنته والمساهمة في إعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ في 4 آب الفائت. وقد تفاوتت تقديرات الخسائر المباشرة وغير المباشرة للكارثة التي حلّت بالعاصمة وأودت بحياة أكثر من 180 شخص وما يقارب الـ 7000 جريح، كما شرد الانفجار نحو 300 ألف نسمة. 

في أحد تقاريرها أشارت منظمة "أوكسفام" الى ان المبلغ المطلوب لإصلاح الأضرار التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت يقارب الـ 5 مليارات دولار إنطلاقا من تقويم أعدته شركة "بي دبليو سي" للتدقيق المالي أشار الى تدمير ما بين 30 و40 مبنى، و3400 مبنى غير قابلة للسكن، كما طاولت الأضرار نحو 40 ألف مبنى آخر. واعتبرت "أوكسفام" أن انفجار بيروت "كشف أكثر من أي وقت مضى مدى هشاشة الاقتصاد اللبناني، فيما ستلعب هذه الكارثة دورا في زيادة اللامساواة في لبنان الذي تقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكانه يعيشون تحت خط الفقر".  

"الإسكوا" تحذر... 

لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" قالت في أحدث دراساتها ان لبنان "يعتمد بقوة على الواردات الغذائيّة لتأمين حاجات سكانه. وبعد الانفجار الهائل الذي دمّر جزءًا كبيرًا من مرفأ بيروت، المنفذ الرئيسي لدخول البضائع إلى البلد؛ وانهيار قيمة عملته بمقدار 78%؛ وتدابير الإقفال التي اتُخذت لاحتواء جائحة كوفيد-19؛ والارتفاع الحاد في معدلات الفقر والبطالة؛ قد يتعذّر على نصف السكان الوصول إلى حاجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام". وبحسب الدراسة، أدّى انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة إلى تضخّم كبير، من المتوقع أن يتجاوز متوسطه السنوي 50% عام 2020 بعدما كان 2.9% العام الماضي. وفي تموز 2020، ارتفع متوسط سعر المنتجات الغذائية بنسبة 141% مقارنة بما كان عليه في تموز 2019. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الأغذية ارتفاعًا طفيفًا على إثر ارتفاع تكاليف معاملات استيرادها بعد انفجار المرفأ، وانعدام الثقة في إدارة عمليات تأمينها وإتاحتها، ما قد يزيد من الشراء بدافع الذعر". أمام هذا الواقع، دعَت الأمينة التنفيذية لـ"الإسكوا" رلى دشتي الحكومة اللبنانيّة إلى "إعطاء الأولوية لإعادة بناء اهراءات الحبوب في مرفأ بيروت باعتبارها أساسية للأمن الغذائي الوطني، وإعادة تأهيل مستودع الأدوية المركزي، وضمان إمداد الفئات الأكثر عرضة للمخاطر بالأدوية الأساسية واللقاحات". 

تقويم البنك الدولي 

أما أحدث تقويم للأضرار والحاجات بعد الانفجار فكان للبنك الدولي مفنداً الآثار الاقتصادية الرئيسية الثلاثة للانفجار والتي تمثلت في:

- الخسائر التي لحقت بالنشاط الاقتصادي من جراء تدمير رأس المال المادي. 

- تعطل الحركة التجارية. 

- الخسائر في إيرادات الموازنة العامة. 

التقديرات الاولية للأضرار التي لحقت بالأصول المادية راوحت قيمتها ما بين 3.8 و4.6 مليارات دولار، في حين قُدرت الخسائر متضمنةً التغيرات في التدفقات الاقتصادية نتيجة انخفاض ناتج القطاعات الاقتصادية بما يراوح ما بين 2.9 و3.5 مليارات دولار. وأكثر القطاعات تضرراً كانا قطاعَي الإسكان والنقل والموجودات الثقافية الملموسة وغير الملموسة، بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية، والمعالم الوطنية، والمسارح، ودور المحفوظات، والمكتبات، والآثار. وتُقدر حاجات إعادة إعمار القطاع العام وتعافيه، لهذا العام والعام المقبل، بما يراوح ما بين 1.8 و2.2 مليار دولار، حيث ينبغي توفير ما بين 605 و760 مليون دولار حتى شهر كانون الأول 2020، ومن 1.18 إلى 1.46 مليار دولار على المدى القصير لعام 2021. وتُعد حاجات قطاع النقل الأعلى بين سائر القطاعات، يليه الإرث الثقافي والإسكان. 

في هذا السياق يقول المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه لـ" النهار": "لقد دفع اللبنانيون، وبخاصة الفقراء منهم والفئات الأكثر ضعفاً، ثمناً باهظاً نتيجة الأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان، ومن هنا يجب أن يُنظر إلى الانفجار المأسوي الذي عصف ببيروت على أنه بمثابة دعوة للاستيقاظ والعمل فورا من أجل تغيير مؤسسي واقتصادي واجتماعي سريع ومنهجي". ومن هنا يرى كومار جاه ان "تقرير مجموعة البنك الدولي يضع تقويماً سريعاً للأضرار والحاجات في بيروت، وقد أعده البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. اما الأساس لخريطة طريق للإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار فيعتمد أسس الشمولية والشفافية والمساءلة لإلهام الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا لجميع اللبنانيين وإعادة بناء لبنان بشكل أفضل"، معتبرا ان هذه العملية يجب أن تعتمد نهج "لبنان كله Whole of Lebanon"، الذي يجمع بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجموعات الناشطين ومجموعات النساء والشباب ومراكز الفكر والأوساط الأكاديمية والمجتمع الدولي، حول رؤية مشتركة وأهداف استراتيجية"، مؤكدا ان الوقت قد حان للعمل.

البنك الدولي الذي اكد التزامه والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التزاماً كاملاً العمل معاً، مع لبنان وشعبه، على إعادة بناء لبنان، يضع حاجات شعبه في المقام الأول، ويوصي باتباع نهج "إعادة البناء على نحو أفضل" ضمن إطار من الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار؛ يجمع بين تدخلات تُعطي الأولوية لحاجات الشعب، وخصوصا الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية المعنية باستقرار الاقتصاد الكلي وإدارة الحكم وبيئة تشغيل القطاع الخاص، وضمان الأمن البشري. وينبغي لهذه الإصلاحات أن تمنع الفساد وأن تركز على كسر هيمنة النخبة، التي احتكرت الموارد الخاصة والعامة على السواء، وأدت إلى تفاقم معاناة الشعب اللبناني. ونظراً الى حالة الإفلاس التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطات كافية من النقد الأجنبي، فإن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار الشاملين. ومن شأن تنفيذ لبنان أجندة إصلاحية جديرة بالثقة أن يكون سبيلاً للوصول إلى مساعدات التنمية الدولية وفتح الأبواب أمام مصادر التمويل الخارجية والخاصة. 

حاجات بالملايين

تشمل حاجات التعافي العاجلة في الأشهر الثلاثة المقبلة وحدها ما يراوح بين 35 و40 مليون دولار بهدف:   

تقديم تحويلات نقدية فورية واسعة النطاق. 

تلبية الحاجات الأساسية لـ 90 ألف متضرر. 

خلق وظائف قصيرة الأجل لصالح 15 ألف فرد. 

توفير المأوى للفئات الأشد ضعفاً من الأسر المشردة المنخفضة والمتوسطة الدخل.

إصلاح المساكن التي لحقت بها أضرار طفيفة وجزئية للأسر المنخفضة الدخل. 

وتقدر الحاجات الفورية للإسكان بما يراوح من 30 إلى 35 مليون دولار، بينما تراوح الحاجات على المدى القصير لعام 2021 من 190 إلى 230 مليون دولار. اضافة إلى ذلك، ينبغي على الفور تقديم دعم مالي ما بين 225 إلى 275 مليون دولار لاستعادة خدمات 5200 شركة صغرى، و4800 شركة صغيرة توظف الآلاف من اللبنانيين. وهذه المنح والقروض الميسرة التي تستهدف تعافي مؤسسات الأعمال، تغطي حاجات إعادة الإعمار، والمعدات، ورأس المال العامل، ليتسنى إعادة فتح الأنشطة، والحفاظ على قوة العمل. ويعتبر البنك الدولي ان كارثة إنفجار بيروت لن تفاقم الانكماش في النشاط الاقتصادي فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى تفاقم معدلات الفقر، التي كانت تبلغ 45% قبيل الانفجار. فلبنان حتى قبل الانفجار، كان يواجه أزمات مضاعفة، حيث كانت توقعات ما قبل الانفجار تشير إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي عام 2020 نمواً سلبياً بنسبة تزيد على 10%، مدفوعاً بالتأثيرات غير المباشرة للصراع في سوريا، حيث لا يزال لبنان يستضيف أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنة بعدد السكان؛ في ظل معاناته من أزمة مالية واقتصادية تنطوي على ضعف أداء القطاع المالي، فضلاً عن أزمة العملة، ومعدلات تضخم شديدة الارتفاع، وعجز القطاع العام عن سداد الديون؛ والتأثيرات الناجمة عن جائحة كورونا. 

 

Maurice.matta@annahar.com.lb

Twitter: @mauricematta