الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تصويب المسدّس نحو صمتنا لننفجر بأناقة

المصدر: "النهار"
انفجارنا الصامت (لوحة لرياض الشعار).
انفجارنا الصامت (لوحة لرياض الشعار).
A+ A-
 
كتب نبيل مملوك

 

"نبيل انت ما بتطلّع على المراية بس تضهر؟" قالها لي زميلي خلال دوامنا المدرسيّ، نصيحة نظريّة منه كأستاذ للرياضيات إلى استاذ يجبل العاطفة والقواعد كخلطة تسمى "اللغة العربية" لم يكن يقصد "م" التحديق في شكلي أو هندامي... كان يصرخ مع روحي ويدعوني للحديث مع نفسي بعد اكثر من 23 عامًا من تجاهلها...
 
فعلاً كان عليّ ان أجرّب تطبيق هذه النظرية على الرغم من أنّ استنتاجاتي ستكون مضحكة وخلاصاتي ستزج في خانة "المبالغة" لكن فليكن... كل ما علينا فعله هو تصويب المسدس نحو صمتنا لننفجر بأناقة.
 
حين حدّقت في وجهي، ارتطم نظري فورًا بالأرض، ليست أزمة ثقة، ليست أزمة مع ملامح محارب شارف على بلوغ الربع قرن من حياته بل هي كما قال لي احد المعالجين النفسيين (بتصرف) "تعطشًا للمشاعر ...الانحناء النظري هو ركوض نحو الاحاسيس" كنت أرقب نفسي منحنيًا نحو مشاعر ضاعت مني ....كالمكتوب منحت لي بأجمل طبق، بخط امرأة "طفلة" شعرها ينافس الليل طولاً وضحكتها تحبو على أرض قاحلة لتثمر بعد سماعها اصرارا وأمانًا... لن أغوص في ذاكرتي العاطفية لكوني أحارب ذاتي، أحارب الماضي، اتناسى شخصي العنيف مع طفلة عشرينية كانت تحاول أن تلمس مني أبوّة قبل الحب والاهتمام... والوقت ليس متاحًا للندم ولتقبل العزاء... بل للاستمرار في التحديق بالمرآة الصرح الذي أعادني وحيدًا لممارسة النقد الذاتي.
 
لفتني أن شعري بدأ يشيب، بضع خصلات جعلتني ابتسم، واحدة ذكرتني بشيب صلاح قابيل (شيب الغرّة) واخرى على الجانب الأيمن من رأسي الذي يحمل كستنائية شعري وسيحمل موت اللون فيه، ابتسمتُ وتابعت النظر مليّاً ابحث عن روح "الكبر " في خصلات هذه اللوحة كأنني مغامر اهوى الثلج على رغم ان المغامرة لا تتبنى عقيدة السلام...حدقتُ مليّاً متمسكًا بما قلته ل (ر) عن أن الشيب جعلنا نكبر على نسج الحماقات العاطفية والاستغلالية تجاه بعضنا البعض...تجاهلت العامل الوراثي ركزت على الأنا الراغبة بأن تبلغ الخمسين... العمر المناسب لسقوط الانفعال من على شرفة الدهر... العمر الذي ارتدته روحي هذا العام كعباءة تنصبني "شيخًا" من مشايخ الصامدين على قمم التجارب والمتعطشين لها...النظر في ملامح وجهي كلها سوى عينيّ كان يثير عندي تساؤلاً، هل هو هروب، او استمرار للصوم عن تذوق دموع معاناة اضخمها بشاعريتي وأبرزها كضحيّة توّاقة للمستها...لمسة الـ "ما بحب انبخع بشخص عندي أمل في"..؟ خذلتها وعجزت طوال احتضاني وجلدي لها عن رسمها بفحم التقدير، خسرتها وها انا استطرد في مادتي متحدثًا عني وعنها بدلاً من الالتفات إلى الـ "أنا"، وها انا ذا اتجاهل المرآة والنص المكتوب على زجاجها في ذاك الصباح، افكّر بترك الغرفة وترك المرآة التي جعلتني أرى أثر الوجع كالصفعة مرتاحاً على خدّي. أرى المدينة كلها فارغة رغم انها لم تطأها بحضوري الا مرة، صرت اكره البحر أكثر لأنه شيّع لحظاتي معها بملوحة لا بأس بها....صرتُ متشوقًا للشيب علّني أجد في امرأة ما طفلة تتقبّل الشبح الجميل في انطباعاتي وطباعي.
أعلم أن الوطن اليوم كحالي وأسوأ، يعاني من أزمة النظر الى المرآة، أعلم أني توأمه، لكنه بلا غرفة ولا مرآة تحرك فكّ عاصمته كما حركت فك قلمي ليبوح بما أبوحه. قد يقرأ القليل منكم هذه المادة لكون الوجع الذاتي خرج من معاجم "الترند" مع بداية 2020 ...لكن ما زلتُ مؤمنًا اني سأنظر الى نفسي الى المرآة بأمل أكبر، سأنتزع مظلة الجمود من بين أصابع الزمن... سأجعل الساعات تساعدني في استئناف الثورة على قديمي تمامًا كما فعلت 17 تشرين بوطن فجّروا مقامات جسده فقط لانه صرخ بما هو جديد.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم