الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في ذكرى مئوية لبنان: مشاعر الحزن والغضب عند ناديا تويني وفينوس خوري غاتا وأندريه شديد

المصدر: النهار
ناديا تويني
ناديا تويني
A+ A-

لم يسلم اللبنانيون اليوم من مخاض عسير يعيشونه رغماً عنهم منذ سبعينات القرن الماضي، ووصلوا الى ذروة اختبار الموت في كارثة مرفأ بيروت. 
في هذه المحطة، وقفة خاصة مع الشعر، من دون تاء التأنيث، الشعر للإنسان. لِمَ الشعر؟ لأنه دواء للروح، ونواة للحلم حتى في اليقظة... 
ما الجامع بين الشاعرات ناديا تويني، فينوس خوري غاتا وأندريه شديد؟ النقطة المشتركة هي أن كلاً منهن إستشرفت حاضرنا من بوابة الماضي، الذي عاشته كل واحدة منهن، إضافة الى أنهن اعتمدن الفرنسية وسيلة للتعبير عن الأنا الإنسانية والكونية.  
إنطلاقاً من ذلك، خصّت الأستاذة الجامعية الدكتورة زهية درويش جبور النص بنص حمل عنوان أمل 
«من قلب الظلمة نبتدع الضوء»:    
في الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، يجد اللبنانيون أنفسهم في مواجهة حقيقة مفجعة: فشلهم في بناء الدولة. وقد أتى الإنفجار الهائل الذي دمّر عاصمتهم وتسبب بمقتل مئات الضحايا وجرح الآلاف، ليزيد من إحساسهم بالفجيعة ويعمّق شعورهم باليأس وبانسداد الأفق، كل ذلك في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية، وبعد ثورة 17 تشرين التي أسقطت القناع عن شراسة النظام الطائفي الذي ينجح في إفشال كل محاولة لبناء دولة المواطنة والحقوق. 
لكن وسط هذه العتمة لا بدّ من تسجيل نقاط ضوء عديدة تتمثل في حيوية المجتمع المدني، وفي الوعي المتزايد لدى الشابات والشبان المطالبين بالتغيير وببناء وطن على مستوى طموحاتهم، والذين اندفعوا لإغاثة مواطنيهم أثناء الكارثة فيما تخلفت الدولة عن القيام بواجباتها. واللافت في كل ذلك هو مشاركة المرأة الفاعلة سواء في الثورة حيث واجهت بكل شجاعة أعمال القمع ورفعت الصوت للمطالبة بالحقوق المشروعة للمواطنين، أو أثناء الكارثة حيث لم تتوانَ عن القيام بأعمال الإغاثة وإزالة الردم من الشوارع، أو على الصعيد الإعلامي من خلال القيام بالتغطية المباشرة للأحداث وغالباً ما كانت تواجه الخطر.
الواقع أننا أمام جيل جديد من النساء أسس لظهوره جيل ولد في ثلاثينات القرن المنصرم، أي بُعيد إعلان دولة لبنان الكبير، وتزامنت نشأته مع قيام دولة الإستقلال، وتبلور وعيه منذ منتصف الخمسينات وفي الستينات، وهي الفترة التي أكدت فيها المرأة حضورها على الساحات كافة، وعلى الساحة الأدبية خصوصاً، ملتزمة قضايا المجتمع والإنسان بصورة عامة. فلمعت أسماء أديبات كبار أثرين بإبداعاتهن الأدب العربي، وبعضهن ممن اخترن الكتابة بالفرنسية، رفعن إسم لبنان عالياً في الساحات الثقافية الفرنكوفونية. نذكر في هذا المجال ناديا تويني، وفينوس غاتا خوري، وأندره شديد، اللواتي نجحن في كسر الصورة النمطية للكتابة النسائية وأعلنّ ولادة امرأة جديدة في الأدب تطرح على نفسها الأسئلة الكبرى وتتخذ من الكتابة وسيلة لتعميق وعي الإنسان لحاضره ولتجاوز الواقع واستلهام المستقبل.
ولعل استعراض بعض المحطات في مسيرة ناديا تويني الإبداعية يكفي للبرهان على ذلك. لكن لا بد من الإشارة بداية إلى ظاهرة لافتة هي غياب علامة التأنيث حين تتحدث الشاعرة بلغة الأنا. ويعود ذلك الى قناعة لديها بأن الأنا الكاتبة ليست بالضرورة الأنا الخاصة الواضحة المعالم، بل هي أنا أخرى مجهولة تكشف عن حقيقتها في الكتابة ولا تتحدد هويتها من خلال التأنيث.  
في مواجهة النكبة العربية عام 1967 لم تستسلم ناديا تويني لمشاعر الحزن والخيبة ولم تنطوِ على ذاتها لتكتب القصيدة الغنائية بل أعلنت ثورتها على النظام العربي الذي أدى بتخاذله الى سقوط القدس، فأصدرت "حزيران والكافرات"، الديوان الذي يشي عنوانه بمضمونه. ولم تقف عاجزة أمام عنف الحرب الأهلية التي عصفت بالوطن سنة 1975 ومزقت جسد العاصمة، فأعلنت من قلب الدمار إيمانها بالقيامة، وواجهت الحرب بسلاح القلم فوثّقتها شعرياً في ديوان "مذكرات عاطفية لحرب في لبنان" حيث قدمت لوحات دامية لمدينة مشوّهة الوجه، ووطن مقتول، وشعب تحول الى جماعات متناحرة تحركّها العصبيات الحزبية والطائفية والإيديولوجية. وغايتها من كل ذلك تسليط الضوء على بشاعة الحرب، من جهة، والكشف عن دوافعها وأسبابها، من جهة أخرى، وذلك لتجاوزها وأخذ العبر. على خطٍ موازٍ وتزامناً مع ديوان "مذكرات عاطفية لحرب في لبنان"، وفي فعل مقاومة حقيقية أصدرت "لبنان: عشرون قصيدة من أجل حب"، كي تترسخ في ذاكرة الأجيال القادمة صورة لبنان الجمال، أرض التنوع ووطن الإنسان.
كذلك فعلت أندره شديد الروائية والكاتبة المسرحية والشاعرة التي صوّرت الحرب وأعلنت رفضها للعنف في ديوانها الشهير: "احتفالية العنف" وقدمت في رواية "الطفل المتعدد" ومن خلال بطل الرواية عمر-جو نموذجاً رائعاً للهوية المركّبة المنتصرة على التقوقع والتعصب والتي تؤسس لحضارة إنسانية قائمة على المصالحة والانسجام.
ولعل نظرة سريعة على نتاج فينوس غاتا خوري سواء الروائي أو الشعري، تظهر الحيز المهم الذي تحتله كتابة الحرب وآثارها المدمرة على المجتمع والإنسان. فالمنفى الباريسي الذي تعيشه هذه الأديبة منذ السبعينات ما زادها إلا التصاقاً بوطنها الأم تشارك آلام شعبه، وتعيش مشكلاته، وتعبّر عنها بلغة عربية مكتوبة بالفرنسية، كما يحلو لها أن تردد في أكثر من مناسبة.
إن استعراض هذه المحطات المضيئة في مسيرة الإبداع اللبناني في هذه اللحظة المأسوية الراهنة حيث نستشعر أن الوطن مهدد كياناً وفكرةً ودولة، ما هو إلا لنستمد من الماضي قوة ندق بها على أبواب المستقبل، وثقة بأن النور سيولد من قلب الظلمة. لبنان الرسالة والإبداع باقٍ ما بقي فيه مواطنون أحرار متجذرون بأرضه، متمسكون بالقيم التي بني عليها لبنان الرسالة، صلة الوصل بين شرق وغرب، وواحة للتفاعل والحوار بين الذات والآخر المختلف.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم