السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أنقرة تستدرج أثينا الى الحرب باستفزازات مهينة!

المصدر: النهار
سركيس نعوم
سركيس نعوم
أنقرة تستدرج أثينا الى الحرب باستفزازات مهينة!
أنقرة تستدرج أثينا الى الحرب باستفزازات مهينة!
A+ A-

يلفت المتابعون أنفسهم لأوضاع تركيا من زمان من أبناءها ومن أجانبٍ عربٍ مسلمين وغير مسلمين الى أن الجو بين أنقرة وأثينا لم يكن صافياً دائماً. فتاريخهما حافل بالعداء والحروب وجذوره كانت دائماً مزيجاً من التشدّد القومي والديني. ويشيرون الى أن البحرية اليونانية، وعلى الأرجح قبل التدخل التركي المباشر في ليبيا الذي كان أحد أهدافه المباشرة "الدق" باليونان لاستعادة حقوق وطنية في رأيه، بنزع علم تركيا عن جزيرة صخرية غير مأهولة في المنطقة المتنازع عليها اليوم ورفعت مكانه علم بلادها. احتج الأتراك وكاد ذلك أن يتسبّب باشتباك. لكن تدخل "الأطلسي" وغيره دفع الطرفين الى استخدام لجنة ثنائية تضمهما للاجتماع والتفاوض على تسوية لهذه المشكلة. توقف التوتر لكن المشكلة بقيت من دون حل. فضلاً عن أن انفتاح الدولتين على بعضهما في البدايات الرئاسية لـ"حزب العدالة والتنمية" في حكم تركيا يوم كان أردوغان لا يزال يؤكد لحلفائه "الاخوان المسلمين" المصريين والعرب الراغبين في الوصول الى السلطة في بلادهم بالوسائل المشروعة وغير المشروعة "أن في بلاده حكومةً إسلامية في دولة علمانية"، فضلاً عن أن الانفتاح هذا توقف وبدأ الحذر والخصومة يحلان مكانه تدريجاً. وفي الأسبوعين الماضيين أجرت البحرية التركية مناورات في المنطقة البحرية المتنازع عليها لكن سفنها لم تغادرها، ثم أعلنت أنقرة أنها ستجري مناورات ثانية في المنطقة نفسها. كما أنها تواكب سفن التنقيب عن النفط فيها بجدّية. فهل سيحصل اصطدام؟ المعلومات المتوافرة عند المتابعين أنفسهم تفيد أن أردوغان يريد حرباً عسكرية محدودة مع اليونان يستولي فيها على عدد من جذرها غير المأهولة وربما المأهولة. وتفيد أيضاً أن شعوره الديني الإسلامي المتشدّد والقومي المتطرّف لم يكن وحده دافعه الى طلب تحويل متحف "آيا صوفيا" في اسطنبول مسجداً بعدما كان حوّلها أتاتورك في الثلاثينات من القرن الماضي متحفاً. وهي كانت كنيسة بل الكنيسة الأولى في عاصمة الامبراطورية البيزنطية. كما لم يكن وحده أيضاً دافعه الى تحويل كنيسة مسيحية أخرى بعد وقت قصير مسجداً في المدينة التركية الأولى. وهو قد يُقدم على خطوات "استفزازية" أخرى. دافعه الى ذلك هو استدراج دولة اليونان الى اشتباك عسكري ربما يريده محدوداً لكنه لا يمانع في أن يتسّع بحيث يذلّ اليونان ومؤيّديها الأوروبيين مثلما أذلوا بلاده يوم امتنعوا عن تذليل العقبات الكبيرة أمام انضمامها الى الاتحاد الأوروبي ولأسباب اقتصادية ودينية في آن، ولا سيما بعدما استشرى الإسلام المتطرّف الموسوم بـ"الإرهاب" في العالم كلّه وصار خطراً على دوله الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة ودول أوروبا كلّها بشرقها وغربها. في هذا المجال يشير المتابعون أنفسهم الى احتمال وجود رغبة لديه في "فرك أذن" فرنسا الواقفة ضد طموحه الذي بلغ ليبيا والداعمة خصم حليفه فيها (السرّاج) المسيطر على القسم الشرقي منها (حفتر). 
هل يسمح المجتمع الدولي على تناقض كباره وتنافسهم وخصوماتهم بحرب تركية – يونانية ولا سيما إذا اندفع جرّاء تلكؤه في إظهار دعمه السياسي والعسكري القوي لأثينا بتعرّض الأخيرة الى خسارة وربما الى هزيمة وإن محدودة؟ وهل يقوم أردوغان بمحاولة احتلال جزر مأهولة؟ وهل يتجرّأ على محاولة دخول "البر اليوناني"؟ طبعاً لا أجوبة حاسمة حتى الآن عن هذا النوع من الأسئلة. لكن المنطق التحليلي يفيد أن نجاح الرئيس التركي في القيام بذلك كله سيؤثّر سلباً على حلف شمال الأطلسي وربما يقوّضه. فهل ذلك في مصلحة الأعضاء الأوروبيين الكبار فيه مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما؟ وهل ذلك في مصلحة أميركا أيضاً؟ هو قطعاً ليس في مصلحة أوروبا لكن هل تتجرّأ على المواجهة العسكرية الحاسمة لتركيا في وقت تعتبرها أميركا "قارة عجوزاً"، ويهاجمها رئيسها الحالي ترامب متهماً إياها بالعجز وعدم القيام باللازم لحماية نفسها وممنناً إياها بحاجتها الدائمة الى بلاده ومهدّداً بالتخلّي عنها؟ وهل يقبل الشعب الأميركي، وهو على أبواب انتخابات رئاسية صعبة على رئيسهم الذي يسعى الى التمديد بكل قوّته وغير سهلة على منافسه الديموقراطية بايدن، هزيمة يونانية وإن محدودة؟ وألا يعتبر ذلك الغرب العلماني الذي تنبع سياساته من مصالحه ومن علمانيته لا من مسيحية شعوبه، الى العصبية الدينية وخطر ذلك على العالم كبير؟ وألم يهدّد انتشار التطرّف الإسلامي بمذهبيْه العالم منذ حرب إخراج روسيا من أفغانستان وبعد نشوء تنظيمات متطرّفة كان "القاعدة" أولّها ثم خرجت من رحمه عشرات بل مئات التنظيمات وأهمها "داعش"؟ طبعاً لا أجوبة الآن عن هذه الأسئلة، لكن تركيا تبدو واثقة أن أميركا ترامب على الأقل تقف معها في شكل أو في آخر استناداً الى المتابعين أنفسهم. لكن هل تستطيع أميركا هذه خذلان قيمها المشتركة مع الغرب المسيحي ومع المؤمنين بالعلمانية خارج الغرب الذي تقوده ومعها القومية التي طالما تفوّقت على المشاعر الدينية فيها؟ وماذا لو غادر ترامب البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل؟ 
ماذا عن تركيا ومصر سواء بسبب ليبيا أو بسبب "جماعة الاخوان المسلمين" التي هي السند الأول لها في العالم الإسلامي كما في العالم غير الإسلامي الذي تنتشر فيه؟ ماذا عن سوريا في السياسة التركية؟ ماذا عن أكرادها وأكراد العراق وسوريا؟ بل ماذا عن لبنان الذي بدأت أعلام تركيا تخفق في بعض سمائه؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم