التوافق الداخليّ على برنامج إنقاذيّ... وإلّا خيار الأمم المتحدة

يتخبّط لبنان في مشكلات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية خطيرة وجسيمة تحاصر البلاد، في خضم جائحة تاريخية تتفشّى في مختلف أنحاء العالم. وإضافة إلى الخلل الوظيفي المؤسسي على الصعيد الداخلي، تتعرض البلاد أيضاً لضغوط شديدة من جهات إقليمية ودولية تسعى إلى الدفع بلبنان إلى اللحاق بركب سياساتها واستراتيجياتها في الشرق الأوسط. تطرح هذه المشكلات مجتمعةً تهديداً حقيقياً لوجود البلاد وقابليتها للاستمرار وفقاً للصيغة التي كانت في أساس نشوئها قبل زهاء مئة عام.عانت البلاد من الحرب الأهلية من عام 1975 إلى عام 1992. وقد طلبت الإدارات اللبنانية المتعاقبة، على مدى نحو ثلاثين عاماً، المساعدات المالية والتقنية وحصلت عليها من مانحين ثنائيي ومتعدّدي الطرف في إطار مسعى كان الهدف منه: (1) استئناف تأمين الخدمات العامةالأساسية التي لحق بها دمار واسع خلال 17 عاماً من الحرب الأهلية، و(2) إعادة تأهيل الإدارات العامة والشروع في إجراءات تصحيحية أطول مدى لمعالجة غياب الفاعلية في المؤسسات ومكافحة الفساد الذي ينتشر على نطاق واسع في صفوف الطبقة السياسية.بين عامَي 1992 و2004، شاركتُ شخصياً في جزء كبير من الجهود التي بذلها المانحون الدوليون لمساعدة لبنان على تحديد المشكلات فيهذه المجالات واتخاذ إجراءات تصحيحية محدّدة لمعالجتها. وعملتُ على العديد من برامج المساعدات الدولية، بما في ذلك قيادة فرق المساعدات التي قدّمها البنك الدولي في إطار اتفاقيات القروض لتعزيز الإيرادات وتطوير الإدارة العامة، خلال الفترة الممتدّة من عام 1992 إلى عام 2014 حين تقاعدت عن العمل. وقد اتُّخِذت خطوات ناجحة في هذا الإطار.تقهقر الحوكمةفي أعقاب الحرب الأهلية التي انتهت في عام 1992، تركّز الاهتمام على العديد من المجالات ذات الأولوية، وتحقّقت نجاحات لافتة في هذا الإطار لبضع سنوات. وتشمل هذه المجالات إدارة الجمارك، وإدارة السجل العقاري والأراضي، وإدارة الإيرادات، وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت، وإنشاء وزارة التعليم المهني والتقني، واستحداث منصب وزير التنمية الإدارية. ولكن الفساد السياسي المستشري والتدخلات – ناهيك بغياب الشخصيات...