"القصائد لا تشيخ حين تكتبُها عاشقة"... "النهار" تحاور الشاعرة الفلسطينية الأوسترالية بتول القلا

محمد علي الأسعد- ألمانيا

أنيقة الحرف واثقة الحبر والبياض، ممعنة في الشعر حدّ الهيام، تستحضر في قصائدها روح الأماكن واللقاءات المشغولة بروح الحب ووجدان الشوق.

الشاعرة بتول القلا، فلسطينية من مواليد مدينة نابلس، لكن الغربة حملتها بعيداً من تراب وطنها وزرعتها على ضفاف أوستراليا في غربة تقض مضجع الحنين.  شاعرة متميزة الحرف، لها بصمتها الشعرية الخاصة التي لا يتوه عنها القارئ المتابع لنرجس حرفها. صدر لها عام 2014 ديوان إلكتروني بعنوان "للبنفسج عطر آخر"، كما صدر لها عام 2016  ديوان "بتوليات"، و"حبيبي الذي ما أتى" عام 2019. 

التقت "النهار" بالشاعرة بتول القلا، وكان لنا معها الحوار الآتي:

• لماذا تصرّ الصحافة على أنّ ديوانك "بتوليات" هو أول ديوان لك، برغم صدور ديوانك "للبنفسج عطر آخر" قبله؟

في الحقيقة، إن ديوان للبنفسج عطر آخر، كان تجربة إلكترونية لم تشمّ رائحة الورق، وأول ديوان إصدار ورقي لي هو بتوليّات.

• في ديوانك "بتوليات" قلتِ: هذه القصيدة لن تشيخ إذا كبرت. متى يتقاعد الحرف عندك، أو متى شعرت أن حرفك صار متقاعدا؟

 حرفي لا يموت، سيظل موجوداً حتى بعد مماتي، طالما هناك أناس تقرأ وتتذوّق الشعر. حرف الشاعر لا يشيخ ولا يموت فهو مكتوب بمداد القلب.

• تتميزين بغزارة الإنتاج للقصائد، هل هناك ديوان جديد في الأجواء؟

غزارة الإنتاج لديّ تعتمد على حالتي النفسية وظروفي الخاصة بالدرجة الأولى، ثم الظروف العامة. هناك ديوان في الطريق، قد يتأخر قليلا بسبب الظروف العامة الراهنة.

• قلت في لقاء أنك بدأت بالنشر حين كان عمرك 13 عاماً، ولكنك انقطعت عن كتابة الشعر لمدة 20 سنة، وتأخرت كثيراً حتى جمعت إبداعك، ما السبب؟ 

نعم، انقطعت عن الكتابة لمدة تزيد على عشرين عاماً، مع أني بدأت في سن مبكرة نسبياً. تتعدد الأسباب، لكن أهمها ظروفي الأسرية وهجرتي إلى أوستراليا. كان الشعور بالغربة مريراً والاقتلاع من الجذور أدى إلى صمت الشعر في داخلي، لعله حزني لأني تركت الوطن. محاولة التأقلم مع حياتي الجديدة في أوستراليا والعمل والدراسة شغلتني عن الكتابة وجعلتني أنسى أني أكتب الشعر، بالإضافة إلى الظروف النفسية التي لم تكن مستقرة. البعد الجغرافي سبب أساسي للغياب الثقافي.

• هل أنت مقصّرة بحق نفسك إعلامياً، أم أنّ الإعلام لم ينصفك؟

ربما أكون مقصّرة في حق نفسي، للبعد الجغرافي عن ساحة الشعر العربي ومنابره، برغم ذلك أنا واثقة مما أكتب، وأحبه، ولي جمهور على درجة عالية من الثقافة والتفاعل والاهتمام بالشعر الجيد، وهذا يسعدني وربما يكفيني.

• بحثنا عن مشاركاتك الثقافية أو الشعرية، لكننا لم نجد في سجلك أي مشاركة، هل لنا أن نعرف الأسباب؟

ليست لي مشاركات ثقافية كثيرة، يعود هذا أيضا إلى البعد الجغرافي كما أسلفت وعدم اهتمامي بالأضواء، برغم ذلك، فقد شاركت في مهرجان الشارقة للشعر، وفي مهرجان الأقصر، وفي مهرجان توزر، بلد أبي القاسم الشابي في تونس، وأقيمت لي أمسيتان شعريتان في الأردن أيضاً. كل تلك الأنشطة لم أتحدث عنها لأني أرى أن قصائدي هي الطريق الوحيد الذي أرغب في أن أسير فيه، أنا بالفعل لا أحبّ الأضواء!

• تعيشين في أوستراليا منذ سنين وتحملين "ليسانس" لغة انكليزية، هل جربت ترجمة أعمالك؟

لم أجرب ترجمة قصائدي، مع أني حاصلة على شهادة ترجمة على أعلى مستوى من الحكومة الأوسترالية، أعتقد أنّ الترجمة تُفقد النص كثيراً من أصوليته وجماله وأفضّل البقاء على نصوصي باللغة العربية التي أعشقها.

• هل أثّرت الغربة في أشعارك؟

بالطبع لقد أثرت الغربة في ما أكتب، بخاصة في الفترة الأخيرة، حيث ازداد حنيني إلى الوطن، ولأكون صادقة أكثر، لقد كبر ندمي على مغادرته.

الكتاب الورقي أكثر إمتاعا من الإلكتروني

• من خلال عملك بالمكتبات ومع الأطفال، هل تعتقدين أنّ الورق تقاعد بوجود القراءة الإلكترونية وتطور وسائل التواصل الاجتماعي؟

ما زال الإقبال على قراءة الكتب المطبوعة يلقى إقبالاً من القراء، وبالعكس الكثير من القراء يفضّلون الكتاب الورقي وأنا أوّلهم. أنتمي إلى مدرسة الكتب الورقية وأشجّع الطلاب على قراءتها لما فيها متعة مختلفة. أنت تمسك بيديك كتابا حقيقياً، وليس "أثيريا" كما يحلو لي تسمية الكتب الإلكترونية.

• أصبحت وسائل التواصل منبراً لمن لا منبر له، ولهذا ساد الاستسهال. ما هو تقويمك للقصائد التي تنشر على الـ"فايسبوك"؟

لست ناقدة حتى أقوّم القصائد التي تنشر على "فايسبوك" ولا أملك الصفة التي تؤهّلني لتصنيفها. قصائد "فايسبوك" فيها الغثّ وفيها الجميل، لقد سمح "فايسبوك" للجميع أن يكتب وهم يطلقون على ما يكتبونه شعراً حتى لو لم يكن كذلك. الحكم في النهاية للقارئ والمتذوق.

• هل تعتقدين أنّ جمهورك راضٍ عنك، وبمعنى آخر كيف تُرضين ذائقة الجمهور؟

أعتقد أنّ جمهوري راضٍ عني ويسعدني ذلك. لا أملك ألوف الأصدقاء على "فايسبوك"، انتقيت معظمهم حسب التوافق الفكري وأرى أنهم يتفاعلون معي بصدق. كما أبدى كلّ من حصل على نسخة من دواويني إعجابا بقصائدي. 

"لا وجود للخيانة في قاموسي"

• بين كتاباتك لا وجود للخيانة، والرجل في قصائدك شخص طيب، وهذا إنصاف له، هل ترين الرجل ذاك الملاك؟

ربما كنت أنا الملاك. لم يخطر في بالي رجل خائن، مَن يحب بصدق لا يخون. أرى أنّ العاشق مختلف جميل، ليس بالضرورة أن يكون ملاكاً، وأهم ما يعنيني في الشعر هو الصدق، لأنه في رأيي تعبير عن حالة يمر بها الإنسان، وأنا أتعامل مع قصائدي بمنتهى الصدق والشفافية.

• يقولون دوماً: لا يمكن الشاعر أن يكتب دون قصة حب، هل تعيشين قصص الحب، أم أن كتاباتك من وحي الخيال؟

عشت الحب وأعيشه! إلا أنّ الخيال يلعب دوراً مهما في قصائدي، فالذي لا أستطيع عيشه أتخيله وأسعد به.

هل تعتقدين بوجود أدب رجالي وأدب نسائي، أم أنّ الأدب لا هوية له؟

لا هوية للأدب، قد تنثر الأنوثة أو الرجولة بعضاً من خصائصها على القصيد، لكني ضدّ تسمية أدب نسائي أو ذكوري. أفضّل تسمية أدب وشعر إنساني، أعتقد أنّ هذه التسمية أشمل وأكثر جمالاً. 

هل انتصرت الرواية على الشعر أم أنّ الشعر له مذاق خاص؟

للرواية جمهور عريض قد يكون أكبر من جمهور الشعر. لكي تتذوق الشعر عليك أن تكون إنسانا محباً للجمال، ومن هنا جاء تفوق الشعر على الرواية، في رأيي إن الشعر له جمهوره الخاص والمتميز.

• يغلب البنفسج على أغلفة كتبك، ماهي علاقتك مع هذه الزهرة الجميلة؟

أعشق البنفسج منذ صغري، زهرة رقيقة عطرة وجميلة، كما أنها تذكرني ببيتنا وبأبي رحمه الله وبجدتي، وبجنينة البيت العتيق.

ما زلتُ شرقية رغم الغربة الطويلة

تؤيدين مدرسة الاندماج في المجتمع الأوسترالي، هل ما زلتِ شرقية؟

لم أتمكن من الاندماج بالرغم من مرور واحد وثلاثين عاماً على وجودي هنا. نعم، ما زلت شرقية وأراهن على أنّ شيئاً فيّ لم يتغير.