الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ألم تزهق؟ ألم تزهقي؟

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
ألم تزهق؟ ألم تزهقي؟
ألم تزهق؟ ألم تزهقي؟
A+ A-

- صباح النور. صباح النور. عجبًا، ألم تزهق؟ أنتَ ترشقني بالنور، بالعتمة، بالشعر، بالكلام الذي لا يُسمَع في العادة من رجلٍ معنيٍّ إلى حدٍّ مأسويٍّ بالشأن الوطنيّ. وأنتَ تفعل ذلك، منذ أكثر من سنة، ربّما منذ سنتين. ألم تيأس من كوني امرأةً مضرّجةً بأعباء الحياة اليوميّة، وليس عندي لحظةٌ واحدةٌ للهرب في الشعر، في الجسد، في الشعر والجسد؟  

- وأنتِ، ألم تزهقي؟ ترشقينني بالإذاعات، بالشاشات، بوسائل التواصل، بركام الموتى والأشلاء، بربطة الخبز، بأقساط المدارس، بالكهرباء المقطوعة، بتشقّق الجدران، بفرار النوافذ، بتسرّب المياه من القساطل، بالليالي التي تمضينها وأنتِ تهجسين باستحقاقات الأيّام الآتية. العمر، ألا تخافين العمرَ، وجسدَكِ النائم إذا استفاق فجأةً ولم يعثر إلّا على مرآته المتصدّعة؟! ها هو عمرُكِ يهرب أمامكِ، كزورقٍ يتوهّم أنّه نجا بأعجوبةٍ من الميناء بعدما أفلت من الفجيعة!

- وأنتَ، ألم تزهق؟! تعرف أنّكَ غارقٌ حتّى لاوعيكَ في الشأن العامّ، ولا تملك قرشًا واحدًا، ولا بابًا محتملًا للرزق، ولا فجوةَ أملٍ واحدة في الحائط العظيم. كيف لا تنفجر و"تقتل"؟ كيف تتحمّل حياتكَ المغدورة، وأنتَ تعيد تكرارها الإراديّ، كلّ يومٍ، بالعزلة الرهيبة، بالصمت، بلذّة الكتابة، بمقارعة العدم، بحفر الصخور، بالفضح، بالتقريع، بالتثوير، بتمضية الليالي باحثًا تحت الليالي الخطيرة كيف يمكنكَ أنْ تسهّر أحلامكَ المثيرة للشفقة على ضوء نجمةٍ آيلةٍ إلى الأفول؟! عجيبٌ أمرُكَ، أيّها الرجل!

- وأنتِ، ألم تزهقي؟! تخطّطين كلّ يومٍ لمشروعكِ للهجرة، وتتحدّثين بالقلم والورقة عن خطّةٍ متكاملة للسفر، والعيش في مكانٍ قصيٍّ، في آخر الثلوج، في آخر الهواء، في آخر العقل، في آخر اللغات. لكأنّكِ تحاولين أنْ تقنعي عقلكِ (هزيمتكِ!) بهذا الحلّ، قبل أنْ تقنعيني والآخرين. عجبًا، لأنّكِ لا تنصتين إلى الحلّ الذي في يدكِ، في داخلكِ، في الرحم، في العقل، في اللاوعي، في الحلم، من خلال النافذة التي تطلّين منها على حياتكِ المغمورة بالأخضر الذي ينتظر...

- وأنتَ، ألم تزهق؟ متشبّثًا بالإقامة هنا، وإنْ تحت سماءٍ عاريةٍ، وعلى أرضٍ عارية، مأخوذًا بفكرة الحقّ، بالقانون، بالإنسان، بالفلسفة، بالنزاهة المفرطة، بالتراب، بالدولة، بالينابيع، بالحرّيّة غير القابلة للعيش تحت هذه السماء، بالناس المتساوين، بالمدنيّة، بالعلمانيّة، بالانتماء اللامنتمي إلى جماعة، إلى دين، إلى طائفة، إلى مذهب، إلى قاتل، أو زعيم. ألم تزهق من استحالة هذا كلّه، الآن، وهنا؟!

- وأنتِ، ألم تزهقي من "الاقتتال الذاتيّ"، ومن "قتلي"؟ لكأنّكِ لا تبرعين إلّا بهما، ولا تتحقّقين إلّا فيهما. وبلا هوادة! تعالَي لا نفكّر في شيء. تعالَي فقط من أجل إثارة هذا القمر. لعلّنا إذا استفززناه، لعلّ وعسى، يكفّ من الضحك علينا...

- [email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم