الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

المعالجة النفسية زينة زيربه لـ"النهار": لن يأخذ أهالي الضحايا حقهم إلّا بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار

ليلي جرجس
ليلي جرجس
المعالجة النفسية زينة زيربه لـ"النهار": لن يأخذ أهالي الضحايا حقهم إلّا بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار
المعالجة النفسية زينة زيربه لـ"النهار": لن يأخذ أهالي الضحايا حقهم إلّا بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار
A+ A-

ما زالت آثار وتداعيات #انفجار_بيروت تُرافقنا حتى اليوم. الخوف والقلق والصدمة التي خلّفها ما زالت تُرخي بظلالها علينا جميعاً. ما واجهناه في ذلك النهار المشؤوم يصعب نسيانه أو تخطيه بهذه السهولة، وما زالت الأصوات والدماء والدمار راسخة فينا بقوة. ولكن وسط كل ذلك، هناك أطفال اختبروا الخوف والخسارة والموت والرعب، منهم من فقد والداً أو والدة أو شقيقاً، ومنهم من خسر جزءًا منه، وفقد عينه أو ساقه أو تركت الندوب آثارها على وجهه. كيف يمكن هؤلاء الصغار أن يتخطوا هذه الصدمة التي تعرضوا لها، كيف يمكنهم أن يتعايشوا مع الخسارة والموت؟ وما الذي يحتاجون إليه حتى يشعروا بالراحة؟

اختبرت هذه الأجساد الصغيرة أبشع الصدمات وأقساها، وبات عليهم أن يواجهوا الموت والغضب وأسئلة كثيرة في انتظار أن يجدوا إجابة عنها. ماذا يقول علم النفس عن تأثير الصدمة على الأطفال وكيفية تخطيها؟

تشرح الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسيّة زينة زيربه في حديثها مع "النهار" أن "الانفجار كان حدثاً مفاجئاً وغير متوقع وبعيداً من التصوّر، ولا يمكن لأي فرد بالمطلق أن يكون مهيّأ أو مؤهّلاً نفسياً للتعامل مع حدث بهذا الحجم ومع انعكساته على الصعيد النفسي الفردي، العائلي والجماعي. من المهم أن نعرف أن التفجير هذا هو بمثابة عنف اجتماعي وسياسي وأمني مارسه أفراد في موقع الحكم والمسؤولية، أخلّوا بمهامهم ومن ضمنها الحرص على تأمين سلامة المواطنين والحفاظ على حقوقهم. من ناحية أخرى، التفجير أطاح بأحياء سكنية وأماكن عمل وشوارع تحمل النبض الاجتماعي-الثقافي الحيّ للمدينة. وهذه الأماكن التي كانت مألوفة لدينا ونرتادها، وكانت بمثابة حاضنة لروّادها، باتت مدمّرة، وغريبة عنهم. وبالتالي فقد أدى هذا الانفجار إلى زعزعة الشعور بالأمان والاستقرار عند الأفراد. وأمام خلل الدولة في تحمّل المسؤولية وتوظيف كل قطاعاتها في عملية الانقاذ وتوابعها، نرى أن المواطنين قد قاموا بدورها بالالتفاف والوقوف إلى جانب بعضهم البعض في هذه المحنة كما في احتضان المدينة المنكوبة في مأساتها".

وأشارت زيربه إلى أن "التشخيص الطبي-النفسي من أفراد المجتمع لحالة الأطفال الذين تعرضوا للانفجار مسيء وخاطئ، ويعتبر اعتباطياً وغير أخلاقي، لأن الناس غير مؤهلين لتشخيص حالة الفرد أو العائلة، أو القيام بتحليلها بشكل همجي والحكم عليها، فلا يحق لأحد أن يضع الناس في خانات ويُلصقها كوصمات نابعة من إسقاطات شخصية بخاصة أن لا أحد مؤهّلاً   لتقييم المعيوش النفسي لهؤلاء الأطفال وربطها بكيف كبروا وكيف يعيشون آنياً حزنهم ولمعرفة من يحضنهم ويساعدهم في تخطي هذه الأزمة. إضافة الى ذلك، يجب عدم تهميش قدرات وموارد الأطفال الفكرية والنفسية، ومدى قدرتهم على التعاطي مع الحدث برغم كل ما يمرون به من آلام وصعوبات ".

وعن صدمة الأولاد نتيجة وفاة أحد والديهم نتيجة الانفجار؟ تشدد زيربه على أنه "من المهم أن نجيب بكل شفافية عن الأسئلة التي تراودهم والتي هي متّصلة بالانفجار وبما حصل ومساعدتهم على بلورة قدرتهم على فهم الحدث. الخطورة هي في التزام الصمت وعدم الاتاحة لهم عن التعبير عن فقدانهم لأهلهم وللمنظومة العائلية بالشكل التي كانت عليه ما قبل الحدث كما عما شعروا به وشاهدوه أثناء التفجير. نحن كراشدين باستطاعتنا الإجابة عن أسئلتهم، وأن نكون إلى جانبهم ونحضن قلقهم واضطراباتهم وتخبّطاتهم الناجمة طبيعيّا من ذلك الحدث".

كيف يمكن مساعدة الأطفال في عملية الحداد؟ تؤكد الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسيّة أن "أهم قاعدة أن ندعهم يتحدثون ونفسح المجال ليعبّروا عما عاشوه من دون أن نضغط عليهم للتحدث. وفي حال شعر الولد بالخوف، أو القلق أو تغيّرت سلوكياته، أو عبّر عن آلام نفسية -جسدية علينا أن نحضن تقلباته ونترك له الوقت حتى يرمم ذاته نفسياً. قد يبكي كثيراً ويصبح حساساً جداً وتتزعزع دفاعاته، وكلها أعراض طبيعية، ودورنا كراشدين أن نحضن قلقه ونستوعبه حتى يتخطى هذه المحنة، ونتعهد له بمحاسبة المسؤولين ومعاقبتهم تعهداً  منا أن حزنه غال وثمين ومسببيه لن يفلتوا من العقاب".

وشددت على أن " كل ولد له فرديته وقد يتعامل مع خسارته وصدمته بطريقة خاصة به، تعود لشخصيته ومحيطه والمساعدة التي يتلقاها من المحيطين به. أما في حال لاحظنا رسوباً مدرسياً مثلا، أو انعزالاً عن المحيط وعدم القدرة على التفاعل معه، أو فقدان الحوافز التي كانت عنده أو عودة لا ايرادية لمراودة مشاهد الانفجار بشكل يعيق حياته، بعد مرور الفترة الأولى، عندها ينصح باستشارة معالج نفسي لمتابعة الطفل ومساعدته في تخطي هذه الصدمة. ولا أرى ضرورة في مراجعة معالج نفسي في الوقت الحاضر إلا عند الأشخاص الذين تراودهم أفكار وعوارض تحدث شللاً عندهم أو رغبة ملحّة في الموت مثلا. أما الآخرون فهم بحاجة إلى بعض الوقت حتى يتعاملوا مع هذه الأحداث التي عايشوها لحظة الانفجار سواء أكانوا كباراً أم صغاراً".

بالنسبة إلى الطفل الذي فقد أحد والديه أو عاش صدمة الانفجار، على الأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة تأمين الحاضنة، وإتمام دورهم كأهل (سواء الأم أو الأب) تجنباً للتفكك أو التشتت العائلي، وأن يعيشوا الحداد على المستوى العائلي الصغير. من المهم أن لا يفقدوا معنوياً ورمزياً الشخص الذي ما زال على قيد الحياة. فحضن الأم أو الأب ما زال موجوداً وبإمكانه أن يقوم بدوره ويعطي الولد الحنان والأمان برغم المأساة التي يعيشها بدوره أيضا".

وتختم زيربه قائلة إن "القلق الناجم عن الانفجار طبيعي وجميعنا نعيشه، فالوجع النفسي لا يُحل بكبسة زر، ويحتاج إلى مسار نفسيّ للتعامل معه. الدعوة لإسقاط المسؤولين في الحكم وإحالتهم إلى القضاء ومحاسبتهم، قد يشفي غليل أهالي الضحايا والجرحى ويعطيهم البعض من حقوقهم. ومن المهم جداً أن لا ننجر كمجتمع ونعلق وراء سرد تفاصيل لقصص الضحايا المأسوية، الى ما لا نهاية،  على أنها مسلسل وننسى واجب المطالبة بتحقيق العدالة ومحاسبة المتهمين، واستعادة تفعيل دولة المؤسسات والقانون واحترام حقوق الانسان ".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم