الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

لستُ مثلهنّ

المصدر: النهار
رولا خضر
لستُ مثلهنّ
لستُ مثلهنّ
A+ A-

أعلمُ حكايتك كلّها، وأعرف كلّ القصص التي مررت بها، ولكن يريح قلبي أنّها كانت قصصاً عابرة. فالنّساء اللّواتي مررن لم يتمكّن من حفر أسمائهنّ وطباعهنّ على جدار قلبك العازل.

وحدي أنا كداء السرطان الذي استوطنك. أنت تحاول التّخلص مني والقضاء عليّ بالعلاج الكيميائي، وأنا أقوى من أطبّاء بلادك. عزيزي، إنّ العلاج يحتاج إلى إصرار وإرادة وقوّة نفسية، وأنت من دوني لا تملك كلّ ما سبق. أنت من دوني زهرة تستقبل خريفها، أنت من دوني طفل يفتقد ذراع والدته ليحتمي بها، أنت من دوني فلّاح مسكين ينتظر هطول المطر ليروي محصوله فيقتات وربعه، أنت من دوني أشبه بمدينة دمّرتها عاصفة قاسية، أنت من دوني أشبه برجل وجد نفسه وحيداً في جزيرة تخلو من الأنس والجنّ، أنت من دوني غارق في الفراغ، أنت من دوني غريب في وطنك، أنت من دوني كأنا من دونك.

نحن غريبان في وسط عالم بات الحب فيه سهلاً، بات الوصول للحبيب ولقاؤه والكلام معه بديهيّا ومباحاً ولكنّ حظّي العاثر –كالعادة- أوقعني في الصّعب المستحيل.

اليوم أريد منك أن ننهي هذه المهزلة، فأنا داء لا دواء له. اليوم أريد منك أن تبتعد مسافة لا أراك بعدها، اليوم أتمنى لك الشفاء مني.

يمكنك أن ترتبط بأخرى، ويمكنك أن تحبّها وتقدّرها وتحترمها أو حتى تتزوجها، كل هذا مباح، لكن إيّاك أن تنساني، إيّاك أن أكون مجرّد قصة قديمة من قصصك التي بتّ لا أقوى على تعدادها. أنا لست مثلهنّ، أنا التي عشقتَها حدّ الجنون والهوس، أنا التي بجانبها كنت ضعيفاً حد البكاء والنواح حين تركتك، أنا التي تحمّلتَ عنادها وقسوتها وقدرتها على الوقوف في وجهك في كل حين.

أخال نفسي في مناسبة ما أراك وعائلتك بجانبك مستقبلاً - أقولها لك ولم أخطئ يوماً في تخمين أي أمر يتعلق بك - ستقف أمامي، سترتجف يداك وتلمع عيونك، سيرقص عقلك على نبضات قلبك، سترتبك وتتبلكم وستدرك حينها أن نسياني كان وما زال مستحيلاً، ستدرك حينها أنّي قصة الحب الخالدة التي ستخبرها لأحفادك وأنت تبكي وتدفعهم نحو المستحيل للدفاع عن حبهم وتحثّهم على الصّبر والقوة، وتؤكد عليهم ألّا يكرّروا أخطاء جدّهم المسكين الذي يعيش وحيداً وسط عائلة كبيرة تحبه وتحترمه. حينها سأكون أنا عجوزاً ولكني لن أذكرك لأحفادي، سأعاهدهم ألا يتنازلوا مهما كانت الأسباب، سأكذب، سأخبرهم أن السعادة لن ترتبط يوماً بشخص واحد... والله غفور رحيم. لن أخبرهم عن رجل ضعيف لم يقوَ على مواجهة نفسه لينال السعادة ولينال الحب... فالله حليم ستّار.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم