إلى فيروز... صوتكِ يحميني من عالم لم أعرف كيف أنضمّ إليه

جورج شلهوب

كيف يُحاكى الضوء، أم كيف تُحتضن الرعشات؟ إذا كان العالم ركاماً وهو كذلك، بماذا نحوّله الى عطر وخمر؟ متى يذبل الظلام؟ يكرج الطفل على حرير ضحكته فتجري وراءه كل الأعمار. عفن النفوس، حلكة المصير، دمار الرؤيا، ترتيب الخسارات وبيعها في سوق الوحشة.

حين الملتجئ يرى من يلتجئ اليه مكسوراً، يجمع حسرته في قلبه حيث تتراكم حديقة الذل والمهانة، فيفتح نهاره على هطول الأسى ويطوي ليلاً على حديد الأرق.

لم يعد لي سوى شفاعتكِ.

لم يكن لي سوى شفاعتكِ.

أنتِ والحب.

أنتِ المتكئة على صلاة العصافير أعطني صدىً يحميني.

العروس الطالعة من قفير مملكتها يفوح منها لون البركة ضمّيني.

ليس سواكِ من يعرف أسماء الدمع أخوة الأمل حكايات الأفق وأسرار الدرب الجميل.

يا لمسةً ممتدة من شغف الشوق الى أوّل حب

يا قمر السهول وقمر الجبال وقمر البحار وقمر الأقمار

يا مشتهى الأحلام النازلة من ريح الأزل فوق أراضي الجرح الدائم

الكأس مرّة والساهرون تعبوا من قرف الغربة وتكرار الندم

لم يعد ينفع رتق الخيبات ورش الوهم على مرارة المشوار

ابقي

لأنّكِ حارسة المعنى من هول التفاهة وقاطفة الموج من فم البحار

لأنّكِ مبتدأ اللهفة وسيرة الفجر

لأنّكِ ظل الذروة وناطورة ملكوت الأحلام

يا أمّ البشرى وست الشفاء وملكة الحضن الغفير

يا حدس الملائكة قبل ولادة السماء ونبوءة الآلهة في حفل القيامة

ماذا أقول لكِ والكلام والكلمات والصراخ والصدى والنواح والعويل والنداء ما عادوا ينفعون بشيء

كيفَ أحكيكِ وردم الغضب يغطّي أعضاء الكون

بأي عين أنظر الى روعتكِ ونكبة الحقد تحجب ما بقي من أنفاس

يا فيروز

البشر يتساقطون من شرفة الحب

الغابة مثقلة بعظام الفراغ وعويل نار الأقنعة تلتهم الجميع

أهرب اليكِ التقطيني

أفتح خوفي كلّه على هوائكِ وأفتح أيّامي وحاضري ومستقبلي قبل أن أُباع في مزاد الأصنام

تناثري، اهطلي، أشرقي أبزغي أحيطيني أجرفيني رمّميني، أصلحيني، لكن لا تقفي هكذا غريبةَ كشمس شتاء، كبسمةٍ في مأتم

لنكن واضحين ككذبة هذا العصر، كطَفَر الاوراق المتساقطة

بصوتكِ النجاة

بصوتك العبور

بصوتكِ الخلاص

لنكن واضحين أكثر يا أيقونة الغروب على تاج البحر

الإنسان أعلن الافلاس

إفلاس العقل والضمير والطموح والمودة وخرج من ذاته، بعدما قشّرها بعمليات التجميل الافتراضي وأساليب التحنيط التكنولوجي وراح المسخ يلهو به أمام مرايا التزوير

العالم خانكِ حينَ خسر الجمال على مائدة الجشع والبطر والقرف وكل انواع الهلاك

العالم لا يستحقّكِ ولا يعنيني أمر هذا الكون

لا أريد أن أدفع معه ضريبة جحيمه

أنا غريبَة وملعونَة وخائنة، الغاطس فيه الى قعر الرهان الباطل

أنا الناجي فيه ومنه اليكِ

شمعة العبث تغتذي من ذاتها والغارقون يشربون كأس الغربة

صوتكِ يحميني من عالم لم أعرف كيف أنضمّ اليه

هذه وحدتي من ذاتي طالعة من قلب الفجر تركض نحوكِ

أطفئي هذه الكذبة وغنّي

علّميني كيف تُلمس الحقيقة.