الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

موعد

المصدر: النهار
مرفت السيد أحمد مصر
موعد
موعد
A+ A-

مع دقات الثانية عشرة، كانت على موعد مع الجنون، على جزيرة لم يكتشفها كولومبوس بعد.

جزيرة ستكون أول من يطؤها، تحرسها الأشجار، وتسكنها طيور النورس، تتخلل مجاري الماء العذب صخورها كشرايين فى جسد إنسان .

يشقها نهر الحب وسط بساتينها، هواؤها بارد معتق ليس ابن أرض تهبها جغرافيا صماء؛ لذلك يطوف زوايا الكون دون توقف، تحضنها السماء بنجومها لتنيرها، وتزينها، هادئة لا صوت فيها يعلو على صوت الأمواج.

تهب للمتجولين فى أزقتها العتيقة المتعرجة متعة لا تعرف النفس مصدرها كأول ضحكة لطفل بريء.

" هو" رجل وحيد، غريب، بائس، تملأ الوحشة قلبه، وتفتت روحه المنهكة، هدته خيبات الزمن، ووجدته "هي" أسيراً في مدينة الذكريات الملتهبة بالنيران، يتجول فى شوارع الخيانة، غارقاً في الظلمة تحت سطوة العقل والعادات، رجلاً شرقياً بامتياز.

"هي" فينوس الجميلة، ناعمة القسمات، مجنونة، عيناها لوزتان تلمعان كالذهب. لوحة فنية نادرة، هي لن تحاول أن تلفت قلبك بألوانها الهادئة، وتفاصيلها البسيطة، فهي تتجنب الضوء كثيراً؛ ربّما تحاول إخفاء لطخة الزمن على جناحيها، لكنها تعرف كيف تثير فيك جوع الذئاب!!..

" هي" لا تشبه أحداً، ولا تشبه حتى نفسها، غريبة جداً، لعل تلك الشقوق في جدار الروح ما يميزها.

انتشلته من ظلام نفسه إلى عالمها الخاص الواسع سعة السماء بل الكون كله. عالم بدايته الجزيرة "جزيرة النور" كما أسمتها، لكن لا نهاية لها.

_ قالت له: ستذهب معي إلى جزيرة لم يعرفها إنسان غيرنا، دون تذكرة، ولا اعتبار لقوانين الفيزياء.

ستنمو لك أجنحة من صفاء، سنكون خارج الزمن، والحضارة، لكن لا تنشغل بحصر النجوم ولا تبحث عن القمر.

...لا أرض ولا سماء.

ستعرف معنى آخر للمعجزات.

فقط

تحرر...

تبرأ.

اترك هويتك قبل الرحيل،

أعلن إلحادك وكفرك بكل حزن وألم.

لا تفكر فى قدميك المرتعشتين.

نحن من يصنع كل شيء، المهم أن تنسى أنك ابن الأرض.

طارا معاً حول الجزيرة كفراشات حول النور، ثم جلسا على تلك الصخرة التي تطفو كسفينة فوق الأمواج.

جلسا يمارسان طقوساً غارقة فى الإدهاش من الحب والمتعة واللذة والشغف.

هنا الحرية والخلود، هنا تتجلى أسطورة بدء الخليقة. هنا ترقد الآلهة المقدسة.

أخذها من يدها ورقصا معأ على عزف النوارس، وتقابل النسمات مع أوراق الشجر، ورنات أمواج البحر. تطوقها ذراعاه، القلب بالقلب واليد باليد والروح بالروح.

اتحدا مع ألوان قوس قزح، قوس العشق والبهجة والأمل.

خطواتهما المتناغمة تنفجر من تحتها الأرض بخصوبة الأنثى الولود بأزهار الجوري، والسوسن، والأقحوان، والنرجس، والنيلوفر والبنفسج.

"هو" مجنون بتلك الجنّية، ثمل بها، ارتوى من نهر الدفء نهر السعادة؛ لكنه مثل كل الرجال عاشها حلماً وعاشته حقيقة.

تركها بعد أن انتهى الليل وجاء النهار... كشجرة كانت وطناً لعصفور تحميه من برودة الليل. ومع أول ضوء للنهار لفظته، وأسقطت العُش وتركته للسعات الشمس الحارقة.

جاء من الفراغ وعاد إليه. وترك يديها لتضعهما مرة أخرى على شقوق جدار روحها... تعتصر الألم، وتقول أغلقت أبواب الكون حين رحلت.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم