الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

واقع إنتاج العسل في المتن الأعلى

المصدر: النهار
إيلي شديد
واقع إنتاج العسل في المتن الأعلى
واقع إنتاج العسل في المتن الأعلى
A+ A-

المقدمة:

تعتبر صناعة العسل من الحِرف الحديثة نسبياً في منطقة المتن الأعلى حيث لا تتعدى الفترة الزمنية لبدء مزاولة هذه المهنة أكثر من خمسين عاماً. ويمتاز هذا النشاط الإنتاجي الزراعي الطابع بأن أصحابه قادرون على ممارسة مهنتهم دون أن تتوفر لديهم بالضرورة الملكية الزراعية. وغنية عن التعريف أهمية تربية النحل في منطقة جبلية كمنطقة المتن الأعلى، فالمساحة الإجماليّة للغابات والأحراج فيه لا تزال مرتفعة جدّاً، بحيث تغطي الغابات والأحراج ما يزيد عن 80% من مساحة المنطقة. ويساهم العسل في تأمين مدخول لا بأس به لمربي النحل، ويلعب درواً كبيراً في التخفيف من الأعباء الاقتصادية التي تواجهها الأسر، فضلاً عن الانعكاسات الإيجابية على الصعيد البيئي، من خلال تلقيح النحل للأزهار والذي يؤدي إلى زيادة في المواسم الزراعية.

2- واقع هذا القطاع:

عام 1987 تم إنشاء "جمعية مربي النحل في المتن الأعلى" من أجل تنظيم عمل هذا القطاع. وقد بلغ عدد المنتسبين إلى هذه الجمعية حوالي 300 نحال ومعظمهم محترفون، إضافة إلى حوالي 50 نحالاً من الهواة. وهناك أكثر من 250 عائلة تعتمد على تربية النحل لزيادة مدخولها، بينها ما يفوق الـ60 عائلة يعتمدون على تربية النحل بشكل أساسي في عيشهم، أما عن عدد قفران النحل فقد بلغ حوالي 4000 قفير، وتنتج سنوياً ما يقارب 40 طناً من العسل ذي الجودة العالية والخاضع للفحوصات المخبرية.

3- مقومات هذا القطاع:

أ- مقومات طبيعية: تغطي الغابات مساحات كبيرة من منطقة المتن الأعلى حيث تصل نسبة المساحات الخضراء في بعض القرى إلى 80% (جورة أرصون، الكنيسة) وبمعدل وسطي إلى 50% من مجمل المساحة، ويتنوع الغطاء النباتي تبعاً لتنوع التركيبة الصخرية التي تكسو أرضه، فنلاحظ صخوراً تعود إلى الحقبة الجوراسية j7 وتعرف باسم تكوين صليما الجيولوجي وc4 تكوين حمانا الجيولوجي، وتتنشر على هذه الطبقات الصخرية نباتات عدة ومنها البطم، الملول، الخرنوب، اللبان. إضافة إلى الصخر الرملي c1 حيث تنتشر على هذه الصخور الأشجار الصنوبرية. إذا، فالمرعى متوفر في كافة قرى المنطقة. وهناك تنوع في المناخ نظراً للتدرج في الارتفاع من 300 متر أدنى نقطة في خراج بلدة قرطاضة و2050 في أعالي بلدة كفرسلوان.

ب- بشرية: تلعب جمعية مربي النحل في المتن الأعلى دوراً كبيراً في مساعدة مربي النحل، من خلال إقامة دورات للنحالين، فضلاً عن تقديم مساعدات تقنية ومواد أولية. إذاً الخبرة تتراكم بوجود جمعية ناشطة كجمعية مربي النحل التي تزيد عدد المحاضرات المتخصصة التي تستضيفها سنوياً على العشر، إضافة لإنشائها مركزا متخصصاً لتوضيب العمل.

4- التسويق:

بالنسبة لآلية تسويق الإنتاج فتتم بشكل رئيسي على العلاقة الشخصية بين المنتج والزبون، ومن أجل تشجيع وزيادة نشاط تربية النحل تم ضبط عملية كل الأسعار لمختلف المواد من عسل وشمع وقفران نحل، ويتم تسويق المنتج في الأسواق المحلية القريبة والبعيدة. أما الفائض من الإنتاج فقد عمدت جمعية مربي النحل في المتن الأعلى إلى تسويقه عبر ماركة مسجلة في وزارة الاقتصاد إسمها "عسل المتن الأعلى" وهو إنتاج هذه المنطقة المعروفة بأحراجها وغابات السنديان والأزهار الجردية، حيث البساتين فيها قليلة نسبياً. وبالتالي هذا العسل هو عسل الازهار البرية. وإذا كان النحال يتعاطى بشكل سليم وصحيح مع نحله، فالأكيد أن عسله سيكون عسلاً جيداً إضافة إلى ثقتنا بالنحال الذي نأخذ منه إنتاجه من العسل نأخذه ضمن شروط دقيقة ونقوم بفحصه في المختبرات ونقوم بتخزين العسل في أماكن سليمة وبشكل صحيح، ويصل إلى المستهلك بشكل ممتاز جداً، ونحن حالياً في إطار تسويقه ضمن منطقة المتن الأعلى والمناطق المجاورة. ومما لا شك فيه سوف يزيد عدد النحالين الذين لديهم رغبة بتربية النحل وزيادة الإنتاج.

5- نوعية العسل:

هناك أنواع كثيرة من العسل الجيد. وهذه الأنواع تختلف أكان بالشكل أي باللزوجة واللون، وأيضاً تختلف لأن البعض منها لا يتجمّد عادة. وهذا يميز عسل غابة السنديان والأعسال الأخرى التي تنتج في المناطق الجردية والمناطق الجبلية عندنا، فهذه لديها صفة أنها قابلة لأن تصبح (حبيبات) وأحياناً كثيرة تتجمد وغير لزجة. وتجمّد العسل هو صفة من صفاته الطبيعية الناتجة من تركيبته ومن وجود سكريات العسل الكليوكوز، الموجود في الأشواك العاسلة والأزهار. ونحن في المتن الأعلى حريصون على أن نحافظ على هذا العسل كما هو بدون تدخل عبر تسخينه أي إذابة التجمد من خلال الماء الساخن، ونحرص على إبقائه على شكله، حتى ولو تجمد العسل هذا لا يعني أن قيمته الغذائية تغيرت أو هو سيئ، بالعكس يبقى العسل على قيمته الغذائية وإن تغير لناحية الشكل، ونحن هنا ننصح المواطن أن لا يتوقف عند الشكل أكان جامداً أو سائلاً. فهذا ليس له تأثير على الجودة. المهم التأكد من أن العسل من مصدر سليم وصحيح وليس هناك اي عملية غش، واستطراداً فكل ما يحكى عن طرق منزلية لفحص العسل هي غير مضمونة بالمطلق وضمانتنا المختبرات وأخلاقية المنتج ودور الوزارات المعنية بضبط الجودة في السوق.

6- مشاكل هذا القطاع:

إنّ هذا القطاع يعاني من بعض المشكلات أبرزها:

• إنخفاض مصادر الرحيق من أزهار ونبات بري بسبب الحرائق من جهة والرعي الجائر من الجهة الأخرى.

• إرتفاع سعر الكيلو الواحد (25$) ما يعيق تسويقه.

• التشكيك في نوعيّة العسل من قبل المستهلك الناجم عن محاولات الغش التي يقوم بها بعض المهندسين في قطاع تربية النحل وبيع العسل.

• سيادة الأصل السيفاني في قفران النحّالين وهو أصل شديد الشراسة وقليل الإنتاجيّة مقارنة بالأصول الأخرى من النحل. وعلى الرغم من شهرة هذا الأصل في مقاومة الظروف الطبيعية الصعبة، إلاّ أنّ قلّة إنتاجيّته لا تبرر هذه الميزة. فالطبع الشرس لهذا الأصل يجعل النحّال أقل رغبة في معاينة القفران في شكل دوري، ما يزيد من أخطار إصابتها بالأمراض. أما بالنسبة إلى الإنتشار الجغرافي لهذا النشاط الاقتصادي، فنلاحظ وجوده في القسم الأكبر من القرى باستثناء بعضها كجورة أرصون وترشيش وزندوقة.

استنتاجات واقتراحات:

إذا، إنّ تنوع الغطاء النباتي في المنطقة هو ثروة فريدة من نوعها للحصول على نوعيّة عسل لا يمكن الحصول عليها في أيّ منطقة أخرى. فالغابة السنديانيّة مصدر مهم للعسل الأسود، ما يجعل العسل في المنطقة مختلفًا عن العسل المجني من الغابة السنديانيّة. فالعسل في المنطقة من حيث لونه الأسود، هو عسل السنديان إذا جاز التعبير، لكنّه برائحته الناجمة عن مزيج من أزهار نبتة الزعتر والقصعين والصنوبر وحبّ الآس يصبح عسلًا فريدًا لا تصلح تسميته بغير إسم المنطقة التي تنتجه "أي عسل المتن الأعلى".

يشكّل إنتاج العسل هواية نافعة لكثرٍ من سكّان المنطقة ومهنة مجدية مالياً للمهرة منهم. إن التدرج بالانتقال بقفران النحل من المناطق المرتفعة في جبل الكنيسة إلى الأقل إرتفاعًا في مجرى نهر بيروت من جهة، يساهم، ليس فقط في متابعة تفتّح الأزهار للحصول على أكبر كميّة ممكنة من رحيقها، وكذلك لحماية النحل من برودة المناخ.

أمّا عملية الاهتمام بالمراعي عبر إكثار النباتات العاسلة في الغابة، تبعاً لأسلوب الزراعة الغابية التي أشرنا إليها آنفاً، عبر زراعة نبتة الخزامى المنزليّة أو الزعتر، وقيام البلديّات بزرع جوانب الطرق بالأشجار العاسلة والزيزفون الإفرنجي، فهي أعمال وإجراءات مساهمة في تكامل صورة الأسلوب المقترح لزيادة إنتاج العسل من الغابة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم