الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

خاص "النهار": ماذا يقول عازوري عن عقدة الذنب لدى الناجين من انفجار بيروت؟

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
خاص "النهار": ماذا يقول عازوري عن عقدة الذنب لدى الناجين من انفجار بيروت؟
خاص "النهار": ماذا يقول عازوري عن عقدة الذنب لدى الناجين من انفجار بيروت؟
A+ A-

غريبةٌ عقدة الذنب التي تُرافقنا منذ الانفجار وحتى اليوم. غريبٌ هذا الإحساس الذي يُرهقنا ويمنعنا من النوم ويسرق الفرح ويجعلنا كتلة من الحزن. غريبٌ أننا أحياء ولكن في داحلنا شيء مات إلى الأبد. كيف لنا أن نعيش بسلام وفي داخلنا حروب صغيرة رسخت الأصوات والصراخ ومشاهد الدماء والضحايا؟ اليوم نجد أنفسنا عاجزين عن متابعة حياتنا كما كانت قبل 4 آب، إذا ضحكنا شعرنا بالذنب من الذين يبكون دماً ودمعاً على وفاة إبن أو شقيق أو حبيبة أو أب، واذا عُدنا إلى منزلنا نشعر بالذنب أمام الذي فقد أمانه، لم تعد الحياة تعنينا برغم من أننا بقينا أحياءً! 

كيف يمكن التخلّص من عقدة الذنب؟ وماذا يقول علم النفس عما عاشه اللبنانيون نتيجة الانفجار؟ يعرّف الطبيب والمحلل النفسي الدكتور شوقي عازوري جيداً أن ما اختبره اللبنانيون اليوم يختلف بقوته وصدمته فصول الحرب على اختلافها، هو الذي تحدث مراراً عن أهمية "المصارحة بين الذين شاركوا في الحرب (وفي رقبتهم دماء) والناس الذين فقدوا أعزاء أو خسروا منازلهم أو تهجروا... وطالما لم يتقدّم أمراء الحرب من هؤلاء طالبين السماح عما اقترفوه، لن ننجح في الحداد على من فقدناهم".

الحداد لم يحصل وانتقل الغضب والكره من جيل إلى جيل، اليوم نعيش قصة أقسى وتجربة صادمة وموجعة،  يشرح عازوري في حديثه مع "النهار" أن "الانفجار بحدّ ذاته كان حدثاً مفاجئاً بضخامته وتوقيته، خلافاً لأيام الحرب حيث يختبئ الأشخاص خوفاً من الطيران أو القصف. وما جرى في 4 آب أننا لم نكن نتوقع ذلك وكان حدثاً كبيراً وضخماً وصادماً. والأصعب من ذلك أن شريحة كبيرة من الناس المتضررة (سواء بخسارتها أحد افراد عائلتها، او بيتها ...) كانت متواجدة في أكثر مكان خصوصي في حياتهم أي منازلهم، وهذا المكان الوحيد الذي لا يتوقع فيه الناس أن يختبروا هكذا مأساة فيه. وهذه الصدمة أكبر بكثير من صدمات الحرب نتيجة ضخامة الانفجار وطريقته التي طالت خصوصية الناس داخل منازلها، بالإضافة إلى أنها كانت حدثاً مفاجئاً".

مضيفاً أن "الانفجار أدى إلى هدم وتضرر منازل كثيرة، وهذا المكان الذي يفترض أن يكون المكان الآمن لهم، تحوّل إلى مصدر قلق وخوف نتيجة الأضرار والرعب الذي اختبروه لحظة وقوع الانفجار. وعوض اللجوء إلى جاره للحديث عما عاشه، وجد أن الجميع متضرر مثله وهم بحاجة إلى مشاركة هذا الوجع والصدمة".

أما بالعودة إلى عقدة الذنب التي ترافق كل شخص نجا من الانفجار، يؤكد عازوري أن "عقدة الذنب ظهرت أول مرة بعد الحرب الثانية حيث توّجه الأميركيون إلى مخيمات وأنقذوا الأشخاص الذين كانوا على قيد الحياة. ولاحظوا أن هؤلاء الأشخاص حزانى وعاجزون عن العيش بطريقة طبيعية. هذه العقدة بدأت تظهر أكثر فأكثر مع مرور الوقت، ونعرف جيداً أنه يصعب الخروج منها بسهولة". 

ويستشهد عازوري بمثال لأحد مرضاه في فرنسا حيث كان يعيش آنذاك، يقول "كان المريض يعاني من اضطرابات في النوم وأرقاً لأكثر من شهرين، وتبيّن أن الشخص كان مسجوناً مع شقيقه في مخيم الخيام، وبعد محاولة فرارهما، قُبض على شقيقه في حين تمكّن هو من الفرار. وما زالت نظرات شقيقه إليه لحظة القبض عليه تلاحقه طيلة الوقت. ومنذ ذلك الحين كلما جلس المريض إلى السرير يتذكر نظرات شقيقه إليه ويصعب عليه النوم.

اليوم يعيش الناس الذين عايشوا الانفجار عقدة الذنب، فإذا تناولوا الطعام شعروا بالذنب وإذا ضحكوا شعروا بالذنب ويعتبر ذلك من أصعب الأشياء في الإنسانية. 

لدى عازوري الكثير ليقوله في هذا الصدد، يعرف أمثلة عديدة وفق مجاله وخبرته ليختصر فيها الواقع الأليم الناجم عن عقدة الذنب، والعذاب النفسي الذي يرافق البعض وما قد يُحدثه في حياة البعض. يروي عازوري عن المحلل النفسي الأميركي برونو بيتلهيم (Bruno Bettelheim) الذي كان يعالج مرضى التوحد في مركز في شيكاغو،  وقد علّمنا الكثير وكتب قصصاً مهمة، قرر إنهاء حياته اختناقاً، ووسيلة القتل كانت نتيجة ترعرعه في مخيمات الموت النازي حيث كانوا يقتلون الناس اختناقاً بالغاز. وهذا الدليل على خطورة عقدة الذنب وأن يكون مصيره شبيهاً بمصير شقيقه أو شقيقته أو والديه. 

كيف يمكن التخلّص من عقدة الذنب؟

يشدد عازوري على أهمية الكلام والحديث عما عاشوه والتعبير عن مشاعرهم الداخلية سواء مع الأقارب أو العائلة أو الأشخاص الذين يثق بهم، قبل الوصول واللجوء إلى المعالج النفسي. الكلام سيساعده على التعبير ، بالإضافة إلى بعض الأعراض التي تعكس عقدة الذنب دون أن يعرف ماهيتها، حيث يعاني الشخص الناجي من أرق واضطرابات في النوم، وقلّة الشهية وعدم تناول الطعام، وعدم الشعور بالفرح والحزن يرافقه طيلة الوقت. 

لذلك من المهم أن يعرف الناس أن الكلام يُحررهم، وعليهم أن يتحدثوا عما في داخلهم، وأنهم بحاجة إلى الوقت ولكن لا بدّ من الخروج حتى يتمكنوا من العيش. علينا أن نسمعهم ولا يجب أن نقول لهم أبداً "بسيطة" لأن ما عايشوه صعب وقاسٍ وصادم. وما نشاهده من صور ومشاهد ومآتم على التلفزيونات والبكاء معهم، تعتبر في مكان ما وسيلة أو طريقة للتخلّص من عقدة الذنب التي نشعر بها، شرط أن لا تتحوّل إلى مشكلة مرضية تجعل الشخص متابعاً لهذه المشاهد طيلة النهار وباستمرار".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم