الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف يعيش سكان مارمخايل- الجميزة بعد أسبوعين على الانفجار؟ (صور)

المصدر: النهار
فرح نصور
كيف يعيش سكان مارمخايل- الجميزة بعد أسبوعين على الانفجار؟ (صور)
كيف يعيش سكان مارمخايل- الجميزة بعد أسبوعين على الانفجار؟ (صور)
A+ A-

بعد أسبوعين على انفجار مرفأ بيروت، ما زال أهالي منطقة مارمخايل - الجميزة يلملمون أنفسهم ويعاودون الوقوف. تهافتت المساعدات الإنسانية على المنطقة من جمعيات ومنظمات غير حكومية ومن أفراد، وأحياناً من الدولة. لكن حتى الآن، لا شيء ملموساً في ما يتعلق بالمساعدة في تصليح الأضرار. لا شكّ في أنّ ما عاشه سكان هذه المنطقة لا يقتصر على الأضرار المادية أو الجروح الجسدية، بل الوجع الأكبر يكمن في النفوس والأذهان. في هذه السطور، مشهدية ما يعيشه السكان بعد 15 يوماً على الانفجار.


لدى وصولنا إلى المنطقة، كانت حركة الناس والسيارات كثيفة، فمَن بقي في منزله بدأ يلملم نفسه ويصلّح أضراره، ومَن "تهجّر" من بيته يأتي كلّ يوم لـ "يناوب" أمام منزله أو داخله علّه يتلقّى أي مساعدة أو أي جهة تسأل عنه وعن حاله. ومنهم من يمكثون هناك خوفاً من السارقين الذين يسرحون بلا رأفة أو رادع.

في المبنى المقابل لشركة كهرباء لبنان، في الطبقة الثالثة من مبنًى أخضر، فتاة عشرينية تعيش مع ذويها في المبنى القديم الخالي حتّى من مصعد. دفع الانفجار بوالدتها من الشرفة إلى الصالون. منذ وقوع الكارثة وما زالت والدتها تعيش الوهلة، إذ يرتفع ضغط دمها والسكري معها، مما دفع بابنتها إلى نقلها إلى المستشفى، لكنّها تعافت الآن. وضعت الفتاة رقم هاتفها على باب المنزل في حال لم تكن موجودة. وتأتي إلى المنزل الفارغ خلال النهار لكي تنتظر أية مساعدة كانت من أي نوع، أو أي جهة تسأل عنها وعن أهلها. زارهم مندوبون عن منظمة اليونيسف، والبلدية، وبعض الجمعيات، وتظنّ أنّ أحداً من الهيئة العليا للإغاثة قد زارهم لكنّها لم تكن موجودة، فهم حالياً مهجّرون.

الفتاة التي لم تعِش حروباً سابقة، قرّرت أن تهاجر من لبنان لعدم قدرتها على الاستمرار في هذا البلد بعد ذلك الانفجار المريع. "نفسياً لا أدري كيف سأنام في هذا المنزل إذا ما أُعيد إصلاحه، فالمنزل يطلّ على المرفأ مباشرةً من الشرفة، وذلك ليس جميلاً أبداً. حتى المطعم حيث كنت أعمل، والذي يبعد 5 دقائق من هنا، تحطّم بالكامل، وجارته صديقتي توفّيت، لا أعرف كيف سأتأقلم مع ذلك فأنا كنت أراها كل يوم"، تروي ريتا. بدأت بتحضير ملفّها لتهاجر إلى ألمانيا أو كندا، فـ "لم أعد أستطيع العيش هنا هذا مستحيل، الأمر أصبح صعباً جداً، إذ لا يمكن أن يؤمّن الإنسان على حياته هنا، ولو لم أمُت في المحل، كنت سأموت هنا في المنزل".


في المبنى الملاصق، وفي الطبقة الثالثة أيضاً منه، منزلٌ قديم دمّر كلّ ما في داخله. يروي صاحبه أنّه لم يكن في المنزل لحظة الانفجار، انما كان بعيداً 10 دقائق، لكن الله والقديسة ريتا نجّيا والدته وأخاه الموجودين فيه. من شباك صالونه الواسع يطلّ المرفأ، ونرى الدمار الذي حلّ به بالكامل، إذ يبعد حوالى 250 متراً عنه ولا يحجبه أي مبنًى آخر. اليونيسف هي الوحيدة التي صدقت مع نبيل، إذ زارته جمعيات ومنظمات غير حكومية وغيرها، لكن "كلّه كلام، لم ألمس شيئاً منهم"، سوى من المنظمة المذكورة التي بدأت بتصليح منزله وإن ليس بشكل كامل. هو بحاجة لكثير من إعادة التصليح. لدى سماعه الانفجار هرع و ترك كلّ ما في يده لإنقاذ أمّه. حملها من منطقة مار مخايل إلى الدورة لتضميد جراحها. ما رأه على الطريق من الأشرفية إلى منزله كان مأسوياً ولا يُوصف، من دماء وشهداء وجرحى و"أناس ممزّقين يستغيثون، ما لم أستطع تحمل رؤيته".

زاره شخص من الهيئة العليا للإغاثة لكنّه أكيد أنّه قبل 4 أو 5 سنوات لن يحصل على شيء. وفي الأيام الأولى من الانفجار، ساعده طلاب الجامعات والمدارس في تنظيف المنزل، كما أنّ خيم المساعدات المنصوبة في الشارع تساهم في توزيع الطعام. "لم نرَ الدولة إلا بعد اليوم السابع من الانفجار بعد أن ناشدنا عبر التليفزيونات، القوى الأمنية لتسيير دوريات هنا، فمنازلنا سُرقت رغم أنّي أغلقت منزلي بلوحٍ خشبيٍ ومسامير لكنّه لم يسلم من السرقة". يأتي ليتفقّد منزله ويفكر مَن يمكنه مساعدته. وبعد أسبوعين على الانفجار، يشعر نبيل أنه ضعيف، ويتأكّد أكثر أن لا عدالة في هذه الدنيا ولا دولة، "يا ليتني سرقت من قبل، لأنّني لو أملك المال لما تبهدلت هذه البهدلة"، يشرح بأسف. بعد ثالث يوم من الانفجار، استشار طبيبين ووصفا له حبوباً مهدئة وأدوية ضد الكآبة بأسرع وقت، جراء شعوره بآلامٍ في الرأس وتشنجات في جسمه، "عليّ أن أقف على رجلي لأستمرّ".

قرب مختار المنطقة، جمعة من النساء والرجال يتحدّثون. اتّضح أنّهم يداومون قرب منازلهم المدمّرة القديمة والتي هجروها. يروي رجلٌ منهم أنّ البلدية وفوج الإنقاذ الألماني والجيش زاروهم. المنزل مهدّم وبعض أسقفه هبطت ولا يمكن السكن فيه قبل سنة تقريباً. يأتي لكي يستقبل من يأتون للمساعدة، ولحماية منزله من السرقة، لأنّ هناك من يقوم بهذه العمليات ليلاً. عند رؤيته منزله المدمّر، حيث نشأ مع أهله وتزوّج وأنجب أولاداً، "يفطر قلبه" إذ لا يمكنه الدخول إليه فهو مليء بالردم، فـ "نفسيتي تغيرت ولن أعود إلى طبيعتي حتى يعود بيتي كما كان" .

ابن عمّه الواقف بجانبه يعبّر عمّا رآه بـ "المرعب" ويردّد الكلمة 3 مرات. "مرّت عليّ حروب عدة، جميعها ليست كهذا الانفجار"، يقول الرجل. وما زال لا يستوعب ما حدث، لكنّه لدى رؤيته منزله حالياً، يحمد ربّه أنّ عائلته بخير.

مايا، تعمل كمترجمة في منطقة الجميزة. لم تصدّق أنّها نجت من الانفجار وأنّه حصل بالفعل. بعد 15 يوماً، لا تصدّق كيف يمكن أن يدمّر كلّ شيء في حياتها من عملها إلى منزلها في ثوانٍ معدودة. كل شيء أصبح على الأرض في مكتبها. ولدى خروجها في ذلك النهار إلى الشارع، أحسّت أنّ المنطقة كلّها صارت أرضاً، فمشهد الجرحى والشهداء لا يوصف ولا يفارقها. ما زال الذعر الشديد يقضّ مضجعها. لا نفس لها على العمل حتّى في منزلها، "كلّما نظرت إلى كلّ ذلك الخراب في المنزل، أشعر برغبة في البكاء، وحتى هذه اللحظة لا أستوعب ما رأيته في الشارع"، تفيد المترجمة. كانت قد أعلمت أهلها أنها لن تتزوج ولن تنجب في لبنان، لكنّها بقيت معهم في السنوات العشر الفائتة إكراماً لهم. أمّا الآن، وبعد هذا الزلزال، اتّخذت قرارها بالسفر والهجرة، قراراً نهائياً لا عودة فيه. "لست بحاجة إلى أحد، أنا بحاجة فقط إلى أن أعاود عملي وألّا أحتاج أحداً أنا وأهلي، فما حدث فظيع ويفوق التخيّل وحتى الآن رأسي مقفل ولا أستطيع التركيز ولا استطيع النوم من كثرة التفكير عمَّ علي أن أفعل وماذا سيحلّ بي" .

لينا، في المبنى المجاور، انتقلت للسكن عند أقاربها لعدم صلاحية منزلها. فهي وابنها وحماتها اصيبوا جراء الإنفجار وحماتها اصيبت إصابة بالغة بفقرات ظهرها ورقبتها وصدرها. تأتي إلى منزلها لتتفقده وتنتظر أن يأتي أحد ليسأل عنهم. لحظة الإنفجار شعرت وكأنها تموت. وكلما دخلت منزلها حالياً، أحست أنها ستصاب بالإحباط وكل ضربة تسمعها تخيفها. لا يسعها أن تصدق حتى الآن ماذا حدث في ذلك اليوم فالله أنقذها وعائلتها.


في محل لبيع الأجهزة الخلوية، يقف صاحبه على الـ "باب " الذي طار جراء الانفجار. أفرغ محلّه إلّا من بضع سلع علّ أحداً يقصده في ظل هذه الضوضاء التي تحلّ بالمنطقة في هذه الأيام. "علينا أن نقف ونستمر. لكن كيف نستمرّ وما زلنا لا نستوعب أنّ ذلك حصل فعلاً، لا زلنا تحت الصدمة"، يقول الرجل.

وكثرت التقديرات حيال حجم الخسائر حتى إن البعض قدّرها بـ 20 مليار دولار، إلّا أنّ محافظ بيروت مروان عبود قدّر قيمة الخسائر المباشرة الناجمة عن الانفجار (مرفأ ومنازل ومؤسسات تجارية ومطعمية وفندقية) بين 3 و5 مليارات دولار كرقم أولي". وهذا الرقم، وفق ما يؤكد الخبراء، يعادل نحو 9.36% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبنان خلال 2019، والبالغة 53.37 مليار دولار. أمّا الخسائر والأضرار غير المباشرة الناتجة من الأضرار الاجتماعية وتوقف المؤسسات ومرفأ بيروت إضافة الى الأضرار البيئية والثقافية بما فيها البيوت الاثرية التي "لا تقدّر بثمن" وفق عبود فتقدر بنحو 15 مليار دولار.










الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم