الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فلنمنع الموت عن لبنان فلنمنع لبنان من الموت

المصدر: النهار
عقل العويط
عقل العويط
فلنمنع الموت عن لبنان فلنمنع لبنان من الموت
فلنمنع الموت عن لبنان فلنمنع لبنان من الموت
A+ A-

كتب أمين معلوف مقالًا في جريدة "لو بوان" الفرنسيّة في 14/8/2020، تحت هذا العنوان تقريبًا، مقترحًا أنْ تتولّى الدول الخمس الكبرى الدائمة العضويّة في مجلس الأمن، مجتمعةً – مكرّرًا: مجتمعةً – في مرحلةٍ أولى، ولا أحد سواها، إلّا ربّما الاتّحاد الأوروبيّ مجتمعًا، وضع إدارةٍ موقّتةٍ للبلاد المنكوبة، تنصرف إلى إعادة إعمار لبنان في كلّ المجالات التي لم تعد صالحةً للعمل، ذاكرًا بالتفصيل هذه المجالات (العمرانيّة والاقتصاديّة والماليّة والبنيويّة والتربويّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة)، على أنْ تُجرى انتخاباتٍ حرّة، عندما يحين الوقت الملائم لذلك، نافيًا نفيًا مطلقًا عن هذا الرؤية المقترحة للإنقاذ، أيّ احتمالاتٍ دلاليّةٍ أو إيحائيّة، تحيل على أفكارٍ ومشاريع، من مثل "التدخّل"، أو "الانتداب".

المقال الذي كتبه أمين معلوف طويلٌ ومفصّل، تقنيٌّ وتفلسفيّ، وهو يمثّل رؤيةً متكاملةً، لا بدّ أنْ تكون أثارت، ولا بدّ أنْ تظلّ تثير ردود فعلٍ مختلفة، ومتناقضة، مؤيّدة ومعترضة، ليس أقلّها الرفض المطلق لمبادرةٍ إنقاذيّةٍ (خلاصيّة) – أكاد أقول مستحيلة – كهذه المبادرة، تحت حججٍ وذرائع "سياديّة"، "وطنيّة" و"قومويّة" وسواها.

أمين معلوف، العارف بجوهر الحقيقة اللبنانيّة، والملمّ بأحوال المنطقة العربيّة، ومنطقة الشرق الأوسط، وبالحضارات، والثقافات، والهوّيّات، لا بدّ أنْ يكون واعيًا الأسباب والموجبات التي تدعوه إلى إطلاق النفير الأمميّ لإنقاذ لبنان من الموت، وواعيًا في الآن نفسه، الظروف الموضوعيّة الداخليّة، والتعقيدات الإثنيّة والهوّيّاتيّة والمذهبيّة والعرقيّة، كما وقائع الوصايات الإقليميّة على مكوّناته، التي تحول دون الدعوة إلى إنقاذ لبنان من "الداخل".

كأنّي به يقول: لا أمل يُرتجى من السلطات والقوى والأحزاب والتيّارات والمكوّنات المذهبيّة، والمؤسّسات القائمة، في المبادرة إلى إنقاذ لبنان.

شخصيًّا، أقول بصوتٍ مدوٍّ: لا رجاء يُرتجى من الطبقة السياسيّة اللبنانيّة، ومن الحكّام والرؤساء. لا رجاء يُرتجى من هؤلاء على الإطلاق. بل يجب خلعهم خلعًا نهائيًّا، بأيّ طريقةٍ ممكنةٍ، باستثناء العنف المسلّح طبعًا.

يجب خلع الطبقة السياسيّة المتحكّمة بلبنان، خلعًا قياميًّا وأبوكاليبتيًّا، لا عودة عنه. ولكن من دون عنف، ومهما طال الزمن.

في المقابل، وبالقوّة نفسها، نعم، يجب منع لبنان من الموت. لأنّه واجب الوجود عقليًّا وفلسفيًّا وإنسانويًّا وحضاريًّا. ولأنّه ضرورةٌ لذاته، لفكرته، لكيانه، لوجوده، لمختبره التوليديّ. ولأنّه ضرورةٌ للجغرافيا، للتاريخ، وللتلامسات والتفاعلات الجيوسياسيّة. ولأنّه ضرورةٌ للمنطقة، وللعالم.

إنّي أقول بهذا الرأي، لا انخراطًا في تهويماتٍ وجدانيّةٍ، ولا انزلاقًا نحو تصوّراتٍ استعلائيّةٍ ومَرَضيّة، ولا أيضًا حنوًّا على تعايشٍ، أغلب الظنّ أنّ الطوائف والمذاهب استدرجته إلى جحيمها القاتلة، فجعلته كاذبًا، ماكرًا، خبيثًا، بين الأديان والمكوّنات، ومدمِّرا ومستحيلًا على السواء.

بل إنّي أقول بهذا الرأي فقط لأنّ هذا الوطن الصغير ينطوي في ذاته الكليانيّة على الجواهر والجزيئات التي يقوم عليها هذا لطف العالم، وبها يتبلور مصيره.

وعليه، فإنّ منع لبنان من الموت، هو منعٌ استباقيٌّ واستراتيجيٌّ للعالم كلّه من الموت.

عودٌ على بدء المقال الذي كتبه أمين معلوف تحت عنوان الدعوة إلى منع لبنان من الموت. لكنْ، كيف، أيّها الكاتب؟ قلْ لي كيف يمكن هذه المبادرة – الرؤية أنْ تجد طريقها إلى النور، وإلى التنفيذ؟ وأنتَ، أيّها الكاتب، تخاطب مَن؟ أقصد، على مَن تتّكل في تحقيق هذا المشروع؟ أعلى نزاهة الدول العظمى – دولةً دولة – أم على خشيةٍ تخشاها هذه الأمم على نفسها وعلى العالم؟

أعرف أنّ نداءً كهذا، لا بدّ أنْ يستحثّ الأخلاقيّات، التي لا تزال تحافظ على مواقع نفوذها في كلٍّ من الدول الخمس الدائمة العضويّة في مجلس الأمن، كما في الاتّحاد الأوروبيّ، كما في كلّ أنحاء العالم.

لكنّي أغتنم المناسبة، لأقول إنّه ينبغي لقوى الحرّيّة والإبداع والأنسنة، للشعراء والكتّاب والفلاسفة والحكماء والرؤيويّين والفنّانين، ولكلّ الذين يهمّهم منع سقوط العالم في القتل والعنف والثأر والحقد والأنانيّات – لا فحسب منع سقوط لبنان - ويفعلون المستحيل لصون أنسنته، أنْ يبادروا إلى إنشاء قوّة ضغطٍ هائلة ("لوبي") للتأثير على مجلس الأمن، على الأمم المتّحدة، على الدول الكبرى، وعلى تلك الأقلّ عظمةً، لأجل إنجاز هذه المعجزة.

يمكنني أنْ أضيف شيئًا "ما"، على مقال أمين معلوف.

ثمّة في لبنان مَن لا يزال يؤمن بضرورة لبنان. أكرّر: لا انخراطًا في تهويماتٍ وجدانيّةٍ، ولا انزلاقًا نحو تصوّراتٍ استعلائيّةٍ ومَرَضيّة، ولا أيضًا حنوًّا على تعايشٍ مفخّخٍ بالدجل والانتهاز.

إنّي أومئ إلى أهميّة احتضان المدّ المدنيّ العلمانيّ، وجموع المواطنات والمواطنين، وخصوصًا الشابّات والشبّان منهم، الذين يصنعون حالةً تغييريّةً مفتوحةً، فائقة الأهميّة، تحتاج إلى مَن يصونها ويبلور تكوينها، لتكون على أهبة ملاقاة المجتمع الدوليّ... إذا تحقّقت معجزة ندائكَ إلى مجلس الأمن ودوله الخمس الدائمة العضويّة.

لبنان ضرورةُ ذاتِهِ. وضرورةٌ للعالم.

فلنمنع الموت عن لبنان. فلنمنع لبنان من الموت!

لقراءة مقال أمين معلوف بالفرنسية اضغط هنا

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم