الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

دريان: لا نحتاج إلى الحياد إذا بنينا دولة قويّة وعادلة

المصدر: "النهار"
دريان: لا نحتاج إلى الحياد إذا بنينا دولة قويّة وعادلة
دريان: لا نحتاج إلى الحياد إذا بنينا دولة قويّة وعادلة
A+ A-

رأى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في رسالة وجهها إلى اللبنانيين لمناسبة حلول رأس السنه الهجرية "إن التهديد الوجودي للبنان الوطن والدولة، يقتضي أموراً عاجلة: تحقيق دولي لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة، الإقبال على تغيير جذري في السلطة، كما هي إرادة الشباب، بل كل الناس، قيام رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيابية ملزمة وعاجلة، لتسمية رئيس حكومة، يكلف بتشكيل حكومة حيادية إنقاذية، ويكون من مهماتها، إنفاذ الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية، في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري".

ولفت المفتي دريان إلى أنه "قد لا نحتاج إلى الحياد، إذا بنينا دولة قوية وعادلة، ومعززة بالوحدة والتماسك الداخلي"، معتبراً أنه "إذا بقينا على انقسامنا ولم نبن دولة، فلن يفيدنا أي حياد حتماً، ولن نخرج من نفق التمزق والتشرذم والحقد والعداء".

نص الرسالة

"أيها اللبنانيون: قليلة هي الحواضر التي قاست وقاسى أهلها ما قاسته بيروت. ومفهوم أن يكره الأعداء حياتها المزدهرة، وحريتها ، ووداعة أهلها، وسلامهم، فيحاولون الاعتداء عليها. أما أن يأتي العدوان من المتنعمين بخيراتها، ومن سلطاتها، بالإهمال أحياناً، وبالتواطؤ والتعمد أحياناً أخرى. فهذا هو الأمر المستنكر الذي لا تقبله النفوس الكريمة، ولا مبدئيات المواطنة وأعرافها.

نعم، إن يوم الرابع من آب، هو يوم أسود في تاريخ بيروت ولبنان والمشرق. فخراب المرفأ، وخراب بيروت، ومقتل المئات، وجرح الآلاف، تجعلنا جميعا أمام جريمة كبرى من جرائم العصر. فكيف يمكن للمرء أن يقف صامتاً أو لا مباليًا أمام هول هذه الجريمة الكارثة؟ كيف يمكن للبناني ألا ينفجر وهو يرى بأم عينه تدمير عاصمته بفعل إهمال أو عدم مسؤولية من سلمهم قيادة البلاد، ومنحهم ثقته، كيف لمن يتولى القيادة أن يتهرب من المسؤولية، أو يعفي نفسه من المسؤولية، بحجة التراتبية الإدارية، ويبقى المسؤولون في مراكزهم، ولا يبادرون خجلاً إلى ترك مواقعهم طوعاً لمن يستحق، امتثالاً لإرادة الشعب؟ كيف يمكنهم أن يواجهوا ببرودة أعين المفجوعين والمتألمين.

ما هذا الغياب التام لشعور الطبقة الحاكمة، بما ألم بمواطنيهم من مآس وأوجاع؟ ما هذا التمسك المرضي بالسلطة، مع ثبوت العجز وعدم الاكتراث بما سببوا للبنان وللبنانيين، من آلام وعذابات؟ لقد أعمتهم السلطة عن رؤية الحق، وعن الإحساس بالناس، الذين أفقدوهم آمالهم وأحلامهم، وحرموهم من كل ما يجعلهم يتمسكون بالحياة، حرموهم من فلذات أكبادهم، من أطفالهم، من أمهاتهم، من أسماعهم وأبصارهم، وحولوا حياتهم رماداً وسواداً وجحيماً.

وبعد، هم لا يريدون الاستعانة بالتحقيق الدولي، بحجة الحفاظ على السيادة الوطنية، وهم هم من أسقطوا سيادة لبنان، ونتساءل: أهم أصحاب السيادة أم الشعب هو صاحب السيادة، أليس الشعب هو من فوضهم ممارسة السيادة وأوكلهم بثقته ممارستها، ألا يستحق اللبنانيون معرفة الحقيقة، للأسف ما من حقيقة في لبنان، ما من مساءلة، ما من محاسبة.

لقد بلغ اليأس باللبنانيين مبلغه، إلى حد البحث اليائس عن حل لمأساتهم، أو صيغة أو نظام، أو تأمين الحد الأدنى من الاستقرار والأمان والعيش الكريم، وقبل أن يأخذهم القهر والذل والخوف إلى المضي قدماً في ذهولهم، مستجيرين بالنار وسوء المصير والاندفاع إلى المجهول، يستفيقون مذعورين من هول المصاب ويتساءلون: أين الدولة؟ أين المفر؟ ونحن لم نبن وطنا ولا دولة، فكيف يكون حياد وما من ولاء للوطن؟ وكيف يكون حياد في غياب دولة ونظام عام، واحترام للدستور، وتطبيق للقوانين، واحترام للسيادة، وتمسك بالاستقلال؟ أنبني من الخوف سياجاً، ومن القهر حصناً، أو نرجو من الضعف قوة؟ إنها مسالة إيمان بالحق والعدالة، حق الإنسان أن يعيش حراً كريماً، وحق الشعب بالأمان والاستقلال، وتقرير المصير.

قد لا نحتاج إلى الحياد إذا بنينا دولة قوية وعادلة  ومعززة بالوحدة والتماسك الداخلي، وبالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ومتوجة بالعيش المشترك الآمن، فهذه الدولة تغنينا عن كل حياد، لأنها تشكل سياجاً وطنياً قوياً، وحماية كافية. أما إذا بقينا على انقسامنا ولم نبن دولة، فلن يفيدنا أي حياد حتماًَ، ولن نخرج من نفق التمزق والتشرذم والحقد والعداء .

أيها اللبنانيون: ما قيمة الحياد إذا كان المسؤول لا يقيم وزنا لمفهوم الاستقلال والسيادة، ولا يدرك معنى أو مضمونا لمفهوم الدولة والحكم الرشيد والحرية، ولا يعرف كيف يجنب بلاده وشعبه التورط في الحروب والانقسامات والنزاعات، والصراعات الفئوية، والمحلية، والإقليمية والدولية، فيستدرج الدول إلى ساحاته ومدنه ومؤسساته، ويستجدي القوى الإقليمية والكبرى، التدخل في شؤونه، بدل أن يعمل على التزام دستور بلاده، واحترام القوانين، والقيام بكل ما يؤدي إلى تعزيز وحدة الشعب، وأمن المواطنين، واحترام المؤسسات، وإغناء الوفاق الداخلي، وتدعيم قواعد العيش المشترك، وبناء الدولة، واحترام قيم الحق والعدالة والمساواة، وتأكيد أهمية الولاء الوطني. حتى مبدأ النأي بالنفس، وهو الوجه السياسي لنظام الحياد القانوني، الذي تم التوافق عليه، وتحول التزاماً في البيان الوزاري للحكومة، انقلبنا عليه، ولم نحسن التعامل معه، فعدنا لنطرح الحياد بديلاً، حيث ضاقت الخيارات، تحت ضغط المآسي والنكبات، والانفجار الكبير.

لقد ضيقتم على الناس الخناق، ولم تؤمنوا لهم الأمن أو الحماية، ولم تجعلوهم يوماً يشعرون بالطمأنينة أو الاستقرار، واستعملتموهم وقودًا في خلافاتكم ونزاعاتكم وصراعاتكم ، بكل أنواعها، الطائفية والمذهبية والمناطقية، طمعاً بالسلطة والمال والهيمنة، فألجأتموهم إلى الهروب لصيغ وحلول لا تشكل بحد ذاتها أماناً، أو سياجاً، أو ضماناً، أو حماية، فماذا أنتم فاعلون؟

إن هذه الكارثة ليست أولى كوارث هذه السلطة العاجزة والفاسدة، إلى حدود الإجرام، فقد سبق اغتيال بيروت، انهيار اقتصادي ومالي ونقدي، هدد عيش اللبنانيين، وقضى على سمعة لبنان، وعلى كل ما أنجزه اللبنانييون، خلال المئة عام الأولى من عمر دولة لبنان.

إن هذا التهديد الوجودي للبنان الوطن والدولة، يقتضي أموراً عاجلة:

أولاً: تحقيق دولي، لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة.

ثانياً: الإقبال على تغيير جذري في السلطة، كما هي إرادة الشباب، بل كل الناس، وربما كان المعبر الأسلم لذلك، الانتخابات المبكرة، التي ينبغي العمل على توفير شروط حريتها ونزاهتها، وأولها قانون انتخاب ملائم.

ثالثاً: قيام رئيس الجمهورية، بإجراء استشارات نيابية ملزمة وعاجلة، لتسمية رئيس حكومة، يكلف بتشكيل حكومة حيادية إنقاذية، مكونة من اختصاصيين، لتتعامل مع آثار الكارثة، وتعيد الإعمار، ولتعمل مع المجتمع الدولي، لوقف الانهيار الاقتصادي، ولتهيئ البلاد لحاضر آخر مختلف عما نزل بها وبالعباد.

وأصل أخيراً إلى الأمر الرابع لأقول: إن من مهمات حكومة التغيير العتيدة، إنفاذ الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية، في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم أمس. وهي محكمة دولية من أجل إحقاق العدالة، وإنقاذ لبنان من ضياع السيادة، ومن استيلاء الجريمة السياسية. إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهداء الآخرين، يقتضي السعي للخلاص من السلاح المتفلت، أو لا يستقيم عيش في وطن ودولة.

نحن أهل الدين ، لا نعمل في الشأن السياسي، بل في الشأن الوطني العام. وعندما لا يقوم السياسيون بواجباتهم، فمن يحمي مصالح الناس في الحياة والممتلكات، والسيادة وحكم القانون؟".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم