السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

رأي قانونيّ في قرار المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان

المصدر: "النهار"
المحامي نديم البستاني
رأي قانونيّ في قرار المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان
رأي قانونيّ في قرار المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان
A+ A-

بعد إصدار المحكمة الدوليّة حكمها الابتدائيّ في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، يمكن تسجيل الملاحظات السريعة التالية:

١- القرار ليس مؤامرة أميركية، إذ إن جميع العاملين في المحاكم الجنائية الدولية لا ينظرون بعين التقدير للولايات المتحدة الأميركية لأنها لم توقّع على أغلب الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص.

٢- القرار ليس مؤامرة فرنسية أوروبية، إذ إن العاملين في المحاكم الجنائية الدولية يتنوعون من خلفيات فلسفية ودينية وسياسية وعرقية وجنسيات لا تحصى، ما يجعل السيطرة عليها من قبل أي دولة مسألة مستحيلة وعرضة للكشف الفوري.

٣- قرار المحكمة الخاصة بلبنان أول قرار جنائي دولي في تاريخ البشرية يصدر بالإدانة بجريمة الإرهاب، وهو بحسب تعريفه من قبل غرفة محكمة الإستئناف لدى المحكمة الخاصة بتاريخ 16 شباط 2011، جرم ذات هدف سياسي جماعي وليس جريمة فردية، وكما يستلزم بغية مقبوليته أمام القضاء الدولي أن يكون جرماً عابراً للحدود في كيفية تنفيذه. وهنا يثار الخلل في ضعف القرار في مقاربة هذه المعايير الضرورية.

٤- المحاكم الجنائية الدولية على العموم لا تلاحق الجماعات ولا الأحزاب ولا الدول، وهي لا تصدر الإدانة إلا بالأفراد.

٥- المحاكم الجنائية الدولية يفترض بها ملاحقة "الرؤوس الكبيرة" (تعبير قانوني) الذين يمتلكون القدرة على القرار بارتكاب الاعتداءات الواسعة النطاق، وليس حريّاً بها أن تلاحق المنفذين الصغار.

٦- المحاكم الجنائية الدولية تأخذ بقاعدة وجوب ثبوت التهمة خارج دائرة الشك المقبول، وهي بعكس المحاكم المحلية تمتنع عن بناء الإدانة بالكامل على توافر القرينة المنفردة.

٧- المحكمة الخاصة بلبنان أول محكمة جنائية دولية في التاريخ تطبق أصول المحاكمة الغيابية، خروجاً عن القاعدة العامة بوجوب محاكمة المتهم حضورياً بحسب ما هو مطبق في سواها من المحاكم الدولية، وذلك اقتباساً عن النظام الأنغلو-ساكسوني. وبعد الحكم الراهن الذي لم يتوصل إلى الحقيقة وأبقى على مجهولية الفاعلين، إلا بشكل شديد الجزئية لا يأتلف مع معايير العدالة الجنائية الدولية، سيتم التخلي عن المحاكمات الغيابية بعد أن أثبتت فشلها في هذا النوع من المحاكم الدولية.

٨- على قدر التحقيقات الإستقصائية والأدلة المتوافرة، أتى قرار المحكمة يراعي أعلى معايير القانون والعدالة، وقد استوفى موجب التحقق من توافر أركان التجريم مجتمعة وتوافر الرابطة السببية في ما بينها (بغضّ النظر عن الملاحظات القانونية الأخرى التي ليس لها أن تغير النتيجة المتوصَّل إليها جذرياً). فماذا يُنتظر من المحكمة التي لم يُعرض عليها أدلة جدية خارج دوائر الإتصالات دون أي دليل حسي أو شاهد مباشر! فالخلل الرئيسي يعزى إلى تقصير و/أو خطأ عمل لجنة التحقيق الدولية، ومكتب المدعي العام لدى المحكمة، وعمل فريق ممثلي الضحايا، وعمل الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية.

٩- ليس صحيحاً القول إن عجز السلطات اللبنانية عن اعتقال المدان سليم عياش من شأنه أن يؤثر على وضعية لبنان القانونية أمام الأسرة الدولية، أو أن يعرضه لأية ضغوطات إضافية، إذ إن التخاذل عن تنفيذ الحكم النهائي لا يقلّ خطورة عن عدم تنفيذ مذكرات إلقاء القبض بحق الأشخاص الذين كانوا متهمين قبل صدور الحكم. وعلى كل حال فإن مفعول مذكرات إلقاء القبض بحق المتهمين الأربعة سيظل سارياً في مرحلة الاستئناف.

١٠- القرار الصادر عن المحكمة الدولية عرضة للاستئناف، فمن بُرِّئ بداية قد يجرَّم استئنافاً، ومن جُرّم بداية قد يبرّأ استئنافاً. والتفاصيل التي لم تُكشف بداية قد تتوضح وتتبدل كلها، وقد تظهر أسماء جديدة صادمة في الإستئناف، دون أن يعني ذلك إدانة هذه الأسماء كون الإدانة لا يمكن أن تتجاوز قرار الإتهام ولكن على الأقل قد يكشف دورها.

11- المطلوب إقامة حملة ضغط على الأمين العام للأمم المتحدة بغية تغيير المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان، وكما يتوجب تعديل نمط عمل فريق ممثلي الضحايا، فيتم اختيار أشخاص لديهم العزم القانوني الكافي لتوجيه عمل المحكمة كي تشمل في إدانتها العلاقـة بـين الـرئيس والمـرؤوس، حيث يتحمـل الـرئيس المـسؤولية الجنائيـة عـن أي مــن الجــرائم الــتي يرتكبــها مرؤوسـون يخـضعون لـسلطته وسـيطرته الفعليـتين، أو نتيجـة لعـدم سـيطرته سـيطرة سـليمة علـى هؤلاء المرؤوسين وذلك سنداً للفقرة -2- من المادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة.

12- الهدف الرئيسي من أنشاء المحاكم الجنائية الدولية هو تحقيق الأمن والسلام الدوليين، وليس تحقيق العدالة إلا وسيلة لبلوغ الهدف التي من أجله خُلقت مؤسسة العدالة الجنائية الدولية.

13- في الختام، لا بدّ أن نعي كون المرتكز الأول لإحقاق العدالة وإرساء الحرية والأمن يبدأ من لدن الإرادة الذاتية للشعوب، وليست العدالة الدولية سوى عامل محفز لإرادة الشعوب نحو التغيير، وهي تفقد فعاليتها الجدية متى كان الشعب ذاته غير ضنين على تحقيقها، حيث أكبر تعبير عن هذه الحقيقة نجدها في كلمات الرئيس السابق للمحكمة الدولية أنطونيو كاسيزي: "العدالة الجنائية الدولية عملاق دون أطراف".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم