الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نعم للمواطنة، لا لطائفية المناهبة

نبيل بيهم
نعم للمواطنة، لا لطائفية المناهبة
نعم للمواطنة، لا لطائفية المناهبة
A+ A-


القساوة الشديدة للأحداث الأخيرة تفرض علينا الابتعاد عن أنصاف الحلول وعن الحلول الخاطئة، والتخلص من التردد، والتجرؤ على المطالبة، لا بل الإلحاح في المطالبة بما كان يبدو مستحيلاً ويفرضه اليوم عبء الضرورة الثقيل. لا يجوز أن نستمر في تبادل الاتهامات ولا في توزيع الإدانات على الجميع، فالمنظومة هي التي تعاني من خلل وظيفي، لا الأفراد فقط. لقد حان الوقت لاقتراح برنامج جذري للتغيير. ولا يمكن بلورة مثل هذا البرنامج إلا من خلال نقاش يشارك فيه جميع الأفرقاء إنما بمنأى عن العنف.

لماذا نبقى متقوقعين داخل طوائفنا؟ لأنه يُخيَّل إلينا أنها قادرة على أن تؤمّن لنا حماية أفضل من حمايتنا لأنفسنا. لماذا نرفض التغيير؟ لأننا لا نجرؤ، أو لم نجرؤ بعد على أن نصدّق أن المواطنة تؤمّن لنا حماية أفضل مما تفعل الطائفية.

يحدّثوننا عن إعادة الإعمار منذ ثلاثين عاماً، وتبدو إعادة إعمار الحجر بعيدة جداً من التحقق علماً بأنها ضرورية. كلما اعتقدنا أننا قطعنا خطوة نحو الأمام، يُعيدنا حدث جديد إلى الوراء فيما يتراكم الدمار. متى سننظر إلى الحقيقة في وجهها، الحقيقة التي يعيشها لبنان منذ 45 عاماً، بعدما ضاعت ثلاثة أجيال؟ إذا لم نضع حداً لكل ما يبدو اليوم بائداً ورجعياً ومسبِّباً للموت والدمار، فلن نتمكّن من التقدّم. وإذا لم نضع حداً للمنظومة السياسية الطائفية، فلن نبني أي مستقبل للجيل الرابع والأجيال اللاحقة. ليس المطلوب قفزة في الفراغ، بل المطلوب اقتراح إعادة إعمار للحقل السياسي الذي هو الحطام الحقيقي في البلاد، وتحديث العلاقات السياسية، بما يفسح في المجال أمام الحفاظ على إعادة الإعمار المادية. فما السبيل إلى ذلك؟

اليوم، يلتقي الشباب المعارِضون للمنظومة حول بعض النقاط الأساسية. أكثر من ذلك، يطرح "قدامى" الأجيال السابقة، بما في ذلك أولئك الذين لا يزالون مترددين أو المنتمون إلى أحزاب طائفية، أسئلة وجودية ويتبيّن أنهم متمسكون بالدرجة نفسها بإرادة التغيير. هل سنسمح بأن يظلّ الموت يخيّم على مجتمعنا وحياتنا وأحبابنا، أم أننا قادرون على بناء مستقبل بدلاً من الاكتفاء فقط بـ"البكاء على الأطلال"؟ لا يهم إذا أصابتنا أضرار في هذا الحراك التغييري، فأهلاً بالتضحيات شرط أن توصلنا إلى نتيجة. إنما نرفض البقاء حيث نحن إلى ما لا نهاية.

الدولة الطائفية كابوس، فهي لم تؤمّن لنا الحماية على الإطلاق، وليس بمقدورها حمايتنا. هذه الدولة الفاسدة لم تعد موجودة، وربما لم تكن موجودة يوماً. إنها مسرح ظل لشخصيات يُحرّكها أحدهم في الكواليس. لطالما كانت أسطورة، إلا في تهشيم عظام المتظاهرين، ودعم الأكثر يسراً واحتضانهم، وإفساد المجتمع وترك العفن ينخر فيه من أعلى الهرم إلى أسفله. يقتل هذا النظام، شأنه في ذلك شأن أنظمة أخرى، أبناءه وشعبه، ويدمّر الذاكرة والثقة، إنه نظام فاقد للشرعية، ويجب التجرؤ على وضع حد له.

هل يمكننا، أو هل نجرؤ على طرح هذا السؤال: ماذا يجب أن نفعل؟

يجب السعي أولاً إلى إجراء تغيير دستوري، أي تغيير تأسيسي للمرتكزات التي صنعت واقعنا خلال هذه السنوات المظلمة. يجب تغيير الدستور من خلال النقاط الآتية:

- فرض اللاعنف والنزعة السلمية ورفض اللجوء إلى السلاح باعتبارها مبادئ تأسيسية للعيش المشترك. لم نعد نريد سلاحاً، لم نعد نريد حمل السلاح، ولا أن يحمل أحد سلاح ضدنا أو من أجلنا. نريد نقاشات يشارك فيها مختلف الأفرقاء، ونريد احترام الآخر. نريد أن تسود الكلمة لا الإكراه. إنها ألفباء الدستور الجديد الذي نطمح إليه.

- نريد المساواة المطلقة بين المواطنين، والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات. ونريد أن نكون دائماً في الموقع الذي لطالما أردناه لأنفسنا، أي موقع المدافعين عن الحرية، حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة، وحرية الحياة الخاصة، وحرية أجسادنا التي يجب ألا تتعرض للتهديد بعد الآن. نرفض مختلف أشكال التمييز، التمييز بين الرجل والمرأة، والتمييز الذي يحول دون قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على الانخراط في المجتمع، والتمييز على أساس السن والأصل الاجتماعي أو الإثني أو المناطقي، وعلى أساس الميول الجنسية. نريد الدفاع عن الحقوق النقابية وعن الحياة التعاضدية من خلال إتاحة متنفّس للمجتمع المدني وإدراج هذه الحقوق في الدستور الجديد.

- ندعو إلى إلغاء الطائفية من الحياة العامة من خلال إلغاء الاعتبارات الطائفية في الوصول إلى المناصب العليا كما الدنيا في الإدارة. ونطالب بإصلاح النظام الانتخابي من خلال مجلس نيابي علماني يُنتخَب وفقاً لنظام النسبية. ويمكن إنشاء مجلس شيوخ تتوزّع مقاعده على أساس طائفي لإدارة الفترات الانتقالية.

- يجب أن يكون القضاء مستقلاً من خلال تغيير آليات التعيين وإخضاعها لمعايير الكفاءة بعيداً من الاعتبارات الطائفية. إنما ينبغي على الإدارة التقيد بمبادئ دستورية محدّدة بوضوح، وتتمثل بالشفافية والمساءلة، أي المسؤولية أمام القضاء والرأي العام.

- نقترح أن تؤدّي السلطات العامة دوراً أساسياً من خلال تطوير القدرات الإنتاجية للاقتصاد، سواءً كانت صناعية أو زراعية أو تكنولوجية، في إطار من التنمية المستدامة والمتوازنة بين المناطق. يجب إرساء هذا النوع من اللامركزية وصونه، لأنه يؤمّن التوازن بين المناطق.

- يجب أن تشمل جهود التحديث فصل الدين عن الدولة، لذلك يجب أن تخضع الأحوال الشخصية والمدنية للقوانين العامة التي ينبعي أن تسود على القواعد الطائفية التي هي مجرد أعذار لممارسة السيطرة بمختلف أشكالها. لا مانع من عقد زواج ديني بعد الزواج المدني، إنما يجب أن تكون الأوّلية للزواج المدني.

- يجب وضع خطة لفرض إلزامية تعليم جميع الأولاد في لبنان، لا سيما الفتيات، القراءة والكتابة. ينبغي أن يكون التعليم إلزامياً من سن الرابعة حتى سن السادسة عشرة. وفي ما يتعلق بالتعليم العالي، يجب أن يُدرَج في الدستور بندٌ يفرض على جميع الجامعات الخاصة في لبنان واجب تقديم الدعم للجامعة اللبنانية.

- يجب أن ينص الدستور على واجب حماية التراث والطبيعة، وهما من الموارد اللبنانية الأكثر تعرّضاً للتنكيل، وعلى إلزامية تضمين هذين المفهومَين (فضلاً عن مفهوم اللاعنف) في مادة التربية المدنية في جميع المدارس الرسمية والخاصة.

- يجب أن يبقى لبنان جزءاً من محيطه العربي وأن يكون رأس الحربة في قيادة العالم العربي على طريق الحداثة، وأن يبقى منفتحاً على العالم إنما مع النأي بالنفس عن النزاعات والمحاور المتنافسة.

لن نتمكّن من التقدم وإعادة بناء المستقبل وأداء دور إيجابي في الشرق الأوسط المأزوم إلا من خلال التحلّي بالجرأة لإصلاح الدستور. يجب أن يكفّ العالم، ونحن أيضاً، عن اعتبار اللبننة مرادفاً للعنف والأزمات. الضوء في آخر النفق، وعلينا أن نجرؤ على التخلص من عكّازاتنا، ونزع الغمامة التي تحجب النظر عنا، واقتلاع السدادة التي تصمّ آذاننا. يجب قطع أشواط أبعد نحو التجديد. وعلينا ألا نشعر بالخوف بعد الآن.

نحن لا نطلب الكثير، ولكن خوفنا من التغيير وعدم ثقتنا بالمستقبل يقوداننا دائماً إلى التراجع والانكفاء. فهل يدفع بنا حجم الكوارث إلى الذهاب أبعد هذه المرة؟ أوَليس دم جميع اللبنانيين أحمر، لا أخضر ولا أزرق! فهل سيستمرون في التقوقع داخل طوائف منعزلة؟ أم أننا سنسلك المسار الذي يقودنا إلى تقبّل بعضنا بعضاً والعمل من أجل مصير أفضل؟

 اختصاصي في العلوم الاجتماعية

ترجمة نسرين ناضر عن الفرنسية


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم