إحذروا الوباء اللبناني!

حمزة عليان

إذا ما تجاوزنا بحر المشاعر الإنسانية والعاطفة النبيلة التي أظهرها الشعب الكويتي تجاه فاجعة بيروت سنرى الصورة الحقيقية كما رسمتها أقلام الصحافة المحلية.

إستحضر المشهد اللبناني صورة الأمير محمد بن سلمان برمزيته التي باتت راسخة في العقل العربي، بأنه "قاهر الفاسدين" وكلما إستعصت ملاحقتهم تخرج الأصوات تنادي بإسمه وتستدعيه بعدما نجح بحبس رموز الفساد وسارقي أموال الدولة بإعتبار أن ذلك العلاج الشافي كما يعتقدون لمواجهة هذا الوحش الذي أوصل البلاد إلى الهاوية!

في الجوهر كانت الرسالة واضحة وكما قرأتها مجموعة من الكتاب على أنها مثال تجريبي لما قد يحدث في أي دولة عربية "رخوة أو فاشلة" ومنهم فهد البسام بجريدة "الجريدة" بالقول وبما أن الكويت توأم لبنان الثري، فهذا الثراء قد يشتري بعض الوقت لتغطية الفساد لكن لا يحلها... فالفساد الإداري والسياسي "خلطة" أخطر من نيترات الأمونيوم!

"فاللبننة" لا زالت تفعل فعلها والنظر إليها في الأوساط الخليجية عموماً بكونها "مشروع عدوى للعالم العربي" إذا بقي لبنان بحالته المرضية هذه، فالإصابة ستقع لا محالة.

الجوانب المشتركة والتي تجمع البلدين، وضع يده عليها الوزير السابق والكاتب في جريدة "القبس" علي البغلي متسائلاً، كيف لا نكون "لبنان الخليج" وسط هذا الكم من الهيئات والمؤسسات التي لا نرى لها أثراً إيجابياً، بل إهمال وسوء إدارة تغطيها مليارات البترول والمحسوبيات.. كان واضحاً لدى النخبة المثقفة في الكويت والخليج، أن سياسيي لبنان ينخرهم الفساد، وهذا إحساس انتقل إلى الكويت على خلفية أرضية مشتركة مفادها أن الفشل بإدارة الدولة اللبنانية يعود إليهم.

قد يكون الفساد هو المسبب الأكبر الذي انتقل صداه إلى الخليج عبر بوابة الكويت، وفي هذا المقام كتبت الإعلامية إقبال الأحمد في "القبس" مقالة في غاية الوضوح محذرة الكويت إذا لم يقطع دابر الفساد بالنار والحديد هنا، فنحن سائرون في الطريق نفسه...

لم تبالغ بالوصف ولا بالتشخيص بل كانت الصورة عندها أشد وضوحاً من نور الشمس في عز النهار "لبنان درس .. إذا استمر إعوجاجنا بالكويت كما هو منذ سنوات من دون حزم، فإننا متجهون للمسار نفسه وستقتل الدولة شعبها، علينا أن نتعلم ونتعظ"...

الزاوية التي انعكست على الواقع الخليجي، هي محاكاة الفتنة الطائفية وما ستخلفه من دمار مجتمعي قبل أن يستفحل في الجغرافيا الصحراوية ويتحول إلى "غول مفترس"، ولعل الكاتب أحمد الصراف في "القبس" هو من دق ناقوس الخطر لأن النفخ في نار الطائفية سيتسبب بضياع البلد، "إن لم ننتبه للمخاطر التي تحيق بنا، ونوقف انهيار منظومة الأخلاق أو ما تبقى منها في وطننا، فلا أحد يتمنى أن يكون مصيرنا كمصير لبنان"!

غابت صور لبنان المنفتح بجماله الخارق والطبيعة الساحرة، وحل مكانه الوجه الآخر من الصورة، بثنائية تجمع الشكل والمضمون... صورة الخوف بالإنجرار إلى دمار سياسي نتيجة الإهمال والتسيّب، من وجهة نظر الكاتب د. حامد الحمود في "القبس" ولسبب بسيط، "فلو كانت للحياة قيمة في لبنان لما سمح بتخزين متفجرات وسط المدينة.

وبسبب ما وصل إليه لبنان من فساد وتناحر بين الأحزاب يلازمها حالة من الإهمال واللامبالاة، دب الخوف هنا و "التخوف من أن يحل بنا مثل ما حصل في لبنان الذي تتنازعه الخلافات الحزبية وينتشر فيه الفساد مع التخبط باتخاذ القرار" على حد تعبير الدبلوماسي والكاتب محمد أحمد المجرن الرومي في جريدة "الجريدة"، والذي يستكمل تخوفه بالقول "علينا أن نتعظ ونجنب الكويت الفتن والتناحر والنزاعات" !

"الفوبيا اللبنانية" دخلت الشارع الخليجي وانتقلت إلى مراكز القرار ومتخذيه.. والمسألة لم يعد فيها تجميل أو مجاملات... وبكلام بات حديث المجتمعات المغلقة والمنفتحة... أبعدوا عنا هذا الكأس...!

فالخطاب الإعلامي الخليجي تجاوز حالة الانبهار بالنموذج اللبناني وبات اليوم مثل "البعبع"، الكل يخاف منه، فقد شوهت الطائفية السياسية صورة الديمقراطية "المهضومة" والمتنازع عليها... وهذا ما استولد رأياً عاماً يميل أكثر إلى الأخذ بالنظم الشمولية على غيرها من النظم الرخوة والفاشلة والمدمرة!

المخاطبات ذهبت مباشرة إلى "العهد" وهو تعبير سياسي موجه إلى من يحكم لبنان، فالكاتب سعود السمكة في صحيفة "السياسة" كتب مقالة بعنوان "ألا تخجل أيها العهد" عدد فيها أوجه التقصير والإهمال والفشل بإدارة "وطن عليه أن يتسول"!

وهو ما جعل زميله في نفس الصحيفة، طلال السعيد يبدي شفقته على الشعب المسكين الذي يدفع الثمن، بعدما إبتلى بساسة رموا مواطنيهم وبلدهم بكوارث...

ربما كان النائب السابق والكاتب عبدالمحسن جمال في صحيفة القبس، من الداعين لرسم خريطة لمستقبل لبنان على يد أبنائه وبأنفسهم ومن خلال مصالحهم دون الاكتراث لهذا الجانب أو ذاك... وبمعنى أوضح أن يعملوا لوطنهم وليس لحساب الآخرين...

الجدارية التي حفرتها كارثة "11 سبتمبر اللبنانية"، هي اليوم في العناية المركزة، بعدما بلغت حد الانفجار النووي "وكادت أن تنهي بيروت بانتظار مبضع الجراحين الذين يبحثون عن كيفية استئصال الورم الخبيث والتعافي منه، فهل ينجح ويكتسب المناعة اللازمة للحياة والعيش، أم ينتكس من جديد، لنرَ وننتظر؟